موت صحف بيروت

اسرار الصحف
تموت الصحافة الورقيّة كما الكتاب في بيروت، مقابل انتعاش الصحافة الالكترونية. فهل السبب هو السرعة في الانتاج والسرقة والاستنساخ؟ ام ان الكلفة المادية هي السبب؟ ام ان رفع المموّل لدعمه هو السبب؟

تعانيّ صحيفة “الحياة” السعودية، الصادرة في بيروت، منذ بداية العام 2016 من أزمة ماليّة. حيث تنتشر اليوم أخبارا في أروقة الصحيفة في وسط بيروت التجاري، تقول أن القيميّن على الجريدة قرروا إقفال مكاتب بيروت ولندن مع نهاية 2017، والانتقال إلى الامارات.

إقرأ أيضا: «صدى لبنان» قريبا مكان «السفير»

ويأتي ذلك في اطار مجموعة تنقلات لفريق عمل الموقع الإلكترونيّ المزدوج إلى دبيّ، بعد إعادة ترتيب هيكلية العمل التي لم تؤد الى أية نتيجة تذكر.

وقد عانت “الحياة”، من أزمة اقتصادّية ضخمة منذ العام 2016، كحال عدد كبير من الصحف العربية بسبب التخفيضات الماليّة التي كانت الحكومة السعودية تمد بها عددا من وسائل الإعلام المؤيدة والتابعة لها، من خلال خفض الرواتب او تأخير دفع الرواتب.

ولم تنجل الأزمة، بل ازدادت مع انطلاقة العام 2017، فكان ان الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم. والوضع بات صعبا للغاية، وأن الشائعات الكثيرة تقول ان الأزمة ذاهبة نحو الأسوأ.

هذه الازمة مرّت بها قبل أشهر جريدة “السفير” اللبنانية لصاحبها الناشر طلال سلمان، الذي اعلن عن نيته اقفال الجريدة، فقامت الدنيا ولم تقعد جراء الصدمة، حيث ظن البعض ان الخبر مجرد لعبة اعلاميّة لاستجرار الدعم، لكن الدعم المعنويّ لم يدم اكثر من ثلاثة أشهر. فكان قرار الاقفال التام، وفصل العاملين في مؤسسة قامت وكبرت على الدعم الخارجي لمدة أربعين سنة واكثر.

فمعظم العاملين في السفير كانوا ممن انطلقوا مع المؤسسين، وكان العمل في “السفير” عبارة عن انتماء أكثر منه مهنة.

وبات اليوم هؤلاء العاملين على قارعة البطالة، في تعبير فاضح عن أزمة إعلامية لبنانية كبيرة، سبقتها أزمة ضخمة في جريدة “النهار” العريقة التي انطلقت منذ اكثر من ثمانية عقود من الزمن، والتي كانت صوت اليمين اللبناني الصارخ -على عكس “السفير” التي لطالما عبّرت عن صوت اليسار- والتي كتب على صفحاتها اهم الصحفيين في لبنان والعالم العربي والغربي، واصدرت من الملاحق من لا يُعد، ومر عليها مجد قلّ مثيله.

ولكن جمودها برز بعد كهولة غسان تويني ومرضه واغتيال ابنه جبران، الذي اعطى للصحيفة بُعدها اللبناني اكثر فأكثر. ولكن التراجع بدا واضحا مع تسلّم النائبة نايلة تويني إدارتها، وفصل أهم الاسماء، وطرد عدد كبير من كتّابّها بسبب النقص في التمويل، نتيجة الازمة التي مرّت وتمر بها، لكون المتمولين الخاصين بها، والتي قيل انهم مجموعة رجال اعمال ارثوذكس توقفوا عن تمويلها، نتيجة التهافت في سياستها. اضافة الى العجز الذي حصل لدى ممولها وريث الراحل رفيق الحريري رئيس الحكومة سعد الحريري.

والأزمة هذه وصلت الى جريدة متواضعة، ولبنانية أيضا هي جريدة “البلد”،التي خرج مؤخرا من بين ثناياها عدد كبير من كتابها ومحرريها، ولم يبقَ فيها سوى مجموعة محررين لا يتعدى عدد اصابع اليد الواحدة. إضافة الى أزمة صحيفة “المستقبل” التابعة لآل الحريري، والتي لم يرَ العاملين فيها من موظفين ومحررين منذ اكثر من سنة رواتبهم. اذ لكل صحيفة أزمتها ومشاكلها التي لا تنته ولن تنته.

والخلاصة في الموضوع ان الدائرة دارت على الجميع، فوصلت الى اعرق الصحف في لبنان. وها هي “الحياة” تغادر بيروت، بيروت التي كانت ملقى ومقر الصحف والمجلات العربية ومطبعة العرب.

وتبقى السلطة اللبنانية، الغائب الاكبر في هذه المعمعة، بعد ان طالت الازمة سابقا الوسائل الاعلامية المرئية كتلفزيون “الجديد”، والمؤسسة اللبنانية للارسال، ومحطة المرّ، عدا عن أزمة الاذاعات القديمة جدا.

إقرأ أيضا:صحفيو «النهار» تقدموا بشكوى بعد رسالة نايلة تويني!

من جهة اخرى، سيطلق مستشار الرئيس رفيق الحريري السابق مصطفى ناصر صحيفته اليومية “صدى لبنان”، والتي جعلت مكاتبها في وسط البلد، المنطقة الاغلى سعرا، مع شركاء محسوبون على خط الممانعة، وابرزهم الاعلامي سامي كليب.

فهل ان موت صحف وولادة أخرى، هو نوع من تبّدل لوجهة الصحف في بيروت، في ظل انتشار غير طبيعي للمواقع الالكترونية التي تعتمد على النسخ من بقية الصحف او المواقع، مما يجعل عملها غير مكلف ماديا مقارنة بالصحف الورقية المكلفة.

السابق
جمهور حزب الله يهاجم رباب الصدر… ويهاب مهاجمة برّي!
التالي
إيران بين صحة المرشد وصحة النظام