الإسراءُ والمعراجُ والذكرى المتجددة

ما هي قصة الاسراء والمعراج ؟

قيل بأنّ مَنْ لا ذاكرةَ لتاريخِهِ لا مُستقْبَلَ له، فالذكرى مأخوذةٌ من التذكير، وحين تتجدَّدُ الذكرى يتذكّرُ فيها المؤمنون تاريخاً ومآلاً وماضياً ومستقبلاً، والله تلا علينا في الكتب السماوية قَصَصَ الذين مِنْ قبلِنا وأحداثاُ ستجري مِنْ بعدنا للبحث عن مسيرةِ حياتِنا، فحين قصَّ الله علينا ميلادَ عيسى ابنِ مريم ونارَ إبراهيم وإنقاذَ موسى ومكْرَ إخوةِ يوسفَ لا لتكونَ فيلماً ومسرحيةً وقصّةً تُمثَّلُ وتُرْوَى، وإنَّما حكى لنا عن الحياة. ولكلِّ قصةٍ أسبابُها ونتائجُها وثمرتُها.

فقصَّةُ الإسراءِ حُكِيَتْ بآيةٍ واحدةٍ من مقدِّمةِ سورةِ الإسراء، والمعراجُ روتْهُ سورةُ النَّجم في أكثرَ من تسعِ آياتٍ،وسورة الإسراء سُمِّيَت بسورة بني إسرائيل لأنّ الإسراءَ سيرتبط في المستقبل بوضع بني إسرائيل في العالم.

إقرأ أيضا: دار الفتوى بذكرى الإسراء والمعراج: لجعل تحرير الأقصى و فلسطين قضية أساسية

سببُ الإسراءِ والمعراج

فما مِن نبيِّ إلاَّ وأوذِيَ من قومِهِ، والعامُ العاشِرُ من البعثة النبوية كان من أشقِّ الأعوام على شخصية النبي عليه السلام، فقد ماتتْ زوجتُهُ خديجةُ القريبةُ لقلبِهِ وهي رفيقتُه وصديقتُه وحبيبتُه وناصحتُهُ ومسشتارتُهُ، وتوفي عمُّهُ أبو طالبٍ الساعدُ الأيمنُ والداعمُ السياسيُّ والاجتماعيَّ لشخصيته، وتعرَّضَ للأذى الجسدي والمعنوي حين لجأ لمدينة الطائف، وفي وسط كلِّ هذه الآلامُ والمصائبُ التي عُرِفَت بعام الحزْن جاءَتْ رحلةُ الإسراءِ والمعراجِ لتخرجَ الرسولَ من أحزانِهِ ومن عذاباتِ الأرض إلى رحاب ورحمة السماء ونعيم الآخرة في ضيافة الرحمن الرحيم.

التهْيئةُ
عندما وجَّه الله دعوةً لرسوله محمدٍ لزيارته في الملكوت الأعلى دخل جبريلُ بيتَ النبي عليه السلام وشَقَّ له صدرَهُ وملأهُ نوراً، وهو بمثابة لقاحٍ يتلاءَمُ وطبيعةَ الرحلة الفضائية للسماوات العُلَى، ولحمايتِهِ مِنَ المخاطِر التي ستواجهُهُ في درجات الحرارة والضغط الجوّي وتناقص نسبة الأوكسجين وتزايُد الغازات الخاملة ومخاطر الإشعاعات الكونية والشُّهُب والنيازك وظلمة الكون.

تكريمٌ تشريفٌ وتكليفٌ
برنامجُ الرحلةِ فَقَرَاتٌ ومحطَّاتٌ تكريمية بدأتْ بزيارة المسجد الأقصى والصلاة بالأنبياء إماماً ومقابلة الرسل في كل سماء وزيارة السدرة المنتهى ورؤية البيت المعمور وكلَّمُهُ ربُّهُ وَشاهدَ جبريلَ على صورته الملائكية ودخَلَ الجنَّةَ واطَّلعَ على النار وعذابِها.
فكلُّ العباداتِ فُرِضَت في الإرضِ إلاّ الصلاة فقدْ أقامَ الله لها مراسمَ تسليمِ كتابِ التكليفِ في رحلة المعراج، حيث جوهرُها عُرُوجٌ الرُّوحِ إلى السماء لتسْبَحَ في ملكوتِ الله.

فوائدُ الرحلةِ العقائدية
الرسولُ انتقلَ من مرحلةِ الإيمانِ بالغيب دون أنْ يَراهُ إلى مرحلة رؤيةِ الغيب ذاتِهِ والعيشِ فيه.
انتقلَ من مرحلة علمِ اليقين إلى مرحلة عين اليقين، ومن عالَمِ الغيب إلى عالم الشهادة وكبرى اليقينات الكونية. حيث الرحلةُ من بدايتها وإلى نهايتها خُرُوجٌ عن المألوفِ وعن إمكانيات البشر وقدرتهم. لكنَّ الله على كلِّ شيء قدير.

والسؤال الذي يطرح نفسَه:لماذا المعراجُ مَن القدس وليس من مكَّة؟
السماءُ ليست فضاءً مفتوحاً، بل لها أبوابٌ لا يمكن العروجُ والوُلُوجُ إلاّ من خلالِها. فروسيا رغم مساحتها المترامية فقد بَنَتْ القاعدةَ الجويةَ الفضائيةَ في دولة كازاخستان، لأنّ لها باباً تنفذُ من خلاله للسماء، وأمريكا الشمالية بحجم قارةٍ إلاَّ أنها بنت القاعدة الفضائية في جزيرة ميرت بالمحيط الأطلسي، وأوروبا كذلك بنتْها في الأرجنتين، لأنه يوجد بابٌ إلى السماء، ومكة المكرمة ليس لها باب إلى السماء فكان العروجُ من بوابة القدس إلى الملكوت الله الأعلى، وهذا ما أخبرنا عنه القرآن الكريم {وَفُتِحَتِ السماءُ فكانتْ أبوابا} وأولُ من اكتشفَ حقيقةَ بواباتِ السماءِ هم الجنُّ {وأنَّا لَمَسْنا السماءَ فوجَدْناها مُلئِتْ حرَساً شديداً وشُهُبا} والحرس يكون عادةً على الأبواب. فالنبيُّ أسْرِيَ به أفقياً وعُرِجَ به عاموياً بروحِهِ وجسدِهِ، كما رفعَ الله عيسى ابنِ مريمَ إليه سالِماً.

إقرأ ايضا: احياء الاسراء والمعراج في بلدة يارين الحدودية

مكانة المسجد الأقصى
القدس: ثالثُ المُدُنِ المُعظَّمةِ في الإسلامِ، فمكةُ تشرَّفَت بالمسجد الحرام، والمدينة المنورةُ تشرَّفَت بالمسجد النبوي وقبر النبي، والقدسُ تشرَّفت بالمسجد الأقصى الذي بارك الله به بلادَ الشام. كما قال عليه السلام: لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاّ إلى ثلاثةِ مساجِدَ: المسجدُ الحرامُ ومسجدي هذا والمسجد الأقصى. والأمَّةُ بعدَ كلِّ هذه النكباتُ والعذاباتُ سيُكْرمُها الله بإسراءِ التمكين ومعراج العزّة.

السابق
رؤية جنبلاط حول الحلّ في سوريا
التالي
موافقة حزب الله على تأهيلي باسيل رهن بـ«توافق الجميع»