إعلان الأزهر: نعم للمساواة ولا لمفهوم الأقليات

عند دخول قاعة المؤتمرين خلال انعقاد جلسات مؤتمر جامعة الازهر ومجلس حكماء المسلمين الذي اقيم تحت عنوان: “الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل” في القاهرة، يدهشك تنوع اللوحة المرتسمة أمامك. ففي ذهنك انه لا يمكن ان تكون اردية رجال الدين على هذا الغنى والتنوع في الألوان كما الأشكال ناهيك عن أدق التفاصيل التي لا تحصى؛ في محاولة دؤوبة للتمييز على اساس الدين والطائفة والمذهب والطريقة والبلد… ممثلون عن الدين الاسلامي بمختلف طوائفهم وبلدانهم القريب منها والبعيد، وغيرهم عن الدين المسيحي أيضاً بجميع كنائسهم وطوائفهم وتعددهم؛ حضروا جميعهم من 60 دولة مختلفة.
يمكن ان يكون للمشهد قراءات متعددة، لأننا اذا نظرنا اليه من باب التشاؤم فهو يذكرنا بوضعنا المزري وبالصراع والعنف المفتوح على مصراعيه الذي تغرق فيه منطقتنا. من هذا المنظار سوف نشعر بالأسف لانه يشير الى حجم المشكلة.
أما إذا نظرنا اليه من منظار التفاؤل ولو الضعيف، ننحاز حينها الى الأمل الذي يبعثه فينا انعقاد هذا المؤتمر في هذه الظروف، لأنه عنوان للاعتراف والتنويه بالتنوع والتعدد الذي يغني منطقتنا ويعبر عن العمل على تطوير فكرة العيش معاً دون تحفظ. كما إنه يؤشر في نفس الوقت الى وعي القائمين على الشؤون الدينية وعلى فعاليات مجتمعاتنا لضرورة التصدي لهذا الواقع المرير ومخاطره انطلاقاً من احساسهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم. ما أراد المؤتمر التأكيد عليه: مختلفون ومتنوعون لكن متساوون تحت سقف المواطنة في رفض واضح لمفهوم الذمية ولصفة الاقليات التي تفرق بين مواطني الدولة الواحدة على اساس انتمائهم الديني وتنفي بالتالي عنهم صفة المواطنة.
الأمر الآخر الذي يلفت الانتباه، ليس لأهميته بحد ذاته، بل لمغزاه ودلالته، استقبال مؤتمر الأزهر لنا كسيدات بالطريقة التي نكون فيها في حياتنا اليومية والعملية من دون اضافة او تعديل؛ كما أن مبادرة شيخ الأزهر الى مصافحة السيدات ببساطة ودون افتعال مؤشر آخر، ليس لأن فعل المصافحة هو المهم في ذاته، فليس تلامس الايدي ما يتم البحث عنه من قبل أي من الطرفين، بل للمعنى الرمزي الذي حملته هذه الحركة البسيطة والتي تؤشر على الاستعداد للانفتاح على التجديد.
ان مجرد عقد هذا المؤتمر وتحت هذه العناوين يعني الشعور العميق بوجود مشكلة لم يعد ممكناً تجاهلها في منطقتنا التي ليست متعددة دينيا تاريخيا فحسب بل هي مهد الاديان الكبرى الثلاث التي عاشت متجاورة تاريخياً وتقبلت احداها الاخرى، مع تفاوتات بين الحقب والدول.
المؤتمر ضمّ اكثر من 300 شخصية من خارج مصر والافتتاح ضم اكثر من 1500 شخصية. شاركت اكثر من 50 شخصية لبنانية اعترافا بأهمية التجربة اللبنانية العريقة في ادارة التنوع وفي العيش المشترك بين مختلف المكونات الدينية والمذهبية والاتنية والثقافية؛ فلبنان هوالبلد الوحيد الذي يشعر فيه المسيحي انه مواطن بالتساوي مع الباقين ويتمتع بالمشاركة والتمثيل السياسيين اللذين يستحقهما.
كما برهن انعقاد المؤتمر عن الشعور بالحاجة لمواجهة الهجمة الشرسة متعددة الطرف والأجندة التي لا هدف لها سوى تعميق الصراع وتحويل المنطقة الى مجموعة دول فاشلة يسودها رفض الاخر والعنصرية والتطرف. من هنا تأكيده على مسؤولية الدولة عن حماية المواطنين وحرياتهم وممتلكاتهم وسائر حقوقهم لأنها من أهم واجبات الدولة الوطنية الدستورية حصريا. ونحن في لبنان أدرى بأنواع المزاحمة الممكنة للدولة من تنظيمات وأحزاب وأفراد مستخدمين المال والسلاح من اجل الهيمنة على قراراتها وعلى احتكارها للعنف.

إقرأ ايضًا: «تحقيق» عن الأزهر في مجدل عنجر: حقيقة أم تجنٍّ ؟
انطلاقا من هنا عمد الازهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين الى عقد المؤتمر تحت عنوان “الحرية والمواطنة… التنوع والتكامل” ليؤكد ارادة العيش معا ورفض التطرف وادانة العنف كما اي جرائم تمارس باسم الدين. ان التأكيد على ان المواطنة كسياسة تقوم على التعددية الدينية والعرقية والاجتماعية وعلى انها “ليست حلاً مستورداً، وإنما هي استدعاء لأول ممارسة إسلامية لنظام الحكم طبقه النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي أول مجتمع إسلامي أسسه، هو دولة المدينة”. لهذه الاشارة دلالات عدة، انها تؤكد الفكرة نفسها لكنها ايضاً محاولة من المراجع الدينية لإسكات الردود السلفية الممكنة كما يراد لها ان تكون دليلا ارشاديا للمستقبل.
لكنها في الوقت نفسه تؤشر الى اننا ما زلنا نعتبر اننا امتداد لنفس حقبة التأسيس وأنه لا يزال من المبكر ان نعتبر أننا نعيش في حقبة تاريخية جديدة تتطلب منا أخذ مسافة من ماضينا كي نتمكن من النظر اليه كتاريخ منفصل نقيّمه ونأخذ منه ما يناسبنا ونكيّف ما لم يعد كذلك. لكنه يعني ايضا ان شعارات الثورات العربية بالمطالبة بالدولة المدنية لم تكن دخيلة ولا مستوردة ولا مؤامرة، بل يمكنها ان تجد لها اسنادا تاريخيا من قلب المجتمع الاسلامي. والمقصود بتعبير الدولة المدنية الدولة التعددية المحايدة تجاه الدين دون أن تعاديه، بمعنى انها تحترم القيم الدينية وتحمي الدين من الدولة ومن السياسة، لكنها تحمي أيضاً حقوق وحريات كافة المواطنين وتكفل المساواة بينهم كما حرية الاعتقاد. انها الدولة المحايدة لا يكون لرجال الدين فيها سلطة على الدولة أو الحكم والعكس ايضاً. وربما من هذا المنطلق يمكن فهم عدم تجاوب الازهر مع مطلب الرئيس السيسي لإلغاء الطلاق الشفهي ورده على أنه شأن من شؤون الأزهر؛ وقد يؤشر الى حماية الدين من تدخل الدولة والسياسة في شؤونه كي يتسنى له معالجتها داخلياً. لكن يبدو انه لا يزال مبكراً التصريح بوضوح: نعم لفصل الدين عن الدولة.

السابق
جنبلاط: السلسلة لا تتطلب ضرائب
التالي
الجيش الأردني: شظايا الصواريخ السورية والإسرائيلية سقطت فوق الأردن