من الجنوب الى طرابلس: التطرّف الدينيّ يزدهر!

التشدد الوهابي يتمدد في لبنان، كما يتمدد التشدد الايراني الخميني. فمن يردع الطرفين وأين تقف الهيئات الثقافية والإجتماعية من هؤلاء؟

دخل لبنان دون ان يدري في أجواء التشدد الديني. ففي حادث غريب حدث مؤخرا في شارع مار الياس التجاري ببيروت يتبيّن حجم السلطة التي تمتد وتنتشر لمجموعات لم تكن سابقا موجودة او تملك أية سلطة على المؤسسات الإعلامية.

فقد رفعت احدى الشركات اعلانا لها في شارع مار الياس، يحمل صورة فتاة ترتدي ثيابا داخلية من قطعتين، كاعلان لماركة محددة، بحسب ما اوردت “المؤسسة اللبنانية للارسال” حيث امتعض بعض القاطنين في الشارع، فما كان منهم الا ان اتصلوا بالشركة المُعلنة، مطالبين بازالة الاعلان بحجة انه يقع مقابل مسجد ومدرسة.

إقرأ أيضا: أوباما لن يسمح للمتشددين بإقامة خلافة إسلامية

وبالعودة الى الوراء قليلا، أي منذ سنوات قليلة، عمدت بعض الفاعليات في مدينة صور الجنوبية الى تحويل مهرجان رقص وفرح، أقيم في عدد من المدن اللبنانية، الى مهرجان لعروضات بهلوانية، بعد رفض المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى دخول الفرق الآتية من دول أميركية الى صور تحت عناوين “الفساد الاخلاقي”.


وبالأمس القريب، أزالت بلدية طرابلس، وبتأثير من المشايخ فيها اعلانا لمشروب كوكا كولا، يتضمن صورة لفتاة وشاب على البحر، ولا يحمل أية خدش للحياء او اساءة للمرأة. بحسب ما نقلت “جنوبية” في تقرير لها من هناك.

وهكذا دواليك.

ونشهد هذه الحالات، وباستمرار منذ ثلاثة عقود تقريبا، أي منذ دخول حزب الله الى لبنان، وانتشاره حيث كان الشباب الشيعي يرش ويدهن الصور واللوحات الاعلانية رغم انها عالية ومرتفعة بدهان أسود، في حال كان يتضّمن صورة إمرأة بلباس غير محتشم.
ووصل الأمر لاحقا الى طرابلس مع سيطرة المتشددين عليها. وتمت الاضاءة بشدة على الموضوع نظرا لتغيّرات جذرية اصابت مدينة الشمال.

واليوم حط التشدد رحاله في بيروت في شارع عُرف بطابعه التجاري الصرف. وانتشر مقابل ذلك “هاشتاغ” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقول “أوقفوا الثقافة الإرهابية في لبنان”.

فالممنوعات أكبر من أن تُعد وتُحصى. فهي صارت خبزنا اليومي. ومؤخرا مُنع أحد الافلام من العرض بحجة النعرات المذهبية، وهو فيلم “مولانا” ذي الانتاج اللبناني، الى ان تم اقتطاع تسعة مشاهد منه، لتسمح دار الفتوى بعرضه، رغم عدم أهليتها للمراقبة الفنية.

وتبقى لدار الفتوى والبطريركية المارونية اليد الطولى في المنع والفسح. في ظل غياب تام للمثقفين والمسؤولين المعنييّن بالشأن الثقافي والتربوي والإعلامي.

فـ”مولانا” يتحدث عن رجل دين، يُظهر الجانب الانساني المفعم بالحيوية والشخصية المرحة التي تجذب في خطبته داخل المسجد آلاف المؤمنين وتقدّم النصائح لمن أراد الهدى. وشاءت الصدف أن وقف على خشبة مسرح برنامج تلفزيوني ولمع في تفسير الفتاوى لا سيّما تلك التي تدور حولها خلافات، فأوضح وجهة نظره كشيخ من الأزهر عن المعتزلة والصوفيين والتشيّع، وفسّر الأقوال عن النبي محمد بما يتناسب مع العصر الحالي. بتعبير آخر هو رجل دين عصري، بحسب جريدة “النهار”. مما يعني انه لا يُسيء لصورة رجل الدين.

بالمقابل، وفي الغرب، نشرت مجلة فرنسية هي “شارلي آيبدو” رسوما مسيئة للنبي محمد(ص)، لكن السلطات الفرنسية التي تدافع عن “حق حرية التعبير”، لم تمنع نشر هذه الرسوم، واعتبرت ذلك جزءا من حرية التعبير.

وفي هذا الاطار، قال رئيس التحرير ستيفان شاربونيي “لدينا انطباع بأنه رسميّا مسموح لنا بانتقاد اليمين المتطرف الكاثوليكي، لكن لا يمكننا السخرية من المتطرفين الإسلاميين”، بحسب موقع “الجزيرة الإلكتروني”.

هذا التصريح لرئيس تحرير “شارلي آيبدو”، يؤكد ان المسموح في مكان ممنوع في مكان آخر. وان المعايير والمقاييس ليست بواحدة.

لذا نشهد اليوم في مناطق المسيحيين في لبنان انتشارا كثيفا للاعلانات الحرّة على العكس من المناطق التي يقطنها مسلمون متطرفون الذين يشددون على منع اعلانات الخمر ولباس البحر و”اللانجري”.

هذه الازدواجية في بلد واحد، وعلى ارض واحدة، وتاريخ واحد، تضرب المواطنية في الصميم، وتؤكد على الانقسام، والسعي الى اختيار الأماكن التي تناسب عقيدة كل منّا.

إقرأ أيضا: على طريقة شارلي ايبدو: ناهض حتّر يسيء للذات الإلهية ولا يعتذر

ففي بعض القرى الجنوبية مثلا، ومع انتشار مؤيدي الثورة الاسلامية الايرانية في لبنان في الثمانينات، كانت النساء غير المحجبات (السافرات) ممنوعات من الدخول إليها.

فهل ستعود هذه الافكار المتطرفة من جديد مع المتشددين الإسلاميين المؤيدين للوهابية في المدن السنية كطرابلس وصيدا وعكار؟؟

السابق
الأسد يراسل كيم جونغ أون ويوجه له الشكر!
التالي
إطلاق نار في برج البراجنة