السخرية.. أداة لإسقاط «هيبة» الأنظمة العربية

في الاونة الاخيرة شهدت صفحات التواصل الإجتماعي المتابعة للقضايا السياسية العربية «إنفجار» روحا ساخرة تجتاز الرقابة وأصنام الزعامات يرافقها إتهامات وتطاول على الرموز والمقدسات.

حس التهكم والإنتقاد، والمراوغة عبر السخرية، ينشط في دائرة الناشطين العرب على مختلف جنسياتهم، وبحسب ما يراه عدد من الناشطين فإن المصريين، يُعدون من رواد السخرية السياسية على مواقع التواصل الإجتماعي، وتنشط عشرات الصفحات المصرية على “فيسبوك” و”تويتر” التي تنتقد تصرفات السلطة، وفكرة الزعامة، وهيمنة أجهزة الحكومة في مصر.

تجربة المصريين انطلقت بعد ثورة يناير عام 2011، وتوسعت حدودها بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ومجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موقع الرئاسة مما جعل حكمه مادة دسمة للإنتقاد من قبل الشارع المصري، ولا سيما أن الكثيرين يعتبرونه رئيس غير شرعي.

إلا ان التهكم ليس حكراً على المصريين، فالسوريين واللبنانيين والعراقيين، قد وضعوا أيضاً بصمتهم الخاصة في عملية السخرية من واقعهم السياسي. ففي الاونة الاخيرة شهدت مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان تجاوزاً للمحظورات. الأمر الذي دفع عدداً من رموز السلطة اللبنانية إلى تهديد الناشطين وتحذيرهم من مغبة الإستمرار بالسخرية والتطاول لما قد يعرضهم ذلك لمساءلة يشرعها القانون والدستور اللبناني.

وتترافق سخرية الناشطين اللبنانيين، مع إستشعارهم خطر الوسائل الرقابية واجهزتها الإستخباراتية المندسة بينهم، بتصوير المنشورات أي “سكرين شوت”، مما دفع بعضهم إلى إطلاق “هاشتاغ”، ناشط برتبة مندس في إشارة إلى أولئك المحسوبين على أجهزة السلطة اللبنانية.

إقرأ أيضاً: الشيخ الحاج: ما قاله نصرالله حول الزواج المبكر غير مُثبت شرعا

إلا أن الخوف من العقاب، لا يردعهم، بل يدفعهم لممارسة المزيد من الإستهزاء المتراكم من واقعهم، فيتبادلون النكات على سبيل “عندما يتصل بي مكتب المكافحة، أطلق حملة إفتراضية للمطالبة بالإفراج عني، وأجلب لي الحلويات إلى المخفر”.

هذه الصورة راسخة في ذهن الناشطين اللبنانيين، لأسباب عدة، أبرزها إقدام المحكمة العسكرية على إستدعاء العديد من الناشطين على خلفية تدوينات او تغريدات، وكان اخر ضحايا مكتب المكافحة، الناشط أحمد أمهز الذي أوقف بتهمة التطاول على رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بنمشورٍ “ساخر”، وتم الإفراج عنه فيما بعد بكفالة خمسمائة ألف ليرة لبنانية.

وفي سياق متصل، شهد الإعلام العربي ولادة مواقع إلكترونية مفرغة للسخرية، ومنها موقع “الحدود” الذي يوزع مقالاته الساخرة وفق خانات أربعة “كاريكاتور، سياسة، إقتصاد، ثقافة وعلوم، ومنوعات”.

ولا تتوقف عملية الضحك أثناء التجول في عالم موقع “الحدود”، بداية مع العناوين المركبة بأسلوب إبداعي، مروراً بأسماء الشخصيات وصولاً إلى زخم ابداع فريق عمل الموقع في إنتقاءهم لأسماء المراسلين.

ومن بين المواد التي نشرت على موقع “الحدود” مقالة حملت عنوان “احتجاجات عارمة في السودان اعتراضا على عدم اعلامهم عن الربيع العربي من قبل”، و مقالة اخرى بعنوان “شاب متمرد يغادر جروب عائلته على تطبيق واتساب”، كذلك لاقت مقالة “شاب يضطر لضرب فتاة عاكسها في الشارع بعد اكتشافه أنها أخته” تفاعلاً واسعاً لدى القراء.

إقرأ أيضاً: قهوة الإرهابي ومحققو السوشيال ميديا!

يحمل موقع “الحدود” الساخر، قضايا عربية في خضم مخاض المجتمعات أسوأ ما لديها من حروب، وعجزها عن التوائم مع الحاضر، فيضع الموقع في صفحته الأولى عبارة “نحو مستقبل ما”، مستقبل مجهول في ظل الصراعات المدمرة ومارد الدموية الذي خرج من القمقم للإجهاز على ما تبقى من مقومات حياة المنطقة العربية، لذلك فإن عبارة “نحو مستقبل ما” تحوي نشاط السخرية يسعى لخلق مساحة فكرية قادرة على نقد ذاتها ونقد السلطة الحاكمة.

بحسب عصام عريقات، المحرر في موقع “الحدود” فإن ما يرجوه القيمون على الموقع، هو نقل العرب نحو التكيّف مع مفهوم الإنتقاد البناء عبر السخرية. لقد عانى العرب لفترات طويلة من الزمن من نقص في القدرة على النقد ومنع إبداء الرأي فيما يتعلق بشؤون حياتهم، خصوصاً السياسية منها، لذلك يطغى على موقع “الحدود” طابع التهكم من الزعامة العربية.

ويضيف عصام لموقع “جنوبية”، بأن فكرة إنشاء الموقع بدأت بعد شعورهم كمجموعة من الشبان والشبات بالحاجة إلى مساحة سخرية ناجحة، بالتزامن مع ملاحظتهم فشل تجارب إفتراضية سابقة.

المتابعون لصفحة “الحدود” يعلقون على المقالات الساخرة بردود مضحكة، وأحياناً تتسم ردودهم بالغضب والإستنكار. لذلك يقول عصام “ان فقدان الأمل من الإصلاح وتغيير أنماط تفكيرنا، كفيل بإنتاج حس السخرية الموجود لدى القراء.”

ويصنف عصام التفاعل مع موادهم المنشورة في خانة “الإيجابي”، فمع التطورات الزاخرة التي تشهدها الساحة العربية، بدأ الناس يفهمون السخرية وضرورتها، لذلك يسعى فريق العمل في الموقع الساخر إلى إبتكار آلية تمكنهم من الرصد الكمي لكيفية تأثيرهم على القراء.

ويتحدث، عن الردود السلبية التي وردتهم في الاونة الاولى من نطلاقة الموقع، إلا ان الردود والتفاعلات تبدلت وتقلص معها غضب الناس تجاه الموضوعات المطروحة.

ففي السابق تلقى الموقع عدد من التهديدات من قبل القراء، ويرجح عصام بأن ذلك يعود لإحتمالين، فإما ان تكون طبيعة ونوعية القراء قد تغيرت، او ان مستوى تقبل الناس بات ارحب من السابق أثناء السخرية من الممارسات السياسية واثناء تناول الرموز العربية والموضوعات الثقافية والإجتماعية. ويؤكد عصام على ان الحالتين يثبتان بأن تجربة موقع “الحدود” أصبحت مؤثرة في عقلية المتابعين.

لذلك يسعى موقع “الحدود” إلى تطوير محتوى المواد المطروحة للقراء، وقد بدأوا في الآونة الاخيرة، بإطلاق فيديوهات لتوسيع حيز التفاعل بينهم وبين المتابعين.

السابق
حسين مرتضى معلقاً على مجزرة الكيماوي: المعارضة سممت الأطفال مثل المسلسلات التركية
التالي
بالفيديو.. مجزرة خان شيخون