دلال البزري تكشف عن تجربتها الحزبية في «سنوات السعادة الثورية»

دلال البزري كتاب
تروي عالمة الاجتماع، الصحافية والباحثة والكاتبة اللبنانية، الدكتورة دلال البزري، تجربتها الحزبية الأولى، في كتابها الذي يحمل عنوان "سنوات السعادة الثورية"، (الصادر عن دار "التّنوير" (في لبنان/ بيروت، ومصر وتونس).

هي تجربة غنيّة، تستحق التوقف عندها، من قبل الباحثين والمهتمين، نظراً لما تحمله من عِبَرٍ، وما تحفل به من محطات نقدية، مضيئة، مارستها الكاتبة، هنا، في طريقة سرد وقائع هذه التجربة، والتي هي – وككل تجربة أولى – تقف القارئ على الحماسة التي اتّصفت بها تلك الطالبة الجامعيّة (دلال) في إقبالها “البريء”، على العمل النضالي، مدفوعة بحب العمل الثوري، وحُلُمِ التغيير المجتمعيّ والسياسي، باعتبارها فتاة مقدامة، عليها الاضطلاع بما تتكفل بحمل أعبائه، من مهمات تنظيمية، تأمل من خلال القيام بدورها، أن تتكلل نضاليّتها بالمساهمة الفعلية، في التوصل إلى تحقيق القضايا الوطنية والإنسانية العادلة. ولكن… في هذه التجربة، لم يأت حساب الحقل، مطابقاً لحساب البيدر، فعلاً، إذْ إنه ما بين بدايتها… ومآلها، كان أن تكسّرت أحلامٌ كثيرة، وظهرت خيبات مريرة ومهازل كثيرة…

اقرأ أيضاً: رواية «ألواح» لرشيد الضعيف… عن مشاعر مدعاةً للخجل!؟

ولهذا تقول الكاتبة في مقدِّمة الكتاب: هذه أولى تجاربي الحزبية (1969 – 1971)، في منظمة يسارية إسمها “منظمة العمل الشيوعي في لبنان”، فقررتُ أن أدوّنها، حفظاً لذاكرتي، ذاكرتنا. ومع ذلك، فإن هذا الكتاب، ليس عن الذاكرة، ولا عن الحنين، ولا هو مذكّرات أو ذكريات، أو شهادة تاريخية، أو سيرة ذاتية، ولا هو رواية… إنه حكاية نصف واقعية، نصف متخيّلة. قدر منها حقيقيّ، مسجّل في الوقائع التاريخية لأحد الأحزاب، والآخر، هو السياقات، الممكنة، المتخيّلة، لأبطالها وتهوّرهم وفرحهم ومرحهم ونداوتهم…

كتاب
إنها حكاية الرِّفاق والرفيقات الذين توزّعوا الآن بين الدّنيا والآخرة، وبين القارات الخمس، وبين الخيارات السياسية المتناقضة؛ والذين شاركوني تلك الأيام من غير الرِّفاق، والذين لم يشاركوا؛ والذين يتساءلون عنها، ويلاحقون ذاكرة غيرهم، ويتحرّشون بها… فمحتويات هذا الكتاب، إذن، هي “استعادة تلك الروح الفوّارة لزمن السعادة الثورية”؛ وهي استعادة متمثلة بمرويّات الذاكرة.
إنها حكايات الذاكرة. أعود إليها رفضاً لتلك المعارك التي نعيشها، الباعثة على احتراق أدمغتنا في غبارها الكثيف. الذاكرة من أجل ان لا نتحوّل إلى كلاب مطيعة، لا تدرك عن غربتها شيئاً، وتكون الحياة عندها عبودية فطرية. الذاكرة لأقول إنه كانت لنا حكاية أخرى، ولسنا قادمين من العدم.. وقد استنجدت بالمخيلة لأني أرغب بأن يكون هذا الكتاب جذّاباً، ممتعاً، بعد أن يكون درباً من دروب ذاكرتنا. وخلف هذه الرغبات كلها، بحث عن مكامن الجمال. الجمال أقوى دوافعي. هو الكيمياء التي غذّت مخيّلتي. ففي حكاياتي هذه، يخطف الشغف كل الجمال. جمال النداوة، جمال الرفاق والرفيقات، وهم في هذا العمر، في بداية خروجهم من المراهقة، وعلى هذه الدرجة من البراءة، من الصدق، من البذل والمجانية، في غياب أي رادع للانغماس في العمل المسمي “ثورياً”.

اقرأ أيضاً: تأمّلات حنَّة أرندتْ «في العنف»… تاريخياً

سحرنا مناخ تلك الأزمنة؛ تنشّقنا من هوائه ذلك الجموح المنفلت. ما كان يمكن، خلال هذه السنوات الثلاث، أن ندرك معنى المستقبل من دون أن نراه مبتسماً لنا، كما كنا مبتسمين دائماً. من المناخ نفسه اقتبسنا كل هذا الضحك، لنعجنه بعمرنا، وحريتنا. حرية مثل الرياح العاتية، تجرّنا، ونحن نطير، بأجنحة خفيفة، فرحة، إلى حيث تريد، حيث النضال من أجل القضايا العادلة، وحتى الموت من أجلها.

السابق
مؤتمر عن «الحريَّة والمواطَنة.. التنوُّع والتكامُل» في القاهرة
التالي
جو معلوف يكشف هوية النائب الذي استقل سيارته «البطة»