برج البراجنة ترفع الصوت.. وليسمع «صنّاع الموت»

«يوم كانت الضاحية الجنوبيّة بكل مناطقها هدفاً للإرهاب المُتنقّل كُنّا جميعاً يداً واحدة. يومها كان الأمن يُمثّل الأولوية بالنسبة الينا وليس لقمة العيش أو ما عداها من الأمور التي لدينا قدرة على تحمّلها من قطع طرق وإغلاق منافذ وعمليّات تفتيش دقيقة وصلت في معظم الأحيان إلى حد الإهانات. لكن اليوم لم يعد السكوت ينفع بعد أن وصل الموس إلى رقابنا». بهذه الكلمات يُعبّر اهالي منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، عن أوجاعهم إزاء ما يحصل خلال هذه الفترة في منطقتهم سواء من الإشتباكات المُسلحة التي تحصل يومياً بين تجّار المخدرات والتعرّض للفتيات على الطرق، بالإضافة إلى عمليات النهب والكسر والخلع للعديد من المحالّ التجارية وآخرها فرض الخوّات على أصحاب المتاجر والمؤسسات وعلى بعض العائلات الميسورة.

«نريد الجيش وشعبة المعلومات والأمن العام أن يدخلوا إلى البرج لكي يلقوا القبض على الزعران من بيوتهم ومن أوكارهم. ويجب أن تُقام الحواجز على كافة مداخل البرج وفي داخلها، وليسمع الجميع إن الضاحية الجنوبية كلها بحاجة إلى حواجز أمنية. بناتنا لا يستطعن الخروج من المنازل ولا نساؤنا ولا شقيقاتنا بالإضافة إلى الخوّات التي تُفرض علينا. القصة كبرت وما عدنا نحتمل هذا الوضع. ونريد أن نُعلن على الملأ كل ما نتعرض له». هذه الصرخة أطلقها مختار حي السنديان في برج البراجنة زين السباعي أوّل من أمس، والتي انتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وعلى الرغم من أنها لم تكن الصرخة الوحيدة التي يُطلقها اهالي البرج منذ أكثر من سنة، إلا أنها تميّزت باختصارها للوضع القائم في المنطقة في أقل من دقيقة، وقد عبّرت عن تعطّش الأهالي للعيش بأمان في ظل دولة تحميهم وتدافع عنهم من كل أنواع الأذى الذي يتعرضون له بشكل يومي على أيدي من امتهنوا تجارة الموت واحترفوا «صنعة» قتل الأبرياء.

لا يمر يوم من عمر منطقة برج البراجنة خلال هذه الفترة، إلا ويكون لها النصيب الأكبر من الإشتباكات المسلحة والإعتداءات المتنوعة من قبل شُبّان يبيعون الموت على الطرق وتحت اعين القوى الحزبية التي يُفترض بأنها موكلة بحماية أمن الناس ضمن المناطق التي تخضع لسلاحها. لكن هذا السلاح بدل أن يكون في خدمة الناس وتحديداً أهل البرج، أصبح يُمثّل عبئاً عليهم خصوصاً وأن جهات كثيرة تتلطى خلفه وتقوم بارتكاباتها وبأفعالها الموبقة من خلال وهجه، وآخر تلك الأفعال، ما حصل منذ يومين حيث ألقى مروج مخدرات قنبلة يدوية أثناء ملاحقة دورية من الجيش له، بالإضافة إلى سقوط جريح اثر إشكال مسلح وقع بين مجموعة شبان لا ينقطعون عن الشارع ولا يوفرون سيدة أو فتاة إلا ويتحرشون بها. ويُضاف اليها جرائم القتل العمد أو عن طريق الخطأ بسبب مشكلة ما، ناهيك عن الخوّات والمافيات على المولدات الكهربائية والمياه والساتلايت.

يُسجّل للأجهزة الأمنية، أنها تُنفّذ منذ فترة حملات للقبض على مطلوبين للعدالة في الضاحية الجنوبية وخصوصاً في منطقة البرج، نتيجة تزايد حدة الفلتان الأمني وتفاقم آفة تجارة المخدرات وإستباحة الأمن والإستقرار في المنطقة. وقد طالت هذه المداهمات رؤوساً كبيرة من أخطر المجرمين المطلوبين بتهم تصنيع المخدرات والاتجار بها في لبنان والخارج. لكن الإنفلات الحاصل في برج البراجنة يعود إلى انطباع فكرة في عقول أبناء هذه المنطقة انه ومنذ الثمانينات لا يوجد دولة، بل لا تستطيع الدولة أن تدخل إلى المنطقة دون إذن، وبرأيهم هذا ما يُشجع العصابات على ارتكاب الجرائم، وأفرادها على يقين أنهم لن يحاسبوا على ما اقترفت ايديهم طالما أنهم محصّنون داخل المنطقة ولا يستطيع أحد الوصول إليهم. ويزيدون على ذلك، أن قوى الأمر الواقع في المنطقة، لا تستطيع الإحتكاك بهؤلاء لمصالح انتخابية وغيرها. وعليه فإن المواطن العادي الطامح فقط بالأمان لا أكثر، لم يعد يستطيع العيش حيث لا في برج البراجنة ولا حتى جوارها.

التعبير الأبرز حول غضب أهالي برج البراجنة لكل ما يجري في منطقتهم، دعاهم أمس الأوّل إلى «رفع الصوت» عالياً وتنفيذ اعتصام عام، إقفال كامل لكافة المؤسسات التجارية من الساعة العاشرة صباحاً ولغاية الحادية عشرة، بدعوة من تجّار وفعاليات وأهالي البرج، تعبيراً عن رفضهم المطلق لـ «كافة أنواع الترهيب والاعتداء على كرامة المنطقة واهلها وسكانها». ويؤكد وجهاء المنطقة أن تجّار المخدرات «حاولوا القيام باستعراض من اجل إشاعة جو من التوتر في المنطقة بهدف تراجع الأجهزة الأمنية عن مطاردتهم، وهددوا بإشعال المنطقة وتحويلها إلى رهينة وبؤرة لهم إذا لم يتم كف اليد عنهم».

إقرأ أيضاً: طفح كيل أهالي برج البراجنة من الفلتان الأمني: نريد الدّولة
يبدو أن «حزب الله» المسيطر بشكل كامل ليس على منطقة برج البراجنة فقط، بل على كل الضاحية الجنوبية، بدأ يستشعر الخطر على نفسه هو الآخر بعدما كبر حجم العصابات التي نمت في ظل سلاحه، وبالتالي أصبحت تُشكّل خطراً مباشراً عليه، خصوصاً وأن إشكالات مسلحة تقع بين الحين والآخر بين عناصره وبين هذه المجموعات المتفلتة من كل الضوابط تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى سلاح الحزب. ودلالة على حجم الخطورة التي استشعرها، نفّذ «حزب الله» منذ شهر تقريباً، مسيرة استعراضية لعناصر ملثمة معروفة بـ «سرية العبّاس» جالت في أحيار البرج بذريعة «مكافحة آفة المخدرات» المنتشرة في هذه المنطقة. لكنه عاد وتنصل من الاستعراض معلّلاً أسبابه بـ «حماسة شبّان أمام شكاوي الأهالي».

إقرأ أيضاً: صرخة مواطن من برج البراجنة: السلاح يقتلنا ونريد الدولة
مرّة جديدة يسعى السلاح المتفلّت من كل الضوابط والأخلاقيات ومن يعيش بحماية هذا السلاح، إلى فرض أنفسهم كبديل من الدولة ودورها في حفظ الأمن والإستقرار وحماية كرامة المواطن من أي اعتداء. ولا شك بأن ما يحصل في البرج أو غيرها من المناطق، أعاد وبقوّة، طرح موضوع السلاح المنتشر بين أيدي المافيات وفارضي الخوّات على الناس وبالتالي فإن الدولة مدعوة إلى الضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه، هزّ الإستقرار وجرّ البلد في هذه اللحظة الصعبة على وجه التحديد، إلى فتن لبنان بغنى عنها.

السابق
جنبلاط حسم قراره تجاه قانون الانتخاب
التالي
تيم حسن يُعلن ارتباطه بإعلامية في شريط مصور!