دلالات الضربة العسكرية الأمريكية للأسد

محمد زاهد جول

قامت أمريكا، فجر الجمعة 7 أبريل/ نيسان، باستهداف قاعدة الشعيرات العسكرية جنوبي حمص السورية بصواريخ توماهوك؛ ما أدى إلى تدمير مباني القاعدة العسكرية الفارغة من طائرات الأسد وجنوده، وكأن الهدف هو ليس توجيه ضربة قاصمة لبشار الأسد وإسقاطه، وإنما توجيه رسالة له ولداعميه من الإيرانيين والروس بأن اليد العسكرية الأمريكية ليست مغلولة، وفي الوقت نفسه تحسين صورة أمريكا أمام المحور الذي يوصف بأنه محور أصدقاء أمريكا في المنطقة، مثل: السعودية ودول الخليج والأردن وتركيا وغيرها، بأن أمريكا جادة في تغيير سياستها بالمنطقة، وفي العراق وسوريا تحديداً، فهذه الدول توصف بأصدقاء أمريكا تاريخياً، في حين أن إدارة أوباما عملت ضدها لصالح النفوذ الإيراني وتمدده في المنطقة مقابل التوصل لاتفاق نووي مع أمريكا والدول الخمس الأخرى، بحجة صنع الفوضى الخلاقة التي تسعى أمريكا لاستثمارها لتقسيم المنطقة من جديد.

ولذلك، فإن الهدف الأول من هذه الضربة الفارغة، هو إعطاء مصداقية لسياسة ترامب في المنطقة، بالأخص أن ترامب كان قد انتقد سياسة أوباما قبل أيام فقط، لعدم استخدامها القوة العسكرية بعد استخدام بشار الأسد السلاح الكيماوي في أغسطس/آب 2013 بالغوطة الشرقية، واستهزأ من الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما، وإذا بالأسد يستخدم السلاح الكيماوي بصورة مفاجئة وفاضحة في “خان شيخون” وقتله المئات من الرجال والنساء والأطفال، وكأن الأسد يتحدى ترامب! فجرى تمرير هذه الضربة الصاروخية التي يمكن أن تدخل في مضمار التدريبات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ولكنها عديمة التأثير على قدرات الأسد العسكرية؛ لأن أمريكا لم تتخذ قرار إسقاطه ولا إضعافه؛ بل عملت طوال سنوات الحرب على مده بالدعم السياسي بحجة أنه دولة قانونية، وأمدته بالقوة العسكرية بواسطة إيران وحزب الله اللبناني حتى فشلوا، فدعمته بروسيا، ولأن أمريكا ترفض انتصار الثورة السورية أيضاً.

 

ما يؤكد أن الضربة الأمريكية الصاروخية لبشار الأسد غير جادة، أن أمريكا أعلنت بعد ساعات من تنفيذ الضربة أنها كانت قد أخبرت موسكو بهذه الضربة الصاروخية، بحجة إبعاد قواتها عن مكان تنفيذ الضربة، ومن ثم فإن روسيا إذا قامت بإبعاد قواتها عن المكان المستهدف فقد علم بشار الأسد بذلك وقام بإبعاد طيرانه وقواته من المكان نفسه، وهو ما أعلنته مصادر مقربة من حكومة بشار وجيشه. ومن ثم، فإن الضربة كانت فارغة من هدفها العسكري إلا من جهة عمليات التدريب العسكري للجيش الأمريكي، وبقي هدفها السياسي وهو توجيه رسائل لجميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري، بأن الخطة الأمريكية لسوريا ينبغي أن يخضع لها بشار الأسد ومليشيات إيران وروسيا والمعارضة السورية والدول العربية وتركيا أيضاً، بدليل أن روسيا لم تستطع أن تثني أمريكا عن الضربة مع علمها المسبق بها، وأن تنديدها بالعملية جاء نظرياً فقط ولم تقم بأي عمل عسكري رداً على العملية، علماً بأن الضربة لا يمكن إخراجها من دائرة الإحراج الكبير لروسيا ووجودها العسكري في سوريا، فما دامت أمريكا تستطيع أن تقصف سوريا وقتما تشاء، سواء أبلغت روسيا أم لم تبلغها، فإن الوجود الروسي في سوريا بالنسبة لـ”البنتاغون” لا قيمة له، ولا يمثل تحدياً للإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، فالحرب الباردة وضعت حداً للنفوذ الروسي في سوريا لا يمكنها تجاوزه.

إقرأ أيضاً: الأسد مختبئ في ملجأ.. وترامب قد يغتاله

ومن الأدلة على أن الضربة سياسية وليست عسكرية بالدرجة الأولى، ما صدر عن دول أصدقاء أمريكا من بيانات تأييد للموقف الأمريكي، لعلمهم أن الضربة لم توجه إلى الجيش ولا إلى الشعب السوري؛ بل ولا إلى حكومة بشار الأسد، وإنما لإرغامه على الحل السياسي الذي ترعاه أمريكا، وكأن هذه الدول الصديقة لأمريكا على تفاهم مسبق بالسياسة الإعلامية التي ينبغي أن تصاحب الضربة أو الضربات الأمريكية القادمة إذا لم تستجب حكومة الأسد للمطالب الأمريكية، والتي تقوم على إضعاف نفوذ إيران من التأثير الحقيقي على السياسة العراقية أو السياسة السورية، فأمريكا تريد أن تنهي التأثير العسكري لإيران أو جيش الأسد أو الجيش الروسي إذا وقف في طريق تحقيقها مشروعها في مستقبل سوريا، وقد بدأت بتوجيه الضربة العسكرية الإعلامية بضرب جيش الأسد، والرسالة لإيران ولروسيا بأن أمريكا قد استنفدت حاجتها للعبث في سوريا، وأن الأمور ينبغي أن تكون جاهزة لإبرام الاتفاقيات السياسية.

والرسالة الأخرى لروسيا بأن تجربة استقدام الجيش الروسي لتنفيذ مشروع حل سياسي، بحسب جنيف، حتى الآن قد فشلت؛ بسبب ظهور أطماع خاصة إضافية لروسيا، زادت عن المطالب السابقة، بعد أن أصبحت روسيا تدفع ثمن وجودها في سوريا عسكرياً ومالياً، وظنت روسيا أنها تستطيع أن تكسب سوريا كاملة بالتفاهم العسكري مع إيران والتفاهم السياسي مع تركيا والتفاهم الأمني مع إسرائيل، فذهبت إلى أستانة للاستقلال عن أمريكا، ولكن أمريكا جاءت بترامب لتغيير السياسة الأمريكية السابقة، التي تزعمها أوباما والحزب الديمقراطي الأمريكي في سوريا.

إقرأ أيضاً: ماذا يضمر ترامب في «رسالة سَتَرونها» لـ«حزب الله»؟

لذلك، لا يمكن القول بأن السياسة الأمريكية في سوريا سوف تتغير، بدليل أن الضربة العسكرية الوهمية مؤشر على ذلك، ولكنها لن تكون لصالح الشعب السوري ولا لصالح المعارضة السورية ولا لصالح الدول الصديقة لأمريكا في المنطقة أيضاً باستثناء الدولة الإسرائيلية، فأمريكا تريد أن تفرض التقسيم السياسي الذي يحفظ المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وبسوريا، ولا شك في أن بشار الأسد سوف يقدم تنازلات لأمريكا بعد هذه الضربة العسكرية الوهمية؛ لأنه وجد جدية أمريكا في استهدافه دون اللجوء إلى مجلس الأمن، ودون حاجته للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ودون الخوف من الجيش الروسي في سوريا، ومحاولة روسيا إحرج أمريكا في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة بطلب عقد جلسة طارئة للتحقيق في مجزرة “خان شيخون” ومعرفة المتسبب فيها ومحاسبته فشلت في منع أمريكا من ضرب سوريا، قبل عقد هذه الجلسة، أي إن أمريكا قادرة عسكرياً على لجم روسيا، وقادرة سياسياً على رفض الموقف الروسي، ولو أن أمريكا كانت جادة في توجيه ضربة عسكرية لجيش الأسد وطيرانه لفعلت ودون إخبار روسيا ولا بشار الأسد ولا إيران أيضاً، ولذلك لا بد أن رسالة هذه الضربة قد وصلت لبشار الأسد، ووصلت إلى إيران وروسيا، والأهم من ذلك أنها وصلت إلى حزب الله اللبناني؛ لأن صواريخ توماهوك ستصل قواعده العسكرية في جنوبي لبنان والضاحية الجنوبية في يوم من الأيام، ولكن بعد الفراغ من تخويف إيران وردعها في العراق وسوريا، وبعد إشعار روسيا بأن هناك خطوطاً أمريكية حمراء لتوغلها أو تغولها في سوريا والمنطقة، فالضربة العسكرية الأولى -وإن كانت وهمية- لا بد أن تؤتي أُكلها، وإلا فإن الضربات التي بعدها سوف تكون أشد، وروسيا لا تحتمل السياسة الخشنة مع أمريكا، وسوف تجد روسيا نفسها مضطرة إلى الانسحاب من سوريا إذا رغبت أمريكا في أن تحاربها فيها، ولذلك ستبقى ساحة المعركة مع إيران إذا رفضت الحلول الأمريكية لسوريا والعراق، بوضع شروط لطبيعة وجودها العسكري.

السابق
#حملة_دفى: الإنسانية لا تكتمل إلاّ بالعطاء
التالي
بلال بدر يرفض تسليم نفسه وارتفاع عدد قتلى اشتباكات عين الحلوة