روسيا تجر اوروبا وأميركا إلى حربها الباردة

روسيا رغم الخسائر مصممة على بناء عالم جديد.

لا يستبعد مركز “الجزيرة” للدراسات حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والغرب في عدد من المناطق من بينها دول الشرق الاوسط وأوروبا الشرقية. ففي دراسة لـ”مركز الجزيرة للدراسات” جاءت بعنوان “روسيا والغرب: نذر حرب باردة ومخاضات تعددية قطبية”، تشير إلى تقارير أمنية من دول اوروبية حول الخطر الذي باتت روسيا تشكله على امنها القومي.

حفلة المقالات في صحف اوروبا المرموقة عن الحرب الباردة الجديدة حولتها موسكو إلى واقع حقيقي نتيجة عدة خطوات من بينها تدخلها في المعارك الإنتخابية للدول الغربية، وسعيها إلى إعادة بناء مجالها الجيوسياسي في أوروبا بعد ان هيمنت قرارات الولايات المتحدة الاميركية عليها لفترة طويلة من الزمن. ويقول المركز أن روسيا تسعى إلى قلب موازين القوى وهو ما اكده عدد كبير من المقربين من الرئيس فلادمير بوتين المراهن حين أطلق عملية الحشد العسكري وضم عدد كبير من الدول التي تشكل اميركا مصدر قلق لأمنها.

وتستند قراءة مركز الجزيرة إلى تصريح لمدير المخابرات البريطانية عام 2016، حين قال ان روسيا خطر على بريطانية وامن اوروبا الغربية، وتستخدم أساليب هجينة وتقليدية في حروبها بالاضافة إلى إعلانها حرب الفضاء الالكتروني.

عام 2016 ذكرت احد الصحف السويدية قيام سفينتين حربيتين لروسية بنقل صواريخ نووية من بحر الأبيض المتوسط إلى بحر البلطيق. ونصبت روسيا صواريخ نووية في كليننغراد الروسية. وبدا هذا القرار بحسب ما تقوله دراسة “الجزيرة” بأنها رسالة روسية لحلف الناتو بزيادة عدد قواته في حوض البلطيق.

عام 2016، قام حلف الناتو بتعزيز وجوده في بولندا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا والبحر الأسود، وسمحت النرويج للمرة الاولى للولايات المتحدة الاميركية بنشر عناصر لها على أراضيها.

وشعرت روسية بالتفوق في البحر الأسود بعدما تمكنت من فصل شبه جزيرة القرم عن اوكرانيا، وبحسب الدراسة فإن الأجهزة الإستخباراتية في اميركا تتهم روسيا بالتجسس على الحملة الإنتخابية التي حصلت نهاية عام 2016، ونشر رسائل خاصة بالحزب الديمقراطي. وردت أميركا على تصرفات روسيا، من خلال هاكرز اوكرانيين، فضحوا وثائق تظهر سيطرة بوتين على المجموعات الأوكرانية المناهضة لحكومة كييف.

وبلغ التوتر حدوده القصوى في سوريا، فعام 2015 شغلت روسيا قاعدتها العسكرية في حميميم، ويقود سلاحها الجوي حملة شعواء على المتمردين في سوريا، وأواخر عام 2016 أعلنت روسيا عن ان قواعدها العسكرية في سوريا باتت قواعد دائمة. مركز الجزيرة للدراسات يشير كذلك إلى ان الدول الاوروبية تنظر للرئيس بوتين كرسول خطر وتهديد لأنه مصمم على إجهاضات الحركات الإعتراضية وتقويض الحرية والديمقراطية، وبدأت الصحف في اوروبا تتداول لفظ “الحرب الباردة الجديدة.” لذلك يثير المركز تساؤلا ملحة، الأول كيف ينظر الغرب لروسيا، والثاني كيف تنظر روسيا للغرب، اما السؤال الثالث، هل فعلاً يتجه العالم لحرب باردة؟

يتحدث المركز عن خطاب ألقاه الرئيس الروسي فلادمير بوتين نهاية العام الماضي، أشار فيه إلى حصول إتفاق شخصي مع الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، إلا ان الإتفاق فشل، وإتهم بوتين خلال كلمته دول كبرى لم يحددها بعملها على إنشاء منظمات إرهابية حول العالم. في كلمته هذه عاد بوتين للحديث عن الحرب مع اميركا، حين قال لقد إعتقد البعض انهم إنتصروا في الحرب الباردة، وبدأت برسم نفوذها، وإنفجر التوتر في جورجيا، بعدما حاولت اميركا دعم الحكومة الجورجية ضد المتمردين مما دفع روسيا إلى التدخل للجم الحكومة في جورجيا عسكرياً، وكان ذلك الرسالة الاولى من روسيا إلى الغرب بأن جورجيا تمثل بوابة موسكو في شمال القوقاز.

إقرأ أيضاً: أميركيون بقيادة ترامب مع روسيا ضد أميركا

عام 2009 اعلنت وزيرة خارجية اميركا السابقة هيلاري كلينتون من موسكو عن رغبتها في فتح علاقات جديدة بينهما، ومنذ ذلك التاريخ بدأت اميركا بنشر صواريخها في اوروبا وتركيا، وبررت اميركا تصرفها بالقول ان تلك الصواريخ موجهة لردع إيران وكوريا، ولكن روسيا كانت تقول ان تلك الصواريخ موجهة لها. وتصف الدراسة وضع روسيا خلال حقبة بيل كلينتون وجورج بوش وباراك اوباما بأنه الأسوأ منذ روسيا القيصرية.

أما روسيا فإنها تقاتل من اجل الحفاظ على شبه جزيرة القرم، التي وبحسب مركز “الجزيرة” للدراسات، تعود تاريخياً لروسيا. اما بوتين فيرى أن الغرب يسعى إلى تقويض بلاده من خلال نشر الايديولوجية الليبرالية، وأشار إلى ذلك في خطابه عام 2015 امام الأمم المتحدة، حين قال ان على الدول التي تدعم الثورات الملونة ان تفهم مدى الخطورة التي تقترفها. كذلك فإن روسيا مؤمنة بأن الدول الغربية ساهمت في تقويض إقتصادها الداخلي حين رفضت تلك الدول تقديم مساعدات من اجل إعادة إحياء البنية الإقتصادية الروسية، لذلك فإن بوتين يريد منع محاولات تحويل روسيا إلى دولة ثانوية تدور في فضاء حلف الناتو.

وبالعودة الى تاريخ سقوط الإتحاد السوفياتي عام 1991، نعى المفكر الشهير فوكوياما الشيوعية، واكد على ضرورة عمل الدول الغربية على صياغة سياساتها لما بعد الحرب الباردة، وتجنب حصول مجاعة في روسيا، وحل المشكلة الناجمة عن اي مساعي للهجزة الجماعية الروسية، إلا ان من جهة اخرى كانت هنالك نظرية روسية تقول ان نصر الغرب على روسيا في الحرب الباردة لم يكن نصراً كاملاً.

إقرأ أيضاً: ميركل قلقة من احتمال تدخل روسيا في الانتخابات الالمانية
وعندما إنتهت الحرب الباردة، أشعل الغرب حروبه في البلقان والخليج والعراق وافغانستان دون الإكتراث لرأي روسيا بتلك الحروب، إلا ان تحركات روسيا في اوكرانيا وسوريا كانا كافيان لإعادة روسيا إلى الواجهة مجدداً كقوة عسكرية بارزة ومقلقة. تضيف الدراسة، ان اميركا ما زالت تتعامل مع روسيا على انها دولة ضعيفة، وهو ما اكد عليه اوباما في لقاء مطول اجرته معه صحيفة “ذي اتلانتك” عام 2016. في كلامه مع الصحيفة رأى اوباما أن موسكو ضعيفة، ولا تشكل خطراً، وان كل ردود افعال بوتين ما هي إلا محاولة تظهر المزيد من الضعف، ووصف تورطه في سوريا بالفعل الأحمق، وأنه سيدفع أثماناً باهظة في نهاية المطاف. كذلك تقول “الجزيرة للدراسات” أن اوباما تمكن من التوسع في الباسفيك وساعد عدد من الدول الاسيوية، وعقد إتفاقيات اقتصادية مهمة، وطور علاقته بالهند وباكستان، ووسع نفوذ الناتو في الدول المجاورة لروسية. وعلى الرغم من ان روسيا لا تمتلك مقومات الإتحاد السوفياتي إلا انها تعمل بجد كما تقول الدراسة على تطوير وسائلها العسكرية، وتطور سلاحها الأيديولوجي والقومي، وفي الوقت عينه تعاني من تأزم إقتصادي ومالي، فهي على وشك ان ينفذ احتياطها النقدي المقدر بحوالي 91 مليار دولار.

إن اميركا لن تقود عالماً بشكل احادي بل ستكون على رأس عالم متعدد الأقطاب، وتقول الدراسة ان الدول الكبرى لا تطمح إلى رؤية ثاني اكبر دولة في المخزون النووي مدمرة، بل تعمل على إنهاكها وتجاهل ردود افعالها بعدم الإكتراث لها في سوريا، إلا ان طموح بوتين أكبر من المأزق الذي وقع به لأنه يؤكد دائماً بأنه يمتلك تصوراً مختلفاً لمستقبل العالم، وأن روسيا ستكون جزءاً من موازين القوى في التركيبة المقبلة للعالم.

وفي السياق نفسه كانت صحيفة “دير شبيغل الألمانية” قد اصدرت عددها الشهري (اذار) مزيناً بصورة للرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، مع عبارة “العميل المزدوج”. وتنتظر اميركا نتائج التحقيقات بالإتهامات التي تقول بان إدارة ترامب اجرت إتصالات مع عدد من المسؤولين الروس، وتحذر الصحف الاميركية من انه في حصل ذلك فإن الفضيحة قد تكون أعنف من فضيحة ووتر غيت، وقد تعني ان روسيا أصبحت في عقر دار البيت الأبيض.

السابق
عن ذكرى من احتشدوا ذات يوم في 14 آذار 2005
التالي
بعد الافراج عنه…الرئيس مبارك الى الفيلا الرئاسية