ارتفاع نسبة الجرائم في لبنان وارتباطها بالأزمة السورية

ارتفاع نسبة الإجرام في لبنان بعيد العام 2011 بشكل غير مسبوق، مما يثير تساؤلات عن مصير اللبنانيين النفسي والعقلي. وعن دور الاعلام في معالجة هذه التغييرات السلوكية.

يوميّا، تطالعنا الشاشات اللبنانية، والمواقع الإلكترونية، بأخبار جرائم يندى لها الجبين. لدرجة باتت معها البرامج الاجتماعية المحليّة تتكل على هذه الاحداث لتستمر وتشتهر، والتي تُظهر مسألتين: أولاها ان الوسائل الاعلامية الحديثة سرّعت في نشر عمليات الاجرام، وثانيها ان الجرائم تدّل على حجم التفلت الاجتماعي في الفترة الأخيرة.

وقد ساعدت الهواتف الذكيّة في النقل الحيّ لصور وأحداث الجريمة دون أي رادع او خوف، لدرجة ان الخبر قد يصل الى ذوي الضحايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل ابلاغهم عبر المعنيين.

إقرأ ايضا: سرقة تكشف جرائم قتل: أمنيون مرتشون يخفون الأدلّة!

علما ان بعض الجرائم كجريمة قب الياس التي راح ضحيتها شابين مسلمين على يد شاب مسيحي، كانت قد فتحت الباب لفتنة طائفية، لولا تدخل رجال الدين المسلمين في ضبط الأهالي الذين يتحركون بسرعة البرق في هكذا حالات.

اذ الاسلوب في القتل بات اسلوبا عنفيّا غير مبرّر كعملية قتل جورج الريف امام مرأى الناس في الشارع دون ايّ تدخل او تبليغ للقوى الأمنية التي لا تلبِ طلبات المعنَفيين غالبا.

فالقتل صار في لبنان مؤخرا، وبعد توّقف الحرب الأهلية اللبنانية منذ العام 1992 كشربة ماء، حيث يستسهله الجميع. فجريمة بلدة البابلية التي ارتكبها فرد من العائلة منذ فترة قريبة تجاه عائلته لأسباب إرثية توضح حجم الأزمة داخل الاسرة اللبنانية التي لا زلنا نطلق عليها اسم (مُحافِظَة).

والقتل، بات متعدد الاسباب، ولكن هذه الاسباب تبدو تافهة جدا امام هول الجريمة، كأن ترميّ أم طفلتها منذ أيام، وهي سورية الجنسية، بمعاونة والدتها وشقيقتها في منطقة الدورة، لان الطفلة غير شرعية، وكأن يقتل الجار جيرانه لأنه مزعوج من اصوات يصدرونها. وان يقتل زوج امرأته تحت عنوان الغيرة دون اي تحقق ولمجرد الشبهة، علما ان محاسبتها ليست من مهامه اصلا.

إقرأ ايضا: شعبة المعلومات أوقفت أفراد من عصابتي سرقة

كما هزّت بلدة عشقوت الكسروانية جريمة مروّعة بطلها رتيب في الامن العام، حيث أقدم على قتل أربعة أشخاص يسكنون في المبنى ذاته الذي يقطنه الرتيب، بعد خلاف مع الجيران على الكلاب!. كما اقدمت والدة طفلة على رميّ ابنتها في كيس للقمامة في حاوية النفايات في كفرشيما، من التابعية البنغلادشية.

لقد بات الشعب اللبناني، ومنذ العام2011، أي مع مرحلة اللجوء السوري، أكثر تعبيرا عن العنف في الاوساط الاجتماعية، التي من المفترض ان تحافظ على تماسكها وتعاضدها. لكن مشاهد العنف التي تنقلها لنا الشاشات الضخمة الى داخل منازلنا عن ارهاب “داعش” و”النصرة”، تجعل المرء يستسهل فعله الإجرامي ويرتكب جريمته بدم بارد.

فنسبة الاغتصاب والسرقة والقتل ارتفعت بشكل غير مسبوق، فكل يوم يحدثنّا الاعلام عن جريمة بشعة. نظرا لدخول عدد كبير من النازحين، واقامتهم في اماكن غير لائقة، وفي ظروف غير طبيعية لأسر وعوائل كانت في بلادها محترمة، رغم الظلم السياسي، ومؤّمنة احتياجاتها المادية.

جورج الريف

لدرجة ان الزواج بالقاصرات السوريات بات أمرا طبيعيا، ومفروغ منه، ومقبولا، ولم يعد يلقى في المجتمع اللبناني أيّ استهجان. وهو نوع من عنف اجتماعي غير مقبول لا قانونيا ولا اجتماعيا.

فعلم الإجتماع يُرجع السبب الرئيس لارتكاب الجريمة إلى تراجع هيبة الدولة والقانون وضعف السلطة، والى ان المواطن بات لا يهاب الدولة، خصوصا ان احكاما صدرت بحق عملاء ومجرمين تُعتبر مخففة مقارنة بحجم الجريمة.

اضافة الى دور وسائل التواصل التي تبّث صور الذبح وقطع الرؤوس والحرق، مما جعل الأمر عاديا، غير مستنكر، كما كان يحصل سابقا.

ويلعب غياب القانون الردعيّ دوره في ارتفاع نسبة الجريمة، لدرجة بات معها المجتمع اللبناني شبيها بالمجتمع الأميركي نوعا ما. كون المجتمع الأميركي مجتمعا مسلّحا والمجتمع اللبناني ايضا.

إقرأ أيضا: اللبنانيات ثنائيات القطب أكثر من غيرهنّ؟

فالقانون يمنع نشر أية صورة مشوهة او مسيئة لحرمة الانسان، اضافة الى حجم الضرر الذي سيلحق بالمشاهدين، خاصة الاطفال منهم.

علما ان السياسيين، من كلا الطائفتين، يلعبون دورا سلبيّا الى حد بعيد لجهة الشحن المضاد والدفاع عن مناطق محددة، يُعرف في لبنان هويتها الدينية او السياسية من خلال اشارات بسيطة، كما حصل مع خطف الرجل الثمانيني المسيحي “سعد ريشا” من داخل محله التجاري، في قب الياس، على يد أبناء مدينة بعلبك الشيعة. مما يجعل الفتنويين يظهرون على الشاشات في هذه الاوقات الحرجة وإن كان دافع الخطف هو السرقة لا غير.

وختاما، ان التبدلات السلوكية تجنح نحو العنف الاجرامي، مما يثير أسئلة حول دور الحرب الاهلية، والاجتياحات المتكررة للبنان من قبل اسرائيل، والازمات الاقتصادية والاجتماعية، اضافة الى ضعف التماسك السياسي. فهذه كلها تؤثر على الافراد الذين يجنحون حول العنف المبالغ.

السابق
إيران: نأمل أن يجد أستانا مخرجاً للأزمة السورية
التالي
بعد سرقتها.. صفحة «وينيه الدولة» تعود وتبارك للسارقين وللأحزاب!