أنبياءُ الزمانِ..

ماذا نقول عن المعلم بعيده؟

المعلِّمُونَ والراسخون في العلم هم أنبياء الله وخليفتُه يمشونَ على الأرض، نشتمُّ منهم رائحةَ بركاتِ ورحماتِ النبوة إلاَّ أنَّهُ لا يُوحَى إليهم، فالرحمنُ وملائكتُه والحيتانُ في البحر والنملةُ في جُحرها لَيَسْتغْفِرُونَ لطالبِ العلمِ ولمعلِّمِيِّ الناسِ الخيرَ، فهم كلمةُ الله وروحُه وَوَحيُه الذي ما زاغَ البصرُ وما كذَبَ الفوآدُ ما رأى من رحلة البحث والإستكشاف المعرفي والإعجاز العلمي، والله رفعَ بعضَهم درجات، ولا يستوي الذي يعلمُون مع الذين جَهِلُوا وبالَ أمرِهم، فكانوا بحَقٍّ رُسُلَ الرسالةِ الساميةِ الساعيةِ لإخراج الإنسان من محيطات الجهل والجاهلية إلى رحاب العلم والمعرفة،فكأنهم الشامةُ على جبين المجتمع، ونجمةٌ ساطعة في سماء الوطن، فجعلهم الله رحمةً مهداةً للعالَمِين، فأنبأوا الناسَ علمَ الدنيا والاخرة، حتى أنَّ حشرتين معلِّمَتَيْنِ(النمل والنحل) كانتا سادات بيئتهم مرشدَتَيْنِ كما فعل الهدْهُدُ مقامَ المستطلِعِ وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقين.

إقرأ أيضا: اسماء الاساتذة الذين صاروا متفرغين في «الجامعة اللبنانية»

وكفى المعلِّمُ شرفاً أنْ دانَتْ له رقابُ الخليقةِ من الطفولة إلى ثوب التخرُّج والعمل مصحوباً باحترامٍ مصانٍ بأيقونة القداسة. فإحسان التلميذِ لأستاذِه بمستوى مقامِ برِّ الوالِدَيْن. وإننا نرى عقوقَ السياسيينَ لِمَنْ علَّمَهُم عندما حَجَبُوا عنهم حقوقَهم التي لا منَّة لأحدٍ فيها عليهم.

ولِلْمعلِّمِ فضيلتانِ ومندوحتانِ في التعليم والتربية،فهو بمثابةِ الأبِ القدْوَةِ الساعي لتعليمه والأمِّ الحريصةِ على حُسْنِ تربيتِه ليكونَ مثالَ الجيلِ الصالح والمُخلِّصِ وأداةً للبناء ومنارةً وشمعةً تنير للآخَرين طريقَ السعادة والنجاح.

ويستحيل أن يُبدِعَ المعلِّمُ إذا لم يجدْ مَنْ يَحترِمُ مقامَه ويُفسِحُ له الطريقَ ويُكرمُه مادياً ومعنوياً، وقد صَقَلَ شخصيتَه بمزيدٍ من الدارسات والأبحاث التي تُغْني اختصاصَهُ والتلاميذَ، وهنا لنا عتبٌ أنَّ بعضاً اكْتَفى بنيل الشهادة والتدْريس الروتيني ولم يُضِفْ شيئاً ذا قيمةٍ على مناهج التعليم ولم يبذلْ جهداً في تطوير وتحديث أسلوبِهِ لإيصال المعلومات للمتلقِّي، إضافةً وأننا نعيش أزمةَ المعلّمِ القدوةِ الحسنة، جاعِلاً من التعليم وسيلةً للكسب والعيش الرغيد وتناسى أنّ هناك رابطةً وثيقةَ الوصالِ بين رسالةِ التعليمِ وتزكيةِ النفسِ وعلم السلوك التربوي. حيث كان أساتذةُ الأمسِ معلِّمين وَمُربينَ لأبناء الأمراء والحكام والسلاطين وقادة المجتمع، وما ضاعَتِ الأجيالُ إلا عندما فَصَلْنا بين التعليم والتربيةِ السلوكيةِ الجامعةِ بينَ الرُّوحِ والمادة.

إقرأ أيضا: لجنة الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية تطالب بمستحقاتها من الدولة

وما أحوجَنَا اليومَ وغداً أن يَمْنَحَ المَعنيونَ المعلِّمِينَ حقوقَهم كما فعلَ النظامُ اليابانيُّ مجيباً عن سر التقدم العلمي لبلاده قائلاً (أعطينا المعلِّمَ راتبَ وزيرٍ وحصانةَ دبلوماسيٍّ وإجلالَ امبراطور). وأحسنتِ المستشارةُ الألمانية أنجيلا ميركل حين اعترضَ القضاةُ على ارتفاعِ رواتبِ المعلِّمِينَ قائلةً: أتُريدونَنِي أنْ أساويكم بِمَنْ علَّمِكم؟

لذا، فلن تنالَ المجتمعاتُ العربيةُ يوماً سيادتَها وتكونَ في مصافِّ الدولِ الصناعية والمتقدمة والحضارية حتى تَستوي حقوقُ معلِّميها مع امتيازات سياسيِيْها.

السابق
قانون باسيل يتقدم وبري: لا بديل عن دعوة الهيئات الناخبة
التالي
«الموريكس دور» رفض إعطاء رزق الله جائزتين.. والأخيرة هددته!