سمير فرنجية القلِق على القلَق اللبناني

الكاتب جهاد الزين

مع أن سمير فرنجيه وُلد داخل الطبقة السياسية التي أسست لبنان، ابنا لأحد أبرز رموزها وعائلاتها المسيحية التقليدية، فقد حمله الوعيُ الثقافي- الثقافي فقط- إلى آفاق السعي للتغيير.

عاش بين حُلمَيْ تغييريْن: تغييرُ القلق البنيوي العميق الذي وُلِد فيه “لبنان الكبير” وهذا جعله دائما ذا رسالة من نوع خاص عن المسيحيين اللبنانيين وحيالهم، وتغييرُ بنية الحياة السياسية عبر الدولة وهذا جعله صاحب صوت ديموقراطي حداثي متواصل.

إقرأ أيضاً: مساحة حب باقية لسمير فرنجية

لن أقول كما جرت العادة في وصف رمز مهم في لحظة رحيله أن سمير فرنجيه يختصر تجربةَ جيلٍ بكامله. لن أقول ذلك بل سأقول العكس. سأقول أن جيلا بكامله هو الذي يختصر تجربةَ سمير فرنجيه.

الثقافةُ تُوَرِّط. تأخذ أحيانا إلى الخسارة، تلك الخسارة التي تجعل المعايير، شغفَ المعايير، نوعا من الخسارة الإرادية كما لو أنها لم تأتِ من انكسار موازين قوى وإنما من خيار ذاتي. المثقف في سمير فرنجية أخذه، وهو ابن الأريستوقراطية الجديدة في لبنان الكبير الانتدابي، إلى حيث المجازفة لا الأمان.

الثقافة ذهبت به يسارا، كالعديد من المثقفين، وليس كلهم طبعا، وأنشأ في عالم اليسار هذا “مدرسة” كانت قوتها تكمن في فهمها التغييري المبكر لثوابت لبنان وشخصيته. وحين عاد من اليسار إلى قلب السياسة اللبنانية وجد نفسه في مسار أقل من عقدين ونيِّف أحد قادة ثورة من اليمين هي “ثورة الأرز”. ثورة فعلية تقودها بورجوازية لبنانية لم يسبق في كل تاريخها أن دفعت هذا الثمن من الضحايا. وبقي “هناك” كما كان منذ تفتحت ديناميكيته السياسية أواخر الستينات عقلا في التفكير ويداً في الصراع السياسي.

إقرأ أيضاً: سمير فرنجية.. رحل قديس الميثاق وإمام الحوار

حتى في معمعة الحرب الأهلية وهو اللاجئ المحترم من الضفة الثانية كانت لبنانيته الطبيعية جسرا للتواصل في ذروة القطيعة.

كان من ذلك النوع من الناشطين القياديين الذي يعطي الانطباع لمعارفه أنه يخجل من الذهاب إلى مكان عام إذا لم يحمل معه فكرة سياسية عملية.

كان من ذلك النوع من الأسياد الذين يسجنهم ذكاؤهم الشديد بسبب فهمهم الأخلاقي للحياة العامة. ورغم كل حواريته، لم تبلغ هذه الحوارية كما بلغت مع البعض حد البراغماتية النذلة التي باتت تطبع تقاليد الطبقة السياسية أو الجزء الكبير منها.

وداعا سمير فرنجية، بركانا هادئا وسيرةً راقية وفكرا قلقا هاجسه إنهاء القلق اللبناني.

السابق
«الشراع» تفتح ملف المحكمة الجعفرية بعد المجلس الشيعي
التالي
جريمة مروعة في صيدا: قتلها ومن ثم حاول قتل نفسه!