يا أحمر الخدين

كيف لفؤاد السنيورة أن يقول لا لانتخاب ميشال عون؟ ألم يصل إلى مسامعه الكلام التاريخي الذي أطلقه أحمد الحريري عن الأصوات التي لن يُكتب لها أن تعلو فوق صوت سعد الحريري؟ ألم يخبروه بأن دوره يقتصر على السمع والطاعة، وأن لا حاجة لأي ترهات تستند إلى وظيفة سياسية أو وطنية تُعكّر صفو التوافق الوليد؟ ثم كيف له أن يوّقع رسالة ملغومة تستهدف التسوية الكبرى والاستقرار الداخلي؟ هل يدرك خطورة المسّ بحزب الله وسلاحه؟ بل هل يدرك حقًا خطورة الاصرار على التمسك بالمبادئ التافهة في بلد يعوم برمته على بحر من براغماتية استثنائية وليونة تحاكي التراصف الفوري في أي ركب من ركاب الأمم؟

أخطأ فؤاد السنيورة. حجم ما اقترفه يتجاوز كل قدرة على التطويق أو الصمت. كان لا بد من صفعه وإيلامه بما تيّسر من قدح وذم. يدرك القاصي والداني أن الردود التي طاولت الرسالة إنما تمحورت ضمنيًا حول مشاركته وتوقيعه. جميعهم في كفة وفؤاد السنيورة في كفة منفصلة. هذه خلاصة القول وهذه تمامًا كبد الحقيقة.

بعيدًا من السباب والشتائم، خرج كلامٌ سياسي متقدم حول الخطيئة التي اقترفها الرجل ورفاقه، قيل في ما قيل: الخروج من الجغرافيا هو خروج على أصول السياسة، وهذا بحد ذاته خطيئة وطنية، بل ومزايدة مرفوضة في شكلها ومضمونها. خلفية هذا الكلام تستند إلى محاولات حثيثة لتفعيل الثقة وتحقيق الأهداف بعيدًا من الصخب الشعبوي أو تسجيل النقاط. لكنها تستند أيضًا إلى ذريعة واهية نسفها ميشال عون في مستهل عهده عبر كلامه الشهير في القاهرة عن شرعية حزب الله وسلاحه. ما يعني أن الخروج برسالة مشابهة هو أقل واجب تجاه الانهيار المتدحرج انطلاقًا من مسميات تصب جميعها في خانة الرضوخ المنمّق لمشروع حزب الله وإرادته.

إقرأ أيضاً: رسالة الرؤساء الـ5 نواة جبهة لإعادة التوازن وتحجيم النفوذ الإيراني!

أصحاب هذه الفكرة يستغربون الهجوم الكاسح على الرسالة وأصحابها، يشيرون بكل أصابعهم إلى استعراض حزب الله لثلة ملثمة في شوراع بيروت. يقولون: نحن لا نعيش في دولة توتاليتارية. هي مجرد رسالة تعبّر عن رأي أصحابها وحقهم في مقاربة أي قضية وطنية. لكن ماذا عن هؤلاء الذين يتجولون في شوارع العاصمة وضواحيها؟ ألا يستوجب الأمر بيانًا؟ استنكارًا؟ تصريحًا؟ لن نذهب إلى حدود المطالبة بملاحقتهم وتوقيفهم. يكفينا كلام عابر يحفظ ماء وجه العهد، ويحول دون خروجنا جميعًا عن الجغرافيا والأصول.

إقرأ أيضاً: حزب الله يسقط هيبة الدولة وينشر عناصر ملثمة في برج البراجنة

أمس أطل نجيب ميقاتي ضاربًا عرض الحائط علاقته بحزب الله. يقول: إذا قرر الحزب مقاطعتي على خلفية الرسالة فهذا شأنه. قبله أطل فؤاد السنيورة بكل صخبه وهدوئه ليرد على الغيارى والمتحمسين: عابوا على التفاح، فقالوا له يا أحمر الخدين.

السابق
الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار
التالي
عن هلال المدن المنكوبة … وعن «داعش» العائد قوياً