استفتاء أردوغان: نجاح للديموقراطية أم عودة الى الدكتاتورية

التعديلات التي وافق عليها الشعب التركي بتوسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب اردوغان اثارت جدلا محليا في الشارع التركي، كما اثارت جدلا دوليا مع ما سيق من اتهامات حول تركّز الصلاحيات مجدّدا في شخص رئيس الجمهورية الذي تحوّل الى دكتاتور مؤيّد بشرعية شعبية.

لم  يحصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم شعبي واسع كما كان مأمولا، ففاز بالحدّ الأدنى إذ حصل على تأييد 51,35 في المئة من الناخبين  في الاستفتاء حول تعزيز صلاحياته وسط تشكيك بصحة النتائج من قبل المعارضين،إذ تحدث اكبر حزبين معارضين وهما “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الشعوب الديموقراطية” عن “عمليات تلاعب” خلال الاستفتاء.

 وبينما ترى الحكومة أن هذا التعديل الدستوري لا غنى عنه لضمان استقرار تركيا والسماح لها بمواجهة التحديات الامنية والاقتصادية، يرى المعارضون أن اردوغان يعمد بهذا التوجّه لتعزيز سلطته الاستبدادية على تركيا واسكات اي صوت منتقد وخصوصا بعد محاولة الانقلاب.

وتضمن الصلاحيات الجديدة ان يكون أردوغان قادرا نظريا على البقاء في الحكم حتى 2029. كما أنه يُلغي منصب رئيس مجلس الوزراء، ويتولى رئيس الجمهورية مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية. إضافة إلى قيادة الجيش، ويخوّله تعيين نوابه كما تعيين الوزراء وإقالتهم، عدا عن ضمان عدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه. وتفوّضه التعديلات ايضا بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وغيرها من الصلاحيات التي تظهر تمركز السلطات بيد شخص واحد.

اقرا ايضا: أردوغان: على الجميع احترام قرار الشعب ولا سيما حلفاؤنا

وبحسب مصدر مطلع فإن النسبة المتقاربة التي أظهرتها نتيجة الإستفتاء تعكس أن موازين القوى داخل تركيا ستدخل البلاد في صراع مديد وهو الذي بدأ منذ دخول أردوغان الى السلطة ومحاولاته إلغاء الدولة العلمانية التي اسسها اتاتورك بشكل يعيد الذاكرة إلى زمن الخلافة الإسلامية كما يقول مناوئوه.

 وبحسب المصدر، فان نتائج الاستفتاء اظهرت ان التيار الرافض قويّ، وهو فاز في المدن الكبرى الثلاث اسطنبول وانقرة وازمير فيما المؤيدين تمركزت أصواتهم في الأرياف، ما يعكس ان هناك نزعة تقدّم علمانية في المدن مقبال توجه لإبقاء إهالي الأرياف على حالهم”. 

وأضاف “أن محاولات أردوغان القضاء على المدارس العلمانية ومعركته القادمة بالسيطرة على الجيش وإبعاده عن علمانيته تشير الى أنه يضع أساسا لحرب أهلية في تركيا.

في هذا السياق، تحدث ماجد عزام الكاتب والمحلل السياسي رئيس تحرير نشرة المشهد التركى الالكترونية، لـ “جنوبية” عن مبالغة في إنتقاد خطوة التعديل الدستوري ومعارضتها.  إذ وجد أن” الصلاحيات معقولة جدا بالمقارنة  مع النظام الرئاسى ومقارنته بالنظام في فرنسا وامريكا مثلا وكذلك بدول ديمقراطية ناشئة كالمكسيك وكولومبيا”.

وأوضح أن “من حق الرئيس التركي فى التعديل الجديد تعيين الوزراء ووضع الميزانية العامة، إلا أنه لا يمتك صلاحية تشريعية وحتى لا يمكنه وضع قوانين التي هي في الأصل من مهام البرلمان التركي حصريا”. وتابع ” الرئيس لا يمتلك حق حل البرلمان على عكس ما يقال، والانتخابات المبكرة تتم في حالات محدودة وهي من صلاحيات البرلمان والرئيس معًا”. لافتا إلى تعديل جديد “يعطي البرمان حق بعزل الرئيس ومحاسبته باغلبية واضحة وراسخة”.

وعن البند الذي يمكن من خلاله بقاء أردوغان في الحكم حتّى غاية 2029 قال عزّام أن ” هذه النقطة سجالية وتحتاج لتوضيح، فالتعديل يبدأ تطبيقه فى تشرين ثانى 2019 أي بعد انتهاء ولاية البرلمان الحالي، وبإمكان اردوغان أن يترشح آنذاك لمدة خمس سنوات قابلة للزيادة لمرة واحدة. لكن القرار فى الحالتين سيكون بيد الشعب فى 2019 او 2025  مع ذلك تبقى هذه النقطة مثيرة للجدل”. وأضاف “أعتقد انه يجب طرح أفكار  بعدم ترشحه لفترة تانية مثلا، لكن هذا الأمر يترك للشعب”.

ورأى عزام أن ” تعديل النظام الرئاسي لا ينال اطلاقا من النظام الجمهوري الديموقراطي، فالتعديل ألغى المحاكم العسكرية وأنهى أية وصاية للعسكر على الحياة السياسية وهو بدوره يمنع أية امكانية لـالانقلاب العسكري، ناهيك عن الهدف الأهم وهو منع حالة عدم الاستقرار والتخبط فى النظام البرلماني”.

وفيما يتعلّق بفوز اردوغان الهزيل في الإستفتاء أمس قال عزام أنه “بالطبع فاز بأغلبية بسيطة لكنها واضحة، فالفارق كان ثلاثة ملايين وثلاثماية وثمانين صوتا، صحيح أن النتيجة او الفوز كان باهتا ولكنه حاسما وديموقراطيا يشبه إلى حد ما الاستفتاء الإنجليزي على قرار مصيري بالخروج من الإتحاد الاوروبي”.

ولفت إلى أن “الأهم عدم اقتناع جزء من مصوتي العدالة والتنمية تقريبا 3%  منهم إضافة إلى نصف مصوتى حزب الحركة القومية لم يكونوا  مقتنعين لكن هذه الديمقراطية”. مشيرا إلى أن “شعبية حزب العدالة لم تتراجع بل ان الحزب لا يزال يحوز على 50% لكن جزءا منهم غير مقتنعين بالنظام الرئاسى والتعديل”.

وخلص عزام” طبعا هناك نسبة كبيرة لا تؤيد اردوغان، ولكن يجري استخدام التهدئة وتخفيف الاحتقان كما اتباع لهجة هداية فى الداخل وحتى فى الخارج”.

اقرا ايضا: تمزّق الهوية اللبنانية من سنّة «أردوغان» إلى شيعة «خامنئي»

في المقابل، رأى الباحث والناشط السياسي، مدير جمعية “هيا بن”  لقمان سليم في حديث  لـ “جنوبية” أن أي “جنوح لأي نظام برلماني باتجاه نظام رئاسي ليس خبرا ساراً، لأن المبدأ العام أن تتوسع دائرة طرق أخذ القرار، فكلما ضاق مركز القرار نذهب بإتجاه نموذج يبدأ سلطويا وينتهي بنموذج “مهدوي””. وأضاف “فبهذا المعنى يكون الجنوح نحو السلطة بيد زعيم واحد ليس خبرا سارا لأي بلد في العالم وليس في تركيا فقط”.

إلى ذلك أشار سليم أن “الأهم هو ‘نصف الخسارة’، إذ بدا واضحا أن المشاركة كانت مرتفعة، كذلك نسبة الإقتراع وهي بيّنت أن التأييد لم يكن كاسحا”. وتابع “صحيح أن أردوغان فاز، ولكن فوزه لم يكن مريحا، ولم يكن كاسحا، وهو ما يشير إلى أن مجمل الشعب التركي غير مرتاح لتلك الخطوة”.

والأمر الثالث الذي لفت إليه سليم “هو أن اليوم تعديل الدستور سيصبح نافذا إذ ستتمركز السلطات بيد رجل واحد، لكن الإمتحان الأساسي هو مراقبة كيف سيتصرف هذا الرجل تجاه من عارضوا هذا التعديل خصوصا أننا في زمن متوتر، ويُخشى بالتالي على أن تؤدي مركزية السلطة إلى مزيد من التأثير على الحياة الديمقراطية”.

وعن أسباب لجوء اردوغان لهذا التعديل الدستوري أشار سليم أنه “لا يمكن فهم الداعية أردوغان وسبب هذا الإستفتاء إلا على ضوء الإنقلاب الفاشل الذي وقع منذ أشهر”. ولفت إلى “توجّه اردوغان وحزبه هو بمثابة تدعيم شبكة أمان بناء على مشهدية الإنقلاب الأخير”.

وفيما يتعلّق بتأثير التعديل في صلاحيات الرئيس على دخول تركيا إلى الإتحاد الأوروبي قال سليم أن ” هذا التعديل يُسقط أي إحتمال ولو كان ضئيلا لدخول تركيا إلى الإتحاد، علما أن تركيا صرفت النظر ونسيت هذا الأمر منذ سنوات عديدة”. 

السابق
اتهامات للـ«mtv» بالعنصرية في تغطيتها لجريمة «قب الياس»
التالي
في برج العرب أقدم على طعنه بالسكين والسبب.. بيجاما!