حدود اهتمام المجلس الشيعي بالسياسة (16)

ما الخلل الذي يعانيه المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى والذي يكشفه في حلقته السادسة عشرة الشيخ محمد علي الحاج العاملي؟

إن المطالبة بأن يفعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى دوره الوطني – الأمر الذي أسلفنا الحديث عنه – لا تعني بالضرورة انزلاق المجلس لمتابعة صغائر الأمور المحلية، بقدر ما تعني مواكبته للقضايا الوطنية الكبرى، فالمجلس الشيعي مؤسسة ملية يفترض أنها تمثل طائفة معينة، و تعمل على رفع مستواها، ما يعني أنها ليست حزبا سياسيا يهدف لاستقطاب الجماهير والمؤيدين!

وإن كانت الساحة الإسلامية اللبنانية بشكل عام تشهد خللا في الدور الذي تلعبه مؤسسات الطوائف الإسلامية فقط، دون المؤسسات الملية المسيحية!

و لعل سبب ذلك لارتباط مؤسسات المسلمين (المجلس الشيعي، ودار الفتوى، ومشيخة العقل، والمجلس العلوي) بالدولة اللبنانية بشكل مباشر، حيث إنها تتبع على وجه التحديد لرئاسة مجلس الوزراء.. هذا بخلاف واقع الساحة المسيحية، لوجود مسافة أكبر بين المرجعيات الدينية المسيحية وبين السلطة الرسمية.

و هذا أمر ضروري، كون المطلوب من هذه المؤسسات أن تأخذ دور المرجعية الدينية العليا للطوائف، و أي ارتباط إداري بالدولة يخضعها لسلطة أصحاب النفوذ، وهذا بعينه ما نعاني منه راهنا!

و إن وجود شخصية قوية على رأس المجلس الشيعي تحد من تدخل القوى السياسية ضمن المجلس، و هذا ما خبرناه سابقا إبان ترؤس الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للمجلس الشيعي، حيث إن مكانته العلمية المتقدمة، وشخصيته القوية حالتا دون تمكن القوى السياسية من التأثير عليه بشكل عام، وإن كان الأمر لا يخلو من استثناءات، لكن بالإجمال تمكن الإمام شمس الدين من منع الساسة من التدخل في شؤون المجلس الشيعي.

إقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي(٢): نظرة على الإفتاء الجعفري

ومن المستحسن معرفة أن عمل مؤسسة كمؤسسة المجلس الشيعي يفترض أن يحتل الموقع الأبوي داخل الطائفة، وتاليا يعني أنه ليس من حقه الدخول في الزواريب الضيقة للسياسة المحلية، بل ينبغي عليه تعاليه عن ذلك، لكي يتمكن من تبوء الموقع الأبوي، و كلما زج نفسه بقضايا خاصة وصغيرة، كلما فقد دوره المطلوب اضطلاعه به..

وأسوأ من كل ذلك تحول المجلس الشيعي لمنصة للقوى الحزبية، الحالة التي نعاني منها في أيامنا، لأنه يتقزم دوره وينحصر بأطراف معينة، دون أن يكون مرجعا وجامعا لكل القوى السياسية على اختلافها!

وأي مقارنة بين واقع المجلس الشيعي سابقا وواقعه الراهن يتضح الفرق والمراد بشكل جلي.

إقرأ أيضاً: إصلاحا للخلل القانوني(14): نحو إدارة سليمة لأوقاف الطائفة الشيعية في لبنان

فمثلا في مرحلة الإمام السيد موسى الصدر كان المجلس مستوعبا لمختلف القوى السياسية وقتذاك، بما فيهم اليسار، ما ساعد قيادة المجلس لأن تسعى لاحتضان كامل الأفرقاء، و أما اليوم فقد تحول المجلس لبوق يعبر عن آراء جهات حزبية، ما يجعل المجلس يتعاطى مع بعض الأفرقاء الشيعة من موقع الخصم وليس من الموقع الأب والحاضن والموجه..

نختم، ليبادر المجلس الشيعي لاستعادة مكانته الوطنية والإسلامية والعربية، وليكن بحجم الأمة، مستوعبا لكل أبناءه على اختلافاتهم السياسية، بل حتى ولو على خلافهم معه، وحينها يبدأ المجلس الشيعي بالكبر!

السابق
اسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 2 آذار 2017
التالي
بري قال «لا».. وهذا ما يقصده!