سيناريوهات داعش في سيناء

ماجد عزام

تواترت الأنباء في الفترة الأخيرة عن تحول أمني كبير يحدث في شمال سيناء داخل عاصمة المحافظة، وأكبر تجمعاتها السكانية مدينة العريش ويتمثل بقيام تنظيم داعش ليس فقط بتهديد المسيحيين وإجبارهم على الرحيل أو القيام بمداهمات خاطفة لبعض المحلات والمنازل وتهديد أصحابها، وإنما وصل الأمر إلى حد نصب عناصر من التنظيم مدججين بالرشاشات وصواريخ أر بي جي حاجز تفتيش في ميدان الفالح، وهو واحد من أكبر ميادين المدينة وأكثرها ازدحاما وشهرة.

اقرأ أيضاً: أي نظام سيحكم العراق بعد «داعش»؟

يمكن وضع المتغير الأمني في عدة سياقات سياسية أمنية، وحتى استراتيجية. إما أن النظام خسر المعركة في مواجهة التنظيم بعد ثلاث سنوات على انطلاقها، ورغم التجاوزات، وحتى الجرائم التي تم ارتكابها بحق المحافظة وأهلها. وإما أنه يسهل عن عمد هذا الحضور الطاغي لداعش لتجييره لصالحه وتحقيق إنجازات سياسية وإعلامية من وراء ذلك. وإما الأمرين معا، أي أن النظام خسر المعركة الميدانية المباشرة، ولكنه يحاول التشاطر التذاكي، والسعي لتحويل الخسارة إلى مكسب بل مكاسب صافية له.

مرت ثلاث سنوات تقريبا منذ الانقلاب وإطلاق النظام المعركة الدموية منفلتة العقال ضد تنظيم بيت المقدس- الذي بايع داعش فيما بعد – والتي استخدم فيها القوة الفظة وتجاوز بشكل منهجي ومعتمد معايير حقوق الإنسان، والمواثيق الدولية ذات الصلة. هو اعتمد الخيار الأمني فقط في مواجهة التنظيم دون انتباه أو أي اهتمام للإبعاد السياسية الاقتصادية الاجتماعية للمشكلة، وواضح الآن أنه يخسر أو على الأقل عاجز عن تحقيق انتصار حاسم، وخاصة بعدما خسر دعم أهالي سيناء إثر تهجيرهم وتدمير ممتلاكهم ثم قتل وتصفية أبنائهم بدم بارد، كما جرى منتصف كانون ثاني/ يناير الماضي.

ربما يكون النظام لا يريد أصلا ربح المعركة بشكل نهائي وحاسم للاحتفاظ بشماعة وذريعة داعش لمزيد من التضييق على الحريات والحقوق ليس في العريش، وإنما في القاهرة نفسها وفق المعادلة البغيضة سيئة الصيت لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، والبلد في حالة حرب، ولا بد بالتالي من الاصطفاف خلف القيادة، ودعم كل خطواتها لكسبها.

مع ذلك فإن الاحتمال الأكبر والأقوى يتمثل في كون النظام قد خسر المعركة فعلا، فقد عجز عن كسر شوكة التنظيم الذي يتمدد ينتشر ويقوى ووصل إلى حد إقامة حواجز وكمائن في واحد من أكبر ميادين العريش إضافة إلى تهديد بقتل المسيحيين وإجبارهم على الرحيل من المدينة، وبات ممتلكا زمام المبادرة رغم استخدام السلطات كل ما بحوزتها من أسلحة ووسائل دون أن تنجح في هزيمته.

والآن يبدو النظام وكأنه يفكر على الطريقة الاستبدادية التقليدية، في تحويل الخسارة العسكرية إلى مكسب سياسي، وعدم الحرج من إظهار تمدد التنظيم وسطوته، وربما حتى تسهيل أو غض الطرف عن سيطرته على مدن ومناطق واسعة في شمال سيناء، ولعب نفس اللعبة التي مارسها بشار الأسد في سورية، ونوري المالكي في العراق، لفت الانتباه عن الظلم القهر الفساد، العجز عن حل مشاكل الناس وحتى الجرائم التي ارتكبت، وترتكب بشكل منهجي، وتقديم النظام نفسه كسد أو حاجز أمام تمدد وانتشار داعش، ومنعه من تهديد حرية الملاحة في قناة السويس أو تهديد أمن الدولة العبرية.

غير أن أخطر السيناريوهات في سيناء وأكثرها شيطنة وخبثا ذلك المرتبط بحماس وغزة بشكل عام، ويتمثل بتسهيل سيطرة التنظيم على المنطقة الممتدة من رفح للعريش والبالغة 40 كم2، ثم تشكيل النظام خط دفاع قوى أو ساتر يمنعه من تهديد إسرائيل أو قناة السويس، وحصر التنظيم ودفعه باتجاه الحدود الفلسطينية مع غزة، ما يعني اشتباكا مباشرا بين داعش وحماس، وإجبار هذه الأخيرة على التورط في المستنقع السيناوي، بعدما رفضت طلبات مباشرة من القيادة المصرية بالانخراط الفعلي الميداني إلى جانب الجيش في المعركة الحالية ضد داعش في سيناريو يشبه إلى حد ما سيناريو تورط وغرق الحشد الشعبي اللبناني – حزب الله – إلى جانب نظام المسلخ البشري في سورية، وهو الأمر الذي رفضته حماس بشدة لأن لا شيء يجبرها على خوض الانتحار على طريقة الحشد اللبناني.

هذا السيناريو الشيطاني الذي سيتم طبعا بعلم تل أبيب وموافقتها يلحظ تعويم النظام وجلب مزيد من الدعم السياسي الأمني الاقتصادي له، وتخفيف الضغوط عليه فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى استنزاف وإرهاق حماس وداعش معا، إضعاف الطرفين مع الثقة في حتمية وقوع الصدام بينهما وأن داعش لن تتجه شرقا، بل غربا وستضطر حماس إلى خوض المعركة دفاعا عن نفسها، وتكتيكيا ستكون مجبرة على إبعاده عن غزة وحدودها إلى عمق مناطق سيطرة التنظيم، وسيتم عرض المساعدة عليها لإغرائها وتشجيعها، وحتى تقديم المزيد من المساعدات وتخفيف الحصار ضد غزة ووعود بحل كل أزماتها.

هذا السيناريو سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الفصل بين غزة والضفة الغربية، وتكريس خيار دولة غزة سيناء، ولو بشكل غير رسمي أو غير معلن، ولكن سيتشكل أمر واقع وارتباط بينهما وأيضا على عدة مستويات سياسية أمنية اقتصادية اجتماعية أيضا.

النظام المصري الحالي الذي استنسخ أبشع ما في الأنظمة الثلاثة التي سبقته إثر الانقلاب الأم عام 52 يبدو أقرب إلى ذهنية القذافي والأسد منه إلى مبارك وزين العابدين، وسيمضي في خياره الكارثي حتى النهاية وإسقاطه سيكون مضنيا مرهقا طويلا ولكنه حتمي ومؤكد، أما حماس فالخيارات أمامها صعبة وكلها أسوأ من بعضها وتتراوح بين فتح الجبهة مع إسرائيل رغم الواقع المأساوى في القطاع المحاصر المنهك والمدمر أو مزيد من الانفتاح على النظام البشع والتساوق مع أجندته الأمنية تجاه غزة وسيناء أو قبول التحدي ومواجهة المعطيات والمستجدات أيا كانت، غير أن أصعبها على الإطلاق وأكثرها كلفة على حماس الإسلامية، سيكون تقديم التنازلات الجدية والكبرى باتجاه المصالحة مع فتح والرئيس محمود عباس وهذا الخيار رغم قساوته ومظلوميته، سيكون أفضل الخيارات وأكثرها واقعية جدوى ومصلحة لحماس نفسها لغزة وللمشروع الوطني بشكل عام.

السابق
صواريخ الأسد الروسية أربكت غارات إسرائيل
التالي
بعد انتشار الشائعات بشار الأسد يتصل بجورج وسوف