أميركا مكان إيران في سوريا!

الأكيد أن المعادلة تغيّرت في هذا البلد وفي المنطقة كلّها بعدما صارت القوات الأميركية في سوريا. الحقيقة أنّه كانت هناك منذ فترة لا بأس بها قوات ترفع علم الولايات المتحدة في مناطق سوريا وتستخدم مطارات معيّنة، خصوصا في الشمال، لكنّ الجديد أنّ الوجود الأميركي في منبج صار علنياً.

ظهرت دبابات وناقلات جنود أميركية في مدينة سورية ذات أهمّية إستراتيجية كبرى متنازع عليها بين الأكراد والأتراك بحجة تفادي مواجهة بين الجانبين. يتمثّل الهدف الأميركي العام، المترافق مع كشف هذا الوجود العسكري، إضافة الى القضاء على “داعش”، مع عملية تستهدف إقامة “منطقة آمنة” على الحدود التركية ـ السورية وأخرى على الحدود الأردنية ـ السورية.

قفزة الولايات المتحدة الى الحلبة السورية. جعلت كلّ المتورطين في الحرب السورية، بما في ذلك الحرب التي يشنّها النظام على شعبه، يعيدون النظر في مواقفهم، بل يشعرون بحال من الضياع.

كانت سوريا قبل الإعلان الاميركي عن إرسال قوات الى منبج والى مناطق أخرى، استعدادا لمعركة الرقّة، تحت أربعة استعمارات. الروسي والإيراني والتركي والإسرائيلي. صارت الآن تحت خمسة استعمارات بعدما تبيّن ان الاميركي لا يقبل باقلّ من الاشراف على تقسيم سوريا بعد ست سنوات من ثورة شعبية كانت تعبيرا عن رفض شعبي لنظام لم يكن لديه من هدف سوى استعباد شعب والمتاجرة ببلد وممارسة الابتزاز على كلّ صعيد.

ماذا تريد اميركا من سوريا وماذا تريد في سوريا؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لكن الثابت انّ سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة. سقط رهان حافظ الأسد على استمرار حال اللاحرب واللاسلم من اجل بقاء النظام في السلطة الى ما لا نهاية. كان حافظ الأسد بارعا في ممارسة هذه اللعبة التي جعلته يستخدم الشعب الفلسطيني في لعبة قاتلة لقضيته وفي لعبة أخرى تقوم على تبادل الرسائل بين سوريا وإسرائيل عبر جبهة جنوب لبنان على حساب اللبنانيين واهل الجنوب بشكل خاص.

تدفع سوريا فواتير السياسات التي مورست في عهدي حافظ الأسد وبشّار الأسد. مع فارق ان الاب كان يعرف أصول لعبة الذهاب الى حافة الهاوية من دون السقوط فيها، بينما الابن عاجز عن ذلك.

في آذار 2017، جاءت إدارة أميركية جديدة تقول انّها تريد قبض ثمن الفواتير المترتبة على سياسات حافظ الأسد وبشّار الأسد، بغض النظر عن الفوارق الكبيرة بينهما.

اللافت انّ هناك تصريحا حديثا للجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة المركزية امام احدى لجان الكونغرس، اكد فيه ان الاميركيين باقون عسكريا في سوريا، حتّى بعد القضاء على “داعش”. سبق هذا الكلام الصادر عن الجنرال فوتيل موقف واضح من الوجود الايراني في سوريا. اكدت هذا الموقف مندوبة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة نيكي هايلي التي شددت على ان بلادها ترفض أي وجود إيراني في الأراضي السورية.

ردّت ايران على الموقف الاميركي الجديد الذي يعكس رغبة واشنطن في الانتهاء من المشروع التوسّعي الايراني. بدأ هذا المشروع الايراني يأخذ أبعادا خطيرة في اليوم الذي شنت فيه اميركا حربا على العراق لإسقاط النظام فيه في مثل هذه الايّام من العام 2003. لم تكتف ايران بتوتير الأجواء في منطقة جنوب لبنان عبر تحرّش “الاهالي” بالقوة الدولية التي تشرف على تنفيذ القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الامن صيف العام 2006. ذهبت الى أبعد من ذلك عندما اعلن قائد ميليشيا “النجباء” عن الاستعداد لتشكيل فيلق من اجل “تحرير الجولان”. ليست “النجباء” سوى ميليشيا مذهبية عراقية منضوية تحت لافتة “الحشد الشعبي” العراقي تعمل في سوريا باشراف إيراني. فجأة، استفاقت ايران على أوراقها في سوريا ولبنان لتأكيد انّ لديها ما تردّ به على الإدارة الأميركية الجديدة وانّها لن ترضخ بسهولة لطلب الولايات المتحدة الخروج من الأراضي السوريا. تعتبر ايران وجودها في سوريا شرعيا، علما انّه يستند الى الرابط المذهبي ولا شيء آخر غير ذلك.

لا شكّ ان القرار الاميركي بالتدخل في سوريا يشكلّ منعطفا ليس على صعيد ما يدور على ارض هذا البلد فحسب، بل على الصعيد الإقليمي أيضا. انّه انقلاب بكلّ معنى الكلمة، انقلاب على إدارة باراك أوباما اوّلا. فضلّت الإدارة الأميركية السابقة التفرّج على ما يدور في سوريا وترك المبادرة لفلاديمير بوتين الذي هبّ الى نجدة الايراني الذي لم يعد يستطيع صيف العام 2015 إبقاء بشّار الأسد مقيما في دمشق.

يصعب تصوّر الى أي مدى تستطيع إدارة دونالد ترامب الذهاب في إدارة اللعبة على الأرض السورية استنادا الى القوانين الجديدة لهذه اللعبة التي فرضها الوجود العسكري الاميركي.

نظريا تمتلك الولايات المتحدة أوراقا كثيرة. من بين هذه الاوراق حاجة الجميع اليها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا. إضافة الى ذلك، هناك سعي لدى فلاديمير بوتين الى صفقة مع إدارة ترامب بما يؤدي الى رفع العقوبات المفروضة على روسيا. بين هبوط أسعار النفط والعقوبات التي تعاني منها روسيا نتيجة ما فعلته في أوكرانيا، توجد في روسيا ازمة اقتصادية عميقة. انها ازمة نظام لا يريد ان يتعلّم من تجارب الماضي القريب. يتهرّب فلاديمير بوتين من واقع يتمثّل في انّ انهيار الاتحاد السوفياتي كان لاسباب اقتصادية قبل ايّ شيء آخر. لا يمكن بناء قوّة عظمى لديها مناطق نفوذ في انحاء مختلفة من العالم من دون اقتصاد قوي. لا يمثل الاقتصاد الروسي شيئا في العالم. الناتج القومي هو 1،8 في المئة من الناتج العالمي. الاقتصاد الروسي اقل اهمّية من الاقتصاد الايطالي، وهو لا يبلغ نصف حجم الاقتصاد البريطاني واكثر بقليل من ثلث حجم الاقتصاد الألماني…

الأخطر من ذلك كلّه ان روسيا، مثلها مثل ايران، لم تستطع التخلّص من عقدة الاتكال على النفط والغاز. اكتشف بوتين أخيرا ان ليس امامه غير الاستنجاد بالولايات المتحدة وإدارة ترامب بالذات. كيف يمكن إتمام صفقة مع اميركا من دون تلبية الشرط الاول للإدارة الجديدة، وهو شرط خروج ايران من سوريا، مع ما سيستتبعه ذلك من انعكاسات على لبنان الذي تعتبره طهران مجرّد بلد يدور في فلكها، مثله مثل العراق؟

لن تكون طريق إدارة ترامب في سوريا مفروشة بالورود. لن تكون نزهة. هناك تعقيدات وتشابكات كثيرة، بعضها مرتبط بتركة إدارة أوباما التي أهملت تركيا كلّيا ودفعتها الى الحضن الروسي، وبعضها الآخر بقضية الاكراد الذين يشكلون نقطة التقاء بين تركيا وايران على الرغم من المنافسة الشديدة بين البلدين، خصوصا في ظلّ الشرخ الشيعي ـ السنّي الذي يتعمّق يوميا في كلّ انحاء الشرق الاوسط وفي مناطق أبعد منه.

إلى الآن، لم يحصل بعد تحرّش مباشر بالاميركيين في سوريا. ستتحدّد طبيعة الدور الاميركي وما اذا كانت إدارة ترامب قادرة على تقسيم سوريا والحلول مكان ايران بعد حصول هذا التحرّش غدا او بعد غد… او في الأسابيع المقبلة. عاجلا أم آجلا، سيكون هناك تحدّ للإدارة الجديدة. هل تكون في مستوى هذا التحدي حتّى يصبح في الإمكان القول إنّ هناك سياسة أميركية جديدة قابلة للحياة في الشرق الأوسط؟

السابق
ماذا جمع بين الشيخ محمد يزبك والمطلوب نوح زعيتر؟
التالي
مصطفى علوش: طهران تعتبرنا مستعمرة تابعة لها