فدرالية حزب الله الجنوبية

عن الجولة الإعلامية التي دعى إليها حزب الله و كشفت من دون أن يدري طبيعة و حقيقة المواجهة مع العدو، تلك التي حاول حزب المقاومة في السابق تمويهها و في الحاضر إخفائها بنظارات شمسية من أفخم الماركات التجارية و قبعة واضح أنها غير قتالية و لا وقائية و بزة جد عسكرية لكنها معطرة بمساحيق غسيل و مكوية، في حين كان في السابق يستتر بعبارات منمقة مترافقة بإيماءات وفانتازيا تشبه إلى حد ما إستراتيجية أفلام الغرب الحربية و هما فعلان لا ينسجمان و الأوضاع المتعارف عليها في حالات المواجهة الفعلية.

إستباق زيارة رئيس الحكومة التي تبعتها ورافقه فيها وزير الدفاع وقائد الجيش ترجمت حقيقة ما أراد حزب الله تمريره للداخل اللبناني، لقد أراد تمرير رسالة وفيها أنه وحده وحصراً من يقرر ماهية المواجهة وكيفيتها وتوقيتها مع الخارج وراء الحدود، بل وهو من يتحكم ويتصرف بهذا الجزء من الأرض تحديداً، تلك الجغرافيا التي من المفترض أن تكون خاضعة للسلطة الرسمية اللبنانية سياسياً وعسكرياً وأمنياً ولرعايتها الإنمائية.

اقرأ أيضاً: فاجأكم «حزب الله»… مو؟

إن ما كشفته الجولة وعلى ما يبدو من دون قصد، فيتمثل في كون الجبهة الجنوبية باردة منذ ما بعد العام ألفان و ما هو متخذ فيها من إجراءات يحمل طابعاً دفاعياً محض، وهو ما لا يكون في العادة قائماً إلا بموجب معاهدات ثنائية لمتقاتلين أو أكثر، نخشى أنها أي تلك الإتفاقات قد حصلت و لم تعلن ولا حتى إستنبطتها وسائل الإعلام السياحية التي شاركت رحلة حزب الله الترفيهية الأخيرة إلى أرض إلتزمتها العناصر الحزبية التابعة لدولة إقليمية عِبر الوصاية السورية وتأبى إرجاعها بشكل فعلي للشرعية المتمثلة بالحكومة اللبنانية و تتعامل معها على أساس أنها محمية أو فدرالية تابعة للضاحية الجنوبية تلك التي تتمركز فيها قيادة الولاية الشرعية.

مشكلة حزب الله أنه يعتبر أن ما له في هذا الوطن له حصراً وما للبنانيين فيتشارك معهم فيه بإنتظار أن يظفر به أو أن يحصل من خلاله على المزيد، ومشكلة اللبنانيين مع الحزب الله بالمقابل أنهم و على الرغم من التفاهمات والتحالفات والصداقة والأخوة والتنازل له والدفاع عنه وحمايته رسمياً وجماهيرياً ومكافأته سياسياً لم يمنعانه ويناصرانه ظالماً كما ناصرانه مظلوماً، الأمر الذي أدى إلى إنزحاله نحو الهاوية الإقليمية تلك التي تجعل من الوطن أسير لتصرفاته وخياراته وقراراته القائمة بالكامل على تحقيق مصالح وليّه الفقيه.

لا ندري حقيقة ما إذا كان حزب الدفاع الجنوبي هو نفسه حزب الشمال الهجومي، لم نعد ندرك طبيعة حزب الله التلقينية، هل هو حزب مقاوم أم أنه بعد ما ملك من خبرة قتالية وأمنية وإستخباراتية واسعة وبات مشمع بنشوة عارمة يمكن لمن يلجأ إليه أن يستخدمه لكي يحقق نتائج مرضية مدهشة ومتعالية مصيرية، هنالك الكثير من اللغط والحيرة حول أداء الحزب سببه الفشل في التمييز أو لربما هو الخلط بين مبدأ الدفاع ومفهوم الهجوم، تشابك يشربك العقل ويجبره على الإقتناع بأن المقاومة والإحتلال سيان وأن لافرق فيهما بين حمل السلاح للدفاع وبين حمله للهجوم، بين أن يكون لحماية الحق وإسترداده وبين أن يُتزود به للعبور إلى ما وراء الحق والحدود. سوء فهمٍ سيأخذ بصاحبه إلى نهاية درامية إذا ما بقي أسير هذا التعقيد.

السابق
ما علاقة غارات مطار دمشق بزيارة ليبرمان إلى موسكو؟
التالي
مصير بشار الأسد الغامض تحدده ثلاث عواصم