الرقص على حافة الكوكب

الطائفية.. الفساد.. المحاصصة.. الرقص!

أرفع صوت الموسيقى، وأشد الوشاح على خصري، وأرقص… أحرر جسدي من كل الهواجس، من تلك الأعباء اليومية، من روتينية العمل ومكالمته الهاتفية وصوته الأجش. واستمع فقط للنوتات، فأتمايل على سلّمها بخلخالي و”أهتز”، وكأنّ الكواكب السبعة التي ولدت من علاقة “زنا”، سقطت عند أصابعي!
وأنظر في المرآة، فأتساءل ساخرة “هل تتزاوج الكواكب؟”، “ألا يمل هؤلاء الحمقى من اكتشاف أراضٍ ومجرات لا نقصدها”، ولكن ماذا لو صدقوا ولو أتت الآن مركبة وقالت لي “هيا هيا.. إلى كوكب آخر”؟

عند هذه الفكرة، أفك الوشاح فيسقط منهكاً، أطفىء الموسيقى لتغمز لي النوتة الأخيرة معاتبة، أتجاهلها بغنجٍ، وأستلقيَ فوق سريري المبعثر ونظري شاخص للبعيد، شاردة في الكوكب، في الرحلة، وتاركة العنان لمخيلتي التي حددت موعد الإنطلاق في الصباح الباكر.

سآخذ معي هاتفي، وجهازي المحمول، وبعض من ثيابي، وطلاء أظافري وفرشاة شعري، سأضع في حقيبتي أيضاً أوراقي التي أخربش عليها منذ أيام الدراسة، نسخة من رسالتي الجامعية التي تراكم عليها الغبار ولم أقم بمناقشتها، كتبي المفضلة وصورة والدي.

إقرأ أيضاً: مهرجان طرابلس السينمائي يفاجىء الجمهور الفني بضخامته!

ولن أخبر صاحب الصوت الأجش أنّي ذاهبة، سأتركه يبحث عني، لن يجدني لا في العمل ولا في المنزل ولا في الكوكب.. أنا في فضاء آخر، وهو ينظر لي من أسفل، يبحث عني بين المجرات دون أن يمكنه مني لا نظره الضعيف ولا التليسكوب البدائي.
حيث أنا لا شبكة انترنت، ولا خطوط هاتفية.. مما يعني استحالة أن يحادثني. وساعي البريد لن يقضي وقته حاملاً الرسائل الورقية بين كوكب الأرض وكوكبي… الذي لا أعلم ما اسمه لذا سوف ألقبه بـ”مدللي”.

هذا الكوكب الفارغ سأخطو إليه وحدي، حجارة، رمال، صحراء، جبال، بحار، أنهار.. لا نفايات، لا زحمة سير، لا جارتي تضرب سجّاد البيت لتوضبه مع رحيل الشتاء، لا ابن الجيران يصرخ من الأسفل لوالدته التي تسكن في الطابق الثامن.
لا مزامير السيارات تؤرق نومي، ولا ورشات العمل الصباحية وسمفونية “الخبيط” في بلد الأعاجيب الفينيقية.

لا جبران باسيل يقول لي “لن أسمح لك بمنح الجنسية لطفلك إن خرجتِ عن ملّة الوطن”، لا قاضي يضعني بين فكّي الموت فيقول لي “أو تصبرين على زوجك الأرعن أو تتنازلين له عن أولادك”.
لا مجتمع يصادر حقي وحريتي وكياني.. لأنّي بتعريفاته الذكورية “امرأة ناقصة عقل ودين”.
ولا شرطي سير يفرض عليّ ضريبة لأنّ طائفتي أكثرية وهو أقلية، فيما آخر ينتظر تنورتي القصيرة ليمنحني إعفاءً أبدياً من حزام الأمان.

إقرأ أيضاً: ما هي الرقصة المحرمة التي منعها كمال جنبلاط؟

هذا الكوكب لن أحمل إليه أبناء وطني، الذين يرمون النفايات على الطرقات، ويتعاملون مع التلوث كأنّه تراث، ويرمون الآثار كقطع مهملة.
لن آتي بهم، ليعمموا ثقافة السرقة والفساد والمحاصصة والطائفية.
لن آتي بهم، حتى لا يكون دولة الرئيس نبيه برّي هو رئيس مجلس نواب كوكبي، ولا ثقافة لي كيف يختارون رئيساً للمجلس (الكوكب) فمنذ كان وطني الأصلي ومنذ كنت والرئاسة برّية البصمة والحضور!
لن آتي بهم، حتى لا يتحوّل منصب رئيس الجمهورية لأداة طيعة في حارة حريك.. في كوكبي ما من حارة حريك، الضاحية الجنوبية في كوكبي لا تستقبل قبوراً صفراء، شبابها لا يموتون في ميادين إيرانية.
في ضاحيتي الشباب يرقصون، يغنون، يعربدون، يلونون الحياة ويكفرون بالقتل والسلاح والفلتان.

إقرأ أيضاً: الرقص في شوارع بيروت

لهذا الكوكب سأحمل فقط الأطفال، أولئك الذين لم يتلوثوا بغبار الحروب، ليكبروا معي على الموسيقى والرقص والغناء، على ما قاله الأدباء وما ردده الشعراء في فلسفة الحب وأبجدية الحب ولغة الحب.

فيروز في كوكبي هي الهوية، ومن لا يسمعها أُعيده إلى المنفى “إلى لبنان”.
وجبران خليل جبران، هو الأرض والانتماء ومن لم يتلون بحروفه، لا مكان له في كوكب أعمدته ليس بعلبكية وإنّما “جبرانية”!

في كوكبي.. تتصاعد الموسيقى إلى المساء.. إلى كل الفضاء، إلى اللا أكوان!

ولكن أين كوكب؟ أنا مازلت عند سريري السقف هو ذات سقف غرفتي صوت الموسيقى فقط عالي.. جداً عالي..

ما أغباني، هي موسيقى غرفتي، التي أعاد الشقي الصغير العبث فيها، بينما كنت أنا في رحلتي.. في غيبوبتي.

هنا أعاود الرقص، وأشد الوشاح من جديد.. لا شيء إلا الرقص يمسح عن أجسادنا رائحة الطائفية والنفايات والفساد.

السابق
اكتمال «هلال» الخسارة الخامنئية؟
التالي
نسبة الاقتراع في الإنتخابات الفرنسية 28%