«الكوتا» النسائية في لبنان قرار نيابيّ ام حزبيّ؟

لا يزال لبنان متخلّفا فيما يتصل بحقوق المرأة السياسية، خاصة في عدم اقراره نظام الكوتا النيابية، علما ان دولا عديدة في الجوار العربي قد أقرته، فما سر عدم تشجيع الاحزاب لنسائه على خوض العمل النيابي والعام؟

لجأت بعض الدول العربية الى اعتماد نظام “الكوتا” في برلمانتها منذ أعوام، اما في لبنان فقد كان قاب قوسين او أدنى من اقرار نظام “الكوتا” هذا، الا ان الامر تعثّر في اللحظات الاخيرة.

إقرأ أيضا: وزير شؤون المرأة .. رجلٌ: زمن العجائب!

علما ان عددا من المسؤولين اللبنانيين اعلن تأييده التام لاقرار نظام “الكوتا” النيابي، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالية سعد الحريري، حيث قال في احدى اللقاءات ان “الكوتا شرط من شروط القانون الجديد للانتخابات”، مع تأكيده على نسبة الـ30%، لافتا الى انه لن يقبل بأقل من هذه النسبة.

وتستند “الكوتا” االى فكرة وجود النساء بنسب محددة في البرلمان، وهي عبارة عن آلية تُوصل الى خطوة نوعية لسد ثغرة اللامساواة بين النساء والرجال في المجالس النيابية، او في الدوائر الرسمية والعامة في دول العالم الثالث على وجه الخصوص، التي تغبن المرأة حقها.

وقد وصل الحديث في لبنان عن “الكوتا” متأخرا جدا مقارنة بغيره من الدول المحيطة، بعد ان سبقته دول عربية عدة أبرزها: مصر، والعراق، والاردن، والسودان، والمغرب، وفلسطين، وتونس.

رغم ان المرأة اللبنانية حاضرة في كل مجالات العمل في لبنان، ومسألة تغييبها تُعد عملا مقصودا كون عدد النساء الرائدات فيه مرتفع جدا وفي كافة المجالات. الا انه، وكما يظهر، نجد ان المجتمع اللبناني متطور بنسبة أعلى من مؤسساته التشريعية في قوانينها العثمانية الباليّة، والتي لا تزال الى اليوم تمنع على الأم اللبنانية فتح حساب “بنكيّ” لأولادها دون موافقة الوليّ الجبريّ أي الأب بمعنى ان الذكر هو الأحق في وصايته على الاولاد دون الانثى التي هي الام.

اضافة الى قوانين الاحوال الشخصيّة الباليّة، والتي تبرز يوما بعد يوم، من خلال منع الحضانة في سن معين عن الأم، وبظروف محددة كزواجها من آخر وغيره من الشروط الظالمة.

وبالعودة الى انطلاقة الحديث عن نظام “الكوتا” في لبنان، فقد شهدنا في العام 2006 مشروع قانون تقدمت به “الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية”، والتي كان على رأسها الوزير فؤاد بطرس، حول اقرار الكوتا، بحيث تلتزم كل لائحة من اللوائح الانتخابية بعدد معين من المرشحات وإلزاميا، اضافة الى اعتماد نسبة 30% على مستوى الترشيح، أي في اللوائح الانتخابية وفي الدوائر الخاضعة للنظام النسبي لا الاكثري أي  ما يعرف بقانون الستين. وذلك انطلاقا من إعلان مؤتمر بكين لعام 1995 الذي صادق عليه لبنان، والذي يُوصي بضرورة رفع تمثيل المرأة إلى نسبة لا تقل عن 30% بحلول العام 2005.

مع الاشارة الى ان المرأة اللبنانية تمثّل 54% من المنتسبين إلى قطاع التعليم العالي، مقابل كونها لا تمثل سوى 28% فقط من القوة العاملة.

اما في المجلس النيابي، فلا تتجاوز نسبة مشاركة النساء الـ 6.4% من أصل 128 مقعداً. وفي انتخابات 1996 و2000، بلغ عدد النساء في البرلمان 3 فقط، وفي انتخابات 2005 لم يتجاوز عددهن 6 ايضا. مع التذكير بأن الاحزاب اللبنانية التي تدعي التقدمية لم ترشح نساء على لوائحها، بل ان هؤلاء النائبات وصلن بناء على عملية توريث سياسي، كما هو حال معظم نواب لبنان. وكان المرشحات الراسبات قد قدّمن ترشيحهن، بناء على قرار فردي، وبدعم من هيئات المجتمع المدني.

الاحزاب اللبنانية

ومن اللازم القول انه اذا لم تتبنَ الاحزاب اللبنانية نظام “الكوتا” في انظمتها الداخلية، يبقى العمل داخل اللجان في مجلس النواب دون الجهد المطلوب، لان الاحزاب جميعها ممثّلة في المجلس النيابي، وهي القادرة على اقرار ما تراه مفيدا للمرأة اللبنانية التي شاركت الرجل في الحرب وفي السلم، وتشاركه في الحياة الاسرية ومشاكلها، وفي دفع الضرائب، فلماذا لا تشاركه في العمل العام؟

والملفت، ان الاحزاب اللبنانية مجتمعة، تؤكد على موافقتها العلنية على “الكوتا” النسائية، وعلى اشراك المرأة في المجلس النيابي وفي العمل السياسي، الا أن هذه المشاركة تبقى محدودة لدرجة ان دخول الوزيرة عناية عزالدين، من حصة حركة أمل، الى مجلس الوزراء أخذت ضجة كبيرة في بيروت، واعتبره مناصرو الرئيس نبيه بري عملا عظيما وفتحا مبينا، علما انه كان قد سبقه تيار المستقبل بتوزير نساء.

إقرأ أيضا: المرأة في لبنان مهمشة سياسيا… والكوتا في مهب المحاصصة

وتتكل المرأة في لبنان عموما على الجمعيات النسوية للمطالبة بحقوقها من خلال الحملات التي تخرج الى الاعلام كل فترة واهمها “حملة جنسيتي حق لي ولاطفالي”، والتي رغم كونها مطلبا حقوقيا، الا انها دخلت دهاليز السياسة، ولن تخرج منها ابدا بسبب النظام الطائفي وخوف المسيحيين من منح الجنسية للفلسطينين الذين هم أكثرية مسلمة في لبنان.

ويبقى يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام هو  عبارة عن احتفال دعائي مهرجاني لا أكثر ولا أقل.

السابق
فيصل القاسم: يا للغرابة بشار الاسد من عظماء القرن العشرين!
التالي
ماهر حمود: جمهورية الأسد حاربت الإرهاب وحمت المنابر والمساجد