ما المستجد الذي استدعى إطلالة ثانية لنصرالله في أسبوع واحد؟

في الشكل، كان حدثاً يستحق التوقف عنده ان يطل الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله اعلاميا للمرة الثانية خلال اقل من اسبوع، وان يتعمد اطلاق مواقف تُعتبر استكمالا لما سبق له ان اطلقه في اطلالته السابقة، إن لجهة التأكيد مجددا على استعداده للمضي الى الحدود القصوى في مواجهة اسرائيل، وخصوصا من حيث جهوزيته لضرب مفاعل ديمونا في صحراء النقب وخزانات الامونيا في حيفا، وإن لجهة الاستعداد للتعامل مع كل الاحتمالات السلبية التي يمكن ان تطرأ في الاقليم في اعقاب جلوس الرئيس الاميركي دونالد ترامب في المكتب البيضوي، واستطرادا لجهة الاشارة الواضحة الى ان مسار الاوضاع الميدانية في سوريا لايزال يميل لمصلحة “محور المقاومة والممانعة”.
أما في الجوهر، فان لهذه الاطلالة وما انطوت عليه من مضامين جديدة وسابقة “وظيفة” واهمية كبرى الى درجة ان ثمة في أجواء الحزب من يرى انها مطلوبة مضمونا وتوقيتا، وانها حلقة اساسية من حلقات الصراع الدائر في المنطقة. وبمعنى اكثر وضوحا، هي جزء اساسي ومباشر من عملية الرد والردع المنظمَين التي فتح ابوابها المحور اياه الذي ينضوي السيد نصرالله تحت لوائه رداً عاجلاً على تصعيد سبق ان بدأه المحور المعادي وبلغ ذروته في مؤتمر ميونيخ، وتحديداً في الكلامين السعودي والتركي حيال ايران وسياستها.
لذا لم يكن مستغربا ان تأتي اطلالة نصرالله عشية افتتاح اعمال “المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية” في العاصمة الايرانية. فمعلوم ان طهران بذلت جهودا استثنائية لالقاء الاضواء على هذا المؤتمر اذ دعت اليه اكثر من 500 شخصية من كل العالم، والاهم انها دعت اليه كل الفصائل الفلسطينية بما فيها قيادات من حركة “حماس” في غزة، فضلاً عن ان المرشد الاعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي هو من تولى رعاية افتتاح اعمال المؤتمر، والقى كلمة توقف فيها عند محطة حرب تموز عام 2006، فيما تولت محطات تلفزيونية تدور في فلك السياسة الايرانية تغطية المؤتمر مباشرة قبل ايام من افتتاحه.
غاية اساسية تسعى اليها ايران في هذه المرحلة من خلال اعادة الاعتبار على هذا المستوى من الحفاوة للقضية الفلسطينية وللانتفاضة الفلسطينية، والتأكيد ان الشعب الفلسطيني بكل الوان طيفه السياسي ما انفك على عهده بجبه ممارسات الاحتلال الاسرائيلي، وان الشعب اياه ما برح على وتيرة الاعتراض والممانعة عينها، وانه لم “يتكيف” مع مشاريع الاحتلال ولم يركن الى اتفاقات التسوية بالشروط الاسرائيلية.
بالطبع ليست المرة الاولى التي تفصح فيها ايران عن رغبتها الجادة في دعم القضية الفلسطينية وابقائها حية من منطلقين مبدئي ومصلحي. لكن الجلي ان طهران ارادت هذه المرة ان يكون المؤتمر اياه منصة للرد على عمليات “التطبيع” التي يتردد انها تجري بعيدا عن الاضواء بين اسرائيل وعدد من الدول العربية الخليجية، ولتبيان ان طهران مل فتئت تحتضن القضية الفلسطينية وتحمل رايتها عالية في وقت يهرول بعض العرب لانهاء حال العداء مع الكيان الصهيوني. بالطبع ايضا ثمة هدف آخر تريده ايران من المؤتمر وهو انها تريد تظهير حضورها في الوسطين العربي والاسلامي، وانها ليست دخيلة على هذا الوسط كما يروّج خصومها، وانها استطرادا تمتلك اوراق قوة لها شرعيتها التاريخية.

اقرا ايضًا: تهديدات بلا حروب بين حزب الله وإسرائيل
ولاريب ان ثمة هدفا جوهريا آخر اراده العقل المفكر والمقرر في “حزب الله” من خلال توقيت اطلالة سيده واختياره احدى قنوات شبكة التلفزة الايرانية لها، وهو يتجسد في الرد المتقدم على كل “الهجمة المنسقة” لمكونات معسكر الخصم والتي اطلقت عمليا بعيد مواقف ترامب التصعيدية، وهي هجمة لم تقف عند حدود التصعيد الكلامي، بل ان الحزب وكل محوره لمسوا ان لها مفاعيل في الميدان السوري، وهو ما ظهر في معركة الباب في اقصى الشمال السوري ومعركة درعا في اقصى الجنوب، والتي فُتحت على نحو مفاجىء بعد فترة هدوء طويلة نسبيا، اضافة الى مستجدات في الساحات الثلاث المشتعلة، اي في اليمن والعراق والبحرين. أضف ان “حزب الله” وطهران يعتبران ان التصعيد التركي الاخير المفاجىء ضد ايران ودورها يصب في السياق نفسه وفي التشخيص اياه لطبيعة مرحلة ما بعد تولي ترامب سدة الرئاسة الاميركية، وهو تشخيص يقوم على الاسس الآتية:
– ان كل ضلع في المثلث المعادي (تركيا، اسرائيل ودول الخليج) قد وجد في تصريحات ترامب التصعيدية فرصة للخروج من حال الركون النسبي الذي لاذت به عشية انطلاق معركة الانتخابات الاميركية، ومن ثم ولوج عتبة مرحلة مختلفة من المواقف والممارسات، او بمعنى ادق العودة الى مربع التصعيد الاول وجعله سمة من سمات المرحلة الحاضرة والمقبلة.
– ان هذا الوضع ترك تداعياته وانعكاساته على كل ساحات الصراع وبؤر التوتر، وفي المقدمة الساحة السورية.
– حتى الان مازال “محور المقاومة والممانعة” يصطدم بـ”قطبة مخفية” او بـ”نقطة معتمة” لكي تكتمل عنده القراءة النهائية لمستقبل اداء ترامب، او لكي يتيقن من ان التصعيد الذي بدأه فور ولوجه البيت الابيض هو مجرد “تصعيد كلامي” يريد منه استيعاب مرحلة الانتخابات وشعاراتها، او انه يريد تكريس امر واقع جديد في المنطقة والعالم. وعليه يبدو ان الهم الاساسي لهذا المحور هو سبر غور تفكير ترامب، ومعرفة هل هو يحاول تحسين صورته داخليا ام انه عازم على اعادة اميركا الى المرحلة “البوشية”، اي العودة الى زمن التدخلات العسكرية وسياسة التصادم مع الخصوم بمن فيهم طهران وموسكو.
والى ان ينجلي عند هؤلاء الغموض الذي يكتنف الاداء المستقبلي لترامب وطبيعته، يبدو جليا ان المحور اياه (محور المقاومة) ينطلق في مقاربة الوضع برمته من منطلق انه مستعد لكل الاحتمالات والمفاجآت، وانه لن يسمح لأحد بمن فيهم ترامب، بأخذه على حين غرة. ومن البديهي الاشارة الى ان السيد نصرالله هو لسان حال هذا المحور الناطق والفاعل، خصوصا ان الاعداء يأخذون دوما كلامه على محمل الجد.

السابق
لحود: جنبلاط وجعجع أخبر في موضوع الارهاب
التالي
هل حاول هشام حداد سرقة «رادار» منّا وجر؟