أي نظام سيحكم العراق بعد «داعش»؟

خالد غزال

لا يوحي المشهد العراقي المتفجر بقوة خلال الأعوام الماضية، والمعطوفة على سنوات الاحتلال الأميركي، بأن نظاماً مركزياً على غرار ما كان سائداً، يمكن له أن يحكم العراق. فالتفكك السياسي والاجتماعي قطعا أشواطاً بعيدة في خلق تقسيم واقعي، الظاهر منه حتى الآن ثلاث مناطق نفوذ: الكردية والشيعية والسنية. كل قوة سياسية في هذه المناطق تضمر العداء للقوى الأخرى، ويصرح بعض قادتها باستحالة عودة الوحدة العراقية، بالنظر الى حجم العداء الذي ترسخ خلال السنوات الماضية بين المكونات الاجتماعية، والناجم عن تغير ميزان القوى وانهيار الدولة، والمعطوف أصلاً على موروث من العداء يمتد الى قرون خلت. الكلام المتداول يؤشر الى نظام فيديرالي، يذهب كثيرون الى استنساخ اتفاق الطائف اللبناني الذي أقام نظاماً عماده المحاصصة الطائفية بين مكوناته، وهو نظام لم يحكم التاريخ لصلاحه بعد.

اقرأ أيضاً: سورية: الأرقام والتواريخ الصادمة

اذا كان مسار التقسيم غير الرسمي سيسود في العراق تحت اسم الفيديرالية او المحاصصة، فإن شرط نجاحه يتطلب خطوات أساسية لتستقيم السلطة في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة. أول الخطوات وأهمها استكمال التغيير الديموغرافي الذي شرع به الحكم الجديد قبل هيمنة «داعش» على مناطق جغرافية عراقية، واتخذ مساراً تصاعدياً خلال الحرب الأخيرة تحت حجة الحد من مساعدة قوى مذهبية تدعم التنظيم المتطرف. استخدم النظام الحشد الشعبي في عمليات التطهير الديموغرافي، ولعبت قوات الحرس الثوري الإيراني دوراً مساعداً، عسكرياً وسياسياً. إن حجم الاحتقان السائد بين القوى المذهبية، السنية منها والشيعية، سيؤجج من نار الحرب الأهلية الدائرة اليوم في العراق، سواء أكان اسمها محاربة الإرهاب أم إعادة توحيد البلاد ومنع التقسيم.

لا يمكن الحديث عن طبيعة النظام القادم في العراق بعد القضاء على «داعش» بمعزل عن الأهداف الإيرانية في العراق ودورها المقبل فيه. لم يعد من السهل على إيران أن تعود قواتها الى بلادها وتسمح للعراقيين بتقرير مصيرهم. منذ الاحتلال الأميركي للعراق، تتصرف إيران على أن هذا البلد بات جزءاً من المدى الحيوي للدولة الفارسية. من المفيد التذكير بأن قادة إيرانيين أعلنوا أن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية الساعية إيران الى استعادتها. منذ اليوم الأول لدخولها أرض العراق، استخدمت إيران سلاح التحريض المذهبي بين مكونات الشعب العراقي، واستحضرت ترسانة العداء التاريخي الذي يعود الى خمسة عشر قرناً لتأجبج الصراع الطائفي. أتت بنور المالكي رئيساً للحكومة لمدة ثماني سنوات عمل خلالها على ربط العراق بإيران بقيود حديدية. لا تبدو إيران في وارد السماح بعودة العراق موحداً إلا إذا كان تحت وصايتها. لم يكن صعود «داعش» بعيداً عن تسهيلات قدمها رجلها المالكي في سحب الجيش العراقي من الموصل، بهدف وضع البلاد في أتون حرب طائفية تعطي إيران فيها لنفسها مبرر التدخل العسكري تحت حجة حماية الطوائف الخاصة بها.

في المقابل، عاد الدور الأميركي ليمارس نفوذه في تحديد مصير العراق المقبل. صحيح أن القوات الأميركية انسحبت من العراق في العام 2011، لكن النفوذ الأميركي ظل فاعلاً بواسطة قوى إيران نفسها، في مرحلة التناغم الأميركي الإيراني زمن باراك اوباما. يشهد العراق منذ فترة عودة أميركية عسكرية فاعلة تحت حجة نجدة قوى النظام والقوات الإيرانية ضد الإرهاب. وقد أظهر الأميركيون للعراقيين والإيرانيين على السواء انه من دون التدخل الأميركي على الأرض، سيكون من الصعب هزيمة «داعش». في كل حال أثبتت الأسابيع الأخيرة أن الهزيمة التي لحقت بـ «داعش» في الموصل، ما كان لها أن تتم من دون الدعم الأميركي في الجو وعلى الأرض. مما يعني أن أميركا ستكون مقررة أيضاً في طبيعة النظام القادم.

تبقى كلمة عن قوى الداخل، وهي بمعظمها تدور في الفلك الأميركي والإيراني. لكن الصراعات بينها تدفعها الى ترجيح كفة الولاء لهذا الطرف أو ذاك. يتصاعد الحديث كثيراً عن سعي نور المالكي الى انقلاب ضد حيدر العبادي بتشجيع من إيران، لحسم طبيعة السلطة المقبلة. فيما يتجه العبادي نحو الولايات المتحدة لتمتين صلته بها سعياً الى الوقوف الى جانبه في الصراع على السلطة. هكذا سيشهد العراق مزيداً من «شحذ السكاكين» بين قواه السياسية تمهيداً لوراثة «داعش»، اذا ما استطاعت الى ذلك سبيلاً.

السابق
قطع طريق ميفدون النبطية بالإطارات المشتعلة
التالي
الدكتور محمد ياسين: تعيينات المجلس الشيعي احتقار للطائفة الشيعية!