استشراء للفساد وانعدام للثقة وعجز مالي يهدد بالإفلاس.. حزب الله يعاني من أزمات غير مسبوقة

يشهد حزب الله الأداة العسكرية الأبرز في يد إيران أزمة مالية خانقة نتيجة استنزاف موارده المالية وتراجع رصيده البشري، فضلاً عن الصراع الداخلي الذي يعيشه بين مختلف قياداته لتولي السلطة في صلب التنظيم.

وتقول صحيفة Welt الألمانية إن الخلاف داخل أجنحة التنظيم دفع زعيمه حسن نصر الله لاتخاذ أمر باغتيال القائد العسكري، مصطفى بدر الدين، الذي كان يتزعم ميليشيا التنظيم في سوريا، خلال السنة الماضية. وقد صدر هذا القرار نظراً لأن بدر الدين أصبح بمثابة تهديد لنصر الله.

ولا يعد مصطفى بدر الدين، القائد العسكري الوحيد الذي قضى نحبه على خلفية الصراع على السلطة في صلب التنظيم، إذ لقي ضباط آخرون حتفهم بسبب انتقادهم لنصر الله. وتضيف الصحيفة أن التنظيم أنشأ “فرقة موت” جديدة بقيادة الحارس الشخصي لنصر الله، إبراهيم حسين جزيني، الذي تكفل بمسؤولية حفظ الانضباط في صفوف الفرقة.

وتعتبر عمليات الاغتيال في صفوف قيادات التنظيم خطوة أولى نحو استحواذ نصر الله على السلطة، إذ إن التنظيم قام بمصادرة ممتلكات قياداته مباشرة بعد اغتيالهم بحجة أنه فقد موارده المالية.

وفي هذا الصدد، صرّح كبير مستشاري وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية السابق، أدم زوبين، في أيار/مايو الماضي بأن “حزب الله يشهد، في الوقت الراهن، أزمة مالية خانقة غير مسبوقة”.

ومن المثير للاهتمام أن هذه الأزمة ما فتئت تتفاقم شيئاً فشيئاً. ويعزى ذلك لسببين رئيسين: الأول أن التنظيم يحارب على عدة جبهات، في حين أن مداخيله قد تقلّصت نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليه إلى درجة أنه أصبح مهدداً بالإفلاس.

أما السبب الثاني فيتمثل في أن رجال الأعمال الشيعة الذين دأبوا على تمويل حزب الله، أصبحوا متخوفين من العقوبات الأميركية إذا واصلوا تقديم دعمهم لهذا التنظيم الشيعي. وفي هذا الإطار، عين رياض سلامة في الصيف الماضي على رأس مصرف لبنان، وذلك مباشرة بعد أن فرضت واشنطن عقوبات مالية على حزب الله.

تحذير عن طريق التفجير

في الواقع، أصدر رياض سلامة، إبان توليه إدارة البنك المركزي اللبناني، “الأمر 137” الذي يقضي بغلق جميع حسابات المنظمات والأشخاص الذين يتعاملون مع حزب الله. ونتيجة لذلك، لم تعد الطائفة الشيعة متحمسة للتبرع لفائدة حزب الله كالمعتاد.

من جانب آخر، وإثر وفاة مؤسس “فينيسيا بنك”، الشيعي محمد عاشور في آب/أغسطس سنة 2016، طلبت عائلة الفقيد من قيادات حزب الله عدم إظهار أي شعار حزبي خلال التعزية، حرصاً على مصالح العائلة. ويعكس ذلك مدى تراجع حظوة حزب الله لدى رجال الأعمال والممولين الشيعة.

وفي الأثناء، حاول حزب الله الحصول على التمويل من قبل الطائفة الشيعية عن طريق القوة. وفي هذا السياق، قام التنظيم بتوجيه تحذيرٍ للداعمين الشيعة عن طريق تفجير قنبلة بالقرب من بنك “لبنان والمهجر” شرق بيروت، في يوم 12 حزيران/يونيو.

من ناحية أخرى أوردت وسائل إعلام عربية خبراً مفاده أنه تم إجبار أثرياء لبنانيين شيعة على التبرع لمصلحة التنظيم. علاوة على ذلك نشر حزب الله دعوةً للتبرع لصالح التنظيم على شبكة الإنترنت.

ويمتلك حزب الله محطة تلفزيونية ومراكز للمساعدة الاجتماعية ومحطة صرف صحي، وكذلك يملك حزب الله على الأقل 4 مستشفيات، وما لا يقل عن 12 مصحة في كل أرجاء لبنان، لعل أكبرها مركز بيروت للقلب.

علاوة على ذلك، أنشأ التنظيم مدارس خاصة وجمعية شبابية، تُعرف باسم “كشافة الإمام المهدي”، حيث يتم استغلال وتجنيد قرابة 40 ألف طفل.

ومن جهة أخرى، عمد التنظيم إلى استقطاب العديد من الشباب عن طريق المساجد فضلاً عن قناته الخاصة “المنار”، وإذاعة “النور” التابعة له والعديد من الصحف.

فضلاً عن ذلك، يدير حزب الله مراكز زراعية ومراكز مساعدة اجتماعية، فضلاً عن محطات معالجة مياه الصرف الصحي. ووفقاً لتقديرات وسائل الإعلام الغربية، يتلقى قرابة 800 ألف موظف رواتبهم مباشرة من حزب الله، الذي يعيل نحو 400 ألف شخص، أي ما يقارب 10% من الشعب اللبناني.

الحرب في سوريا

وبالإضافة إلى ذلك، سخر حزب الله أغلب أمواله للمشاركة في الحرب التي تدور رحاها في سوريا. وتقاتل ميليشيا حزب الله في سوريا إذعانا لرغبة طهران وذلك من أجل الحفاظ على ديمومة النظام السوري، وقد أجرى حزب الله اللبناني مؤخراً عرضاً عسكرياً في إحدى مناطق ريف القصير السورية بمناسبة “يوم الشهيد” الذي يحتفل به الحزب سنوياً. وشارك في العرض العسكري مئات من مقاتلي الحزب، بالإضافة إلى فوج المدرعات الذي استعرض عشرات الدبابات والآليات والمدافع، وفق ما ذكر تقرير لقناة الجزيرة.

وحسب ما أكده مسؤولون في التنظيم، فإن حوالي 20 ألف جندي من بينهم ما لا يقل عن 8 آلاف جندي احتياطي، يتمركزون على أرض المعركة. في المقابل، يتقاضى هؤلاء الجنود، وفق معلومات حصلت عليها الصحيفة (فيلت)، “منحة خطر” شهرية تقدر بحوالي 1200 دولار.

إلى جانب ذلك، يتم تقديم مبالغ طائلة لصالح آلاف الجرحى وأهالي 1500 مقاتل قضوا نحبهم في الحرب. وتقدم طهران حوالي مليار دولار شهرياً لحزب الله في شكل مساعدات.

ويعتبر القضاء على إسرائيل أحد الأهداف الرئيسية لحزب الله. وفي سبيل تحقيق ذلك، أنشأ التنظيم فرقة خاصة بجنوب لبنان بحوزتها أكثر من 100 ألف صاروخ. خلافاً لذلك، يدعم هذا التنظيم منظمات فلسطينية في الوقت الذي يدير فيه شبكة من الخلايا العسكرية، على أهبة الاستعداد لمهاجمة أهداف إسرائيلية في أي وقت.

وفي الوقت نفسه، تشارك البعض من ميليشيات حزب الله في الحربين العراقية واليمنية، علماً بأن العديد من عناصر هذه الميليشيات ينشطون في اليمن بصفتهم مستشارين للمتمردين الحوثيين.

أما في سوريا فشكل حزب الله كتائب عسكرية جديدة من الميليشيات حتى تقاتل في صف إيران بغية ضمان بقاء بشار الأسد، في كرسي الحكم. وفي الأثناء، يمول حزب الله “قوات الرضا”، وهي ميليشيا توجد في الأراضي السورية وتتكون من 3500 مقاتل، إلى جانب ميليشيات أخرى على غرار لواء “الإمام المهدي” وكتائب “جند المهدي”، فضلا عن جمعية “كشافة الإمام المهدي”.

ولسائل أن يسأل، ما مصادر التمويل التي يتلقاها حزب الله لإنفاقها في مختلف أنشطته؟

وفي هذا الصدد، أفاد حسن نصر الله خلال خطاب ألقاه في حزيران/يونيو الماضي، بأنه “طالما تتمتع إيران بالثروة فإن حزب الله سيحظى بدوره بالأموال”. وأوضح زعيم تنظيم حزب الله أن ميزانية التنظيم وكل موارده المالية مصدرها أساساً إيران.

وأضاف نصر الله أن “أموالنا متأتية من الجهة ذاتها التي تزودنا بالصواريخ التي تمثل أكبر تهديدا بالنسبة لإسرائيل”. ووفقاً لما أكدته الاستخبارات الغربية، تقوم إيران بتحويل مبالغ مالية تقدر بحوالي 300 مليار دولار سنوياً لفائدة الميليشيات، بالإضافة إلى أسلحة وخدمات لوجستية تبلغ قيمتها ما لا يقل عن 700 مليون دولار.

تبرعات من إفريقيا وأوروبا وأميركا

أدت الحرب السورية إلى تنامي نفقات حزب الله بشكل مطرد. في المقابل، لم يعد بوسع إيران تقديم المزيد من الدعم المالي لفائدة التنظيم في الوقت الحالي.

ولتغطية هذا العجز المالي، اضطر التنظيم إلى جمع التبرعات من جهات شيعية أخرى في كل من لبنان وإفريقيا والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وقد لجأ التنظيم على وجه الخصوص إلى اللبنانيين القاطنين في كل من الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والذين عادوا إلى مسقط رأسهم خلال الحرب الأهلية. والجدير بالذكر أنه ووفقاً لتقارير البحرية الأميركية، فقد تعرض المتبرعون للابتزاز مقابل مدهم بمبالغ مالية طائلة.

من جهة أخرى، تعتبر العقارات التي يملكها حزب الله في الخارج على غرار شركة الإنماء للعمران والمقاولات التي يترأسها أحمد طباجة، أبرز المصادر الرئيسية لتمويل هذه المنظمة.

وفي هذا الصدد، أقرت وزارة الخارجية الأميركية بأن “شركة الإنماء للعمران تعتبر أكثر الشركات العقارية نجاحاً”، مع العلم أن هذه الشركة قد أنشأت عدة فروع لها في بيروت علاوة على كامل جنوب البلاد بفضل علاقاتها مع حزب الله.

 

على اللائحة الأميركية لممولي الإرهاب

 

عموماً، دعمت إيران نشاط شركة طباجة في العراق خاصة في المنطقة الخضراء ببغداد. وفي الأثناء، وضعت الولايات المتحدة الأميركية طباجة على لائحة ممولي الإرهاب.

من ناحية أخرى، قام المقاتلون الشيعة بزراعة حقول ماريغوانا بوادي البقاع، بعيداً عن رقابة الجيش اللبناني، في الوقت الذي يسيطر فيه حزب الله على المعابر الحدودية مع سوريا.

وفي هذا الصدد، أفاد الرئيس السابق لقسم العمليات في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، مايكل براون، في العام الماضي بأن “حزب الله تمكن من خلق مفهوم جديد لغسيل الأموال بشكل أكثر تطور”. وأضاف أن “التنظيم الشيعي يتمتع بشبكة علاقات دولية بشكل يفوق إمكانيات تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، حيث يساعد هذا التنظيم عصابات المخدرات على تهريب أطنان من الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أوروبا”.

فنزويلا تدعم التنظيم عبر إصدار جوازات السفر

خلال سنة 2014، أوردت تقارير الشرطة البرازيلية أن حزب الله يتعاون مع عصابة “بريميرو كومندو دولا كابيتال”، علماً بأن هذه العصابة تعتبر من أكبر تجار الكوكايين في العالم. ومقابل حماية الأسرى اللبنانيين في السجون البرازيلية، يؤمن حزب الله لعصابة المخدرات قنوات الاتصال بتجار الأسلحة في جميع أنحاء العالم.

ومن المثير للاهتمام أن موظفي حزب الله يعدون بمثابة خبراء في غسيل الأموال في منطقة أميركا الجنوبية. علاوة على ذلك، يمتد نفوذ حزب الله إلى فنزويلا، حيث تجمعه علاقات وطيدة بنائب الرئيس الفنزويلي، طارق العصامي، الذي يتكفل ببيع جوازات السفر لنشطاء حزب الله في السفرات الفنزويلية بالشرق الأوسط. وذلك قصد تمكينهم من السفر إلى جميع أنحاء العالم باستخدام جوازات سفر مزيفة.

إقرأ أيضاً: على مشارف حرب تريدها إسرائيل ولا يريدها «حزب الله»

وحسب دراسة أجراها مركز “من أجل مجتمع حر آمن” بأميركا الجنوبية، ألقي القبض على حوالي 173 شخصا ينحدرون من دول الشرق الأوسط؛ وذلك لحيازتهم جوازات سفر فنزويلية مزيفة. وقد سافر أغلبهم من العاصمة الفنزويلية، كراكاس إلى كندا باستخدام جوازات سفر مزيفة، علماً بأن معظمهم تربطهم علاقات مع حزب الله.

فضلاً عن ذلك، تفطنت سلطات الباراغواي إلى أن أحد تجار الأسلحة يحتفظ بحوزته على 100 بوليفار فنزويلي مزيف يزن حوالي 25 طنا. والجدير بالذكر أن قيمة الأموال الموجودة في الكيس تبلغ أكثر من ملياري دولار؛ نظراً لأن الأوراق النقدية مصنوعة من قبل الشركة المصنعة التي تزود البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بالعملة.

ثروة نصر الله تبلغ قرابة 250 مليون دولار

في واقع الأمر، تتم إزالة البصمة الأصلية للأوراق النقدية عن طريق بعض المواد الكيميائية، ما يسهل عملية تزويرها. ومن هذا المنطلق، بادرت قيادات حزب الله لتوظيف هذه الآلية لكسب المزيد من الأموال.

ومن اللافت للنظر أن نصر الله يتمتع بثروة تقدر بحوالي 250 مليون دولار، بحسب ما ذكر بعض المواقع الإخبارية.

وفي الأثناء، تلجأ قيادات حزب الله بتحويل هذه الأموال إلى مئات الحسابات المفتوحة في مختلف بنوك العالم، علماً بأن الفضائح الأخيرة قد كشفت عن حجم الثروات التي تحظى بها قيادات هذا التنظيم.

وفي السياق ذاته، قام العديد من مسؤولي حزب الله باستغلال مراكزهم للقيام بعمليات غير قانونية لجمع الأموال. فعلى سبيل المثال أقدم نور الدين أبو حمدان، على اختلاس مئات الآلاف من الدولارات من صناديق مساعدة أسر الضحايا وذلك خدمة لمصالحه.

بالإضافة إلى ذلك، يقبع محاسب يعمل لصالح التنظيم، يدعى محمد فضل الله منذ أشهر في السجن، نتيجة تزويره لبعض الوثائق البنكية واختلاسه أكثر من مليون دولار. علاوة على ذلك، استفاد ابن حسن نصر الله، محمد علي، بدوره من موارد التنظيم من أجل تسيير مشاريعه على غرار مقهى “القهوة” ببيروت.

إقرأ أيضاً: حزب الله يرزع الحشيش في القصير ويقيم مشارع سكنية للتابعين له

ولتجنب الإفلاس، عمدت قيادة حزب الله إلى استخدام أساليب أخرى عوضاً عن الاعتماد على ثرواتها. وحسب المعلومات التي حظيت بها الصحيفة، لجأ حزب الله إلى تسريح العديد من موظفيه، كما قام باسترجاع المساعدات الاجتماعية. إلى جانب ذلك، بادر التنظيم بمصادرة أملاك العناصر الذين سقطوا “شهداء” على غرار مصطفى بدر الدين الذي لم يكن قيادياً بارزاً في التنظيم فحسب، بل كان أيضا مقامراً من أعلى طراز.

علاوة على ذلك، كان بدر الدين يملك سيارات رياضية باهظة الثمن وشقة فاخرة تطل على الميناء، بالإضافة إلى حوالي 20 عشيقة. وبغية اصطياد المزيد من العشيقات، كان بدر الدين يمول مسابقة ملكة جمال لبنان عن طريق محلات “سامينو” للمجوهرات. وتجدر الإشارة إلى أن دعم مسابقة ملكة جمال لبنان يتعارض مع مبادئ التنظيم، ما دفع نصر الله إلى إصدار أمر باغتيال الجنرال المتمرد، وذلك وفق توقعات الخبراء.

فقد اتهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت قادة في حزب الله اللبناني بالمسؤولية عن مقتل القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين، مشيرا إلى أن ما نشر عن ظروف مقتله تؤكد أنه قتل بيد قادته، بحسب ما ذكر تقرير للجزيرة نت.

في واقع الأمر، لا يتحرج حزب الله من الاعتراف بامتلاكه لهذه الثروات الضخمة على الرغم من أن مصادرها مشبوهة. ولم يتردد التنظيم في تحويل ممتلكات بدر الدين إلى حوزته في الوقت الذي أجبر فيه العديد من القياديين الآخرين على بيع ممتلكاتهم. وفي المقابل، يبدو أن نصر الله متخوف من حدوث ثورة في صفوف التنظيم الذي يقوده.

 

*المقال مترجم عن موقع ألماني، لقراءته في الموقع الأصلي (إضغط هنا)

السابق
حماة الديار فرع الشمال يقدم التهاني للعميد الركن حازم خزعل
التالي
الرياضة الطائفية اللبنانية من كرة القدم إلى كرة السلة!