غموض في أهداف الرواية الإسرائيلية عن اغتيال بدر الدين

باتت سياسة الضبابية التي اعتاد القادة الإسرائيليون ممارستها، تجاه عمليات اغتيال شخصيات في تنظيمات أو دول معادية لها، نهجاً ترسم من خلاله إسرائيل سياستها وقواعد لعبتها تجاه من تعتبرهم أعداءها. وعلى مدار خمس سنوات، على الأقل، حرصت على إبقاء هذه السياسة تجاه سورية، وحزب الله وإيران، بدءاً بالغارات على الأراضي السورية والاغتيالات في سورية وإيران وحتى تعطيل الحواسيب في المفاعلات النووية.

كانت إسرائيل تصمت حيال توجيه الاتهام لها، فلا تؤكد ولا تنفي. في بعض الأحيان كان بعض قادتها يلمحون الى أنهم الفاعلون. وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء، وفي مركزها منع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله ومنع خلايا مسلحة من الاقتراب من الحدود في الجولان المحتل. وعلى رغم صراحة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه السابق موشيه يعالون، بأن مسألة منع نقل الأسلحة هي مسألة مركزية ولا تراجع عنها، إلا أن إسرائيل لم تعلن صراحة، مسؤوليتها عن عمليات في شأنها، وأبقت الضبابية سيدة الموقف.

رئيس الأركان غادي إيزنكوت، أطلق تصريحاً، يعلن فيه أن التقارير الاستخبارية الإسرائيلية تؤكد أن اغتيال القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين في سورية، العام الماضي، نفذ من قبل معارضيه في صفوف حزب الله وليس إسرائيل أو أي طرف آخر. وقصد بمعارضيه، وفق ما فسر لاحقاً مسؤول الجيش الإسرائيلي، «جهات في حزب الله التي تعارض الدخول في خلافات ومواجهات مع إيران».

إيزنكوت كان يتحدث في مؤتمر للأمن والاستراتيجية، عقد في ذكرى وفاة رئيس الموساد السابق مئير دغان. وانعقاده بعد ثلاث عمليات في سورية، نسبت إلى إسرائيل، ساهم أكثر في تفاعل الملف السوري، الذي يشمل بالنسبة لإسرائيل، أيضاً حزب الله وإيران، ويطاول حتى الأصدقاء الجدد في روسيا. لكن إيزنكوت اتخذ من حزب الله عنواناً لظهوره في هذا المؤتمر، فتحدث عن تورط حزب الله في سورية وما اسماه التوتر بين الحزب وإيران، معتبراً اغتيال مصطفى بدر الدين انعكاساً لهذه العلاقة.

ولم ينحصر ملف بدر الدين في تصريحات رئيس الأركان، بل انتقل إلى تداول مسؤولين آخرين في الجيش. فنقل على لسان مصدر عسكري كبير، ما هو أبعد من الحديث عن اغتيال بدر الدين من داخل حزب الله، فادعى أن الاستخبارات الإسرائيلية تقدر أن أمر اغتيال بدر الدين، صدر من قبل الأمين العام للحزب حسن نصر الله بنفسه، بعدما واجه بدر الدين جهات إيرانية في سورية في أعقاب الخسائر الكبيرة التي مني بها الحزب في سورية، وفق المسؤول الإسرائيلي. وأضاف أنه قيل أن بدر الدين اغتيل في قصف للمعارضة، ولكن منظمة حقوقية أكدت، في حينه، أنه لم يحصل أي قتال في المنطقة. ولذلك، تابع يقول، إن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية توصلت إلى أن من يقف وراء اغتيال بدر الدين رجالات حزب الله نفسه، الرافضون لأي خلاف مع إيران.

أما الخبير العسكري، يوسي ميلمان فقد كتب بشكل مناقض تماماً للتقديرات العسكرية الإسرائيلية، التي ذكرها إيزنكوت فقال: «كانت قائمة الرّاغبين بتصفية بدر الدين طويلة، فكل من الولايات المتّحدة، وإسرائيل، وفرنسا وجهات في لبنان، ومنظمات المتمرّدين السوريين، كان له حساب دموي معه». وبغض النظر عن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية وعما تشمله تقاريرها حول اغتيال بدر الدين، فإن إعلان إيزنكوت، جاء مناقضاً لعسكريين وأمنيين سابقين، لم يستبعدوا أن تكون، ليس فقط إسرائيل، خلف هذا الاغتيال إنما جهات عربية وأجنبية والولايات المتحدة، وهي مواقف مناقضة لتصريحات إيزنكوت، ما يثير تساؤلات عدة:

– ما الذي أراده إيزنكوت من طرح هذا الملف مجدداً بعد سنة؟

– هل بالفعل هي تقديرات استخبارية؟

– كيف يمكن تفسير تناقض مواقف قياديين إسرائيليين، بعضهم مطلع على خبايا الأجهزة الاستخبارية وتقاريرها.

رئيس مجلس الأمن القومي السابق، جنرال الاحتياط يعقوب عميدرور، كان أول من تولى الرد الإسرائيلي على اغتيال بدر الدين ليعلن في حينه: «مقتل بدر الدين جيد لإسرائيل ولكن لا نعرف ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن هذا الاغتيال. وتابع: «كلما اختفى الأشخاص ذوو الخبرات، من قائمة المطلوبين، فإن الوضع يكون أفضل».

عميدرور، الشخصية الأمنية البارزة والمعروف بقربه من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، اتخذ من الضبابية أسلوباً لرده على هذا الاغتيال، لكنه لم يتحدث عن احتمال أن يكون الاغتيال تم من داخل حزب الله. وفي مجمل تصريحاته كان مناقضاً لما اعتبره إيزنكوت تقديرات استخبارية.

وعقب هذه التصريحات قالت تقارير عسكرية إسرائيلية إنه «على رغم أن بدر الدين ألحق أضراراً في مصالح إسرائيل، إلا أنه كما يبدو، إسرائيل ليست مسؤولة عن اغتياله». وقال مسؤول أمني آخر إنه «يمكننا القول بكامل الاطمئنان إن قادة الجيش الإسرائيلي ناموا براحة بال تامة». وحتى تستكمل إسرائيل سياستها الضبابية حيال الاغتيال نشرت قائمة بأسماء المطلوبين لإسرائيل، وبعضهم اغتيل.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تتوقع شرخاً بين حزب الله وايران بعد تصفية بدر الدين

لكل مطلوب في إسرائيل ملف خاص وتفاصيل ملف بدر الدين في الاستخبارات الإسرائيلية كُشفت قبل اغتياله وبعده. وبعد اغتيال بدر الدين كشفت إسرائيل مستنداً، كان يعتبر الأكثر سرية في ملفه وجاء فيه، أن الاستخبارات العسكرية كانت قد وضعت خطة لاغتيال بدر الدين ومعه أربعة ضباط رفيعي المستوى في حزب الله، عام 2000، وفي اللحظة الأخيرة تراجع جهاز الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة عن التنفيذ، بأمر مباشر من وزير الدّفاع آنذاك، إيهود باراك.

في ملف بدر الدين يرد أنه ينتمي إلى النواة المؤسسة لحزب الله، وهو ناشط عسكري مخضرم ويحظى بالتقدير، وتمت ترقيته، إلى حد كبير، بسبب قرابته بمغنية، نسيبه، ولهذا فقد كان ضالعاً تقريباً في كل النشاطات العسكرية للتنظيم، الأمر الذي حوله إلى هدف واضح لجمع المعلومات عنه، واغتياله.

إقرأ أيضاً: بالفيديو: «العربية» تتهم نصرالله وقاسم سليماني باغتيال مصطفى بدر الدين

وذكرت الاستخبارات العسكرية في ملفه أنه استخدم خمسة أسماء وهمية، وتخلص من جواز سفره وأوراقه الثبوتية وحظي بلقب «الشبح». في 2011، عندما اندلعت التظاهرات ضد الرئيس بشار الأسد في سورية، تم إرساله لقيادة ميليشيات حزب الله في سورية. وحرصت إسرائيل، في سياق التفاصيل، على التركيز على جانب علاقته باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005، وشددت على أن المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي توصلت إلى اتهامه بشراء الشاحنة التي استخدمت لزرع العبوة، وبتعقب وتجنيد عملاء لتفعيل العبوة. وبأن حزب الله و «مجلس الشورى» في التنظيم أرسلا بدر الدين إلى سورية، لمنع السلطات اللبنانية من تسليمه للمحكمة. كما تعتبر إسرائيل بدر الدين من أبرز المخططين لقائمة من العمليات ضد أهداف إسرائيلية كان آخرها في 2012 في بلغاريا.

السابق
في الموصل… لا أحد يُـحصي عدد الجنود القتلى
التالي
البيك والأمين العام