حرب «اللمسات الحاسمة» للشرق الأوسط الجديد في لبنان؟

حرب الشرق الأوسط القادمة سيكون لبنان أيضاً مسرحها، وفي الصيف المقبل، ستحاول إسرائيل أن تحطم في شكل نهائي «حزب الله»، ذراع إيران الطويلة.

هذا هو الملخص البرقي، لاشاعة تجولت كشبح منذ بداية هذا العام في كواليس وأروقة سياسية واستخباراتية غربية وشرق أوسطية، لكنها أصبحت أخيراً فرضية تأخذ بمزيد من الجديّة في مراكز التفكير والقرار الاستراتيجيين.

تنقسم دواعي إسرائيل لشن حرب في جنوب لبنان إلى تهديدات لا يمكن تجاهلها، وفرص لا يجوز أن تمرّ من دون استثمار، لأنها لن تكون سانحة بهذه الوفرة في زمن قريب آخر.

تمثل عودة عناصر «حزب الله» إلى لبنان كجزء من تسوية في سورية، أبرز التهديدات، فالمقاتلون الذين امتلكوا خبرات واسعة على مدى خمس سنوات من القتال المتواصل، تنتظرهم ترسانة غير مسبوقة من الأسلحة، جرى تمريرها من سورية كمكافأة على جهودهم إلى جانب نظام الأسد، والحزب الذي تعملق في الفضاء السوري، عدداً وعتاداً وطموحات جيو سياسية، سيضيق عائدوه بمساحتهم اللبنانية التي سيحاولون توسيعها بالسطو على مساحات الآخرين، وهو ما يستلزم التصعيد الدائم ضد إسرائيل، فذريعة محاربته، كانت على الدوام ذريعته المفضلة في كل مراحل نموه.

وتمثل مقاومة إيران لمحاولة واشنطن إخراجها من سورية التهديد التالي، إذ ليس لديها سوى أوراق محدودة للرد، على رأسها تهدد إسرائيل بمخلبها اللبناني، لإرغام ترامب على مراعاة مصالحها.

من الناحية العسكرية، تمثل الخبرات الجديدة، التي اكتسبها عناصر الحزب من جيش النظام أو القوات الروسية أو الحرس الثوري الذين قاتلوا إلى جانبه، أو حتى فصائل المعارضة التي قارعوها، تهديداً يجب سبره قبل فوات الأوان، لكي لا يفاجأ الجيش الإسرائيلي بتطور غير محسوب، يتجاوز الأخطار التي باتت معروفة كالصواريخ الأبعد مدى ومضادات الدروع والسفن والطائرات والانفاق الطويلة والطائرات من دون طيار، فحرب العصابات شهدت قفزة نوعية في الميدانين السوري والعراقي، وباتت تفرض تحديات متجددة على الجيوش المنظمة، ولا بد من استطلاعها واختبارها في شكل دوري للتكيف معها.

أما الفرص السانحة فيأتي على رأسها واقعة وجود معظم عناصر «حزب الله» حالياً في سورية، حيث يشكلون عماد القوة التي تحفظ نظام الأسد هناك، وستقود حرب في جنوب لبنان، إلى وضع إيران في مفاضلة استراتيجية بين دمشق وجنوب لبنان، تخسر فيه مهما كان خيارها أحد مرتكزيها في شرق المتوسط، وقد تسلب كليهما، من خلال إجبار الحزب على المغادرة إلى العراق أو إيران، ليشكل بؤرة أزمة جديدة بعيداً من إسرائيل، لكن في إطار الاستنزاف الشيعي- السنّي، المرغوب إسرائيلياً.

وفي هذا الصدد توفّر إدارة دونالد ترامب الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل، فهي لم تخف قناعاتها بأن دحر الميليشيات الإيرانية، شرط لازم للقضاء على المنظمات السنيّة المتطرفة، وإن الفراغ الذي سيخلفه «داعش»، لن يترك للإيرانيين. كما أن وجود الجيش الأميركي في سورية والعراق، سيمنح إسرائيل الاطمئنان الاستراتيجي من رد فعل إيراني واسع، بخاصة مع إطلاق ترامب يد جنرالاته، ليتخذوا قرار الرد على التهديدات ميدانياً.

أما التناقض غير المعلن بين طموحات موسكو وطهران في سورية، فهو مناسبة مثالية لحظة لشن هجوم على الأخيرة في لبنان، حيث لم ولن تتعهد موسكو بحمايتها، بخاصة إذا جاء من إسرائيل التي يربط رئيس وزرائها نتانياهو تفاهم عميق مع بوتين، ركيزتاه قدرة الأخير على لجم حليفه الخامنئي، ونفوذ، فيما نتانياهو في واشنطن الذي يستطيع من خلاله تغيير سياستها مع روسيا.

الجائزة الأهم ربما كانت في الساحة العربية، التي بلغت مشاعر العداء الشعبي فيها لـ «حزب الله» وإيران مستوى يفوق كراهية إسرائيل للمرة الأولى، وقيامها بتوجيه ضربة لهما الآن سيلاقي القبول، بل الترحيب، وهي لن تفرط بهذه اللحظة الفريدة، لفتح باب التطبيع مع الجوار العربي، من خلال الانخراط في معركة مع عدو مشترك، صنفته الجامعة العربية رسمياً كمنظمة إرهابية.

إقرأ أيضاً: معلومات لـ«جنوبية»: حزب الله سيتحدى القرار 1701

لقد احتاجت إسرائيل عبر تاريخها لشن حرب بمعدل شبه ثابت يبلغ نحو عشر سنوات، فجيشها لا يقتني الأسلحة لتصدأ في المستودعات كما يقول قادتها، وهي تلقي ذخائرها في شكل دوري على جيرانها قبل أن تتقادم، والتأكد على تفوقها العسكري في الشرق الأوسط، وتحصل نظير ذلك على مكاسب سياسية، وتكتشف وتعالج الثغرات الأمنية، وتطور مفهومها وأساليبها حول حروب المستقبل، التي يجمع الخبراء أننا على اعتاب واحدة جديدة منها، مختلفة عما سبقها كلياً، وهذا يجب اختباره في الميدان.

هذه الحرب إن اندلعت ستكون حرب التدمير من أجل التغيير، فالإسرائيليون خلصوا إلى أن عدم تحقيق حرب تموز (يوليو) عام ٢٠٠٦ أهدافها نجم عن انصياع يهود أولمرت لطلب كوندوليزا رايس بعدم ضرب البنى التحتية في لبنان، ومع تناغم القيادة السياسية والعسكرية في دولة لبنان مع «حزب الله»، تصبح مؤسسات تلك الدولة هدفاً لإسرائيل، بما فيها الجيش، الذي وصفه وزير الأمن الإسرائيلي أخيراً بأنه مجرد وحدة ملحقة بـ «حزب الله».

ومع الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران، والقيود المفروضة على تمويل «حزب الله»، وعزوف الجوار العربي عن تقديم المساعدات، ستتحكم إسرائيل عبر أذرعها المالية بدورة الاقتصاد وإعادة الإعمار، وسيفضي ذلك إلى تغيرات بنيوية في المجتمع اللبناني، الذي سيشهد صعود قوى جديدة وأخرى قديمة غيبتها سطوة الأمر الواقع الإيراني.

إقرأ أيضاً: فاجأكم «حزب الله»… مو؟

إن وقعت تلك الحرب، وخرجت إسرائيل منتصرة، ستكون النتيجة مشابهة لما حدث في حرب حزيران (يونيو) ١٩٦٧، أي شرق أوسط جديد، تفرض فيه شروطها على أطراف النزاع المنهكين، وتضع لمساتها الحاسمة على عملية إعادة ترتيب الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، وتصبح مركز القرار هناك، في سورية ولبنان على أقل تقدير.

الملخص البرقي يضيف أخيراً، إن الصمت الاستراتيجي الإسرائيلي، لن يكون مربحاً، بعد نضج التين والعنب.

السابق
الحريري يستعجل الرد على حزب الله: الجنوب ليس ميدان حرب لصالح إيران
التالي
كوريا الشمالية ستمسح اميركا عن وجه الأرض!