إصلاحا للخلل(13): ضبط عمل أئمة القرى والمساجد

الشيخ محمد علي الحاج العاملي
لا توجد آلية حاليا لتنظيم عمل أئمة القرى و المساجد لدى المسلمين الشيعة في لبنان، بل هناك استباحة عامة من قبل القوى الحزبية والمناطقية لهذه الأوقاف التابعة لإدارة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

فمن ناحية استقالة واضحة من قبل المجلس الشيعي من دوره المنوط به شرعا وقانونا، ومن ناحية أخرى هيمنة شبه شاملة من قبل القوى السياسية على هذه المساجد، وهذا ما يؤدي لضياع منافع عامة كثيرة، حيث الإستثمار الخاص لمشاريع فئوية ضيقة، بدل أن تبقى مساجد الأوقاف – على الأقل – واحة مخصصة لعموم أبناء الطائفة! فحتى هذه الفسحة غير متوفرة..

اقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشّيعيّ(١): لتشكيل هيئة مؤقتة لإدارة المجلس

ومن أهم المداخل الرئيسية لضبط الساحة الشيعية الدينية يكمن في ترتيب مهام أئمة القرى والبلدات ومساجد الأوقاف الشيعية العائدة لسلطة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

حيث تنتشر مساجد الأوقاف على امتداد المساحة المسكونة شيعيا في الجمهورية اللبنانية، والأعم الأغلب من هذه المساجد خارج سيطرة الإدارة الرسمية الدينية الشيعية، التي لها سلطة قانونية وشرعية عليها، بل يمكننا القول بأن المجلس الشيعي هو المؤسسة الأقل تأثيرا على مساجد الشيعة، في الوقت الذي يجب أن يكون المجلس هو الأكثر حضورا في إطار أئمة المساجد.

ومع العلم بأن الأحكام الشرعية الفقهية متشددة جدا في مجال حرمة وعدم صحة الصلاة دون إذن بذلك، في حال كانت الوقفية خاصة، أو محددة لجهة معينة، أو كانت الولاية الشرعية عليها محصورة.. لكن الواقع الراهن يشهد خروجا عن ضوابطنا الشرعية بشكل يؤدي لبطلان عبادات كل من يتصرف بالوقف بخلاف وجهه الشرعي!!

المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى

فلا يعقل أن يتبرع محسن ما بأرض لمسجد، أو يتبرع ببناء مسجد، للأوقاف، ثم لاحقا تسيطر على هذا الوقف بعض القوى الحزبية!! علما أنه لو أراد المحسنون التبرع لهذه القوى لما لجأوا للمجلس الشيعي..، وتاليا فهذا الفعل يمثل خيانة اتجاه المتبرعين، فضلا عن كونه تفريطا بحقوق الطائفة بشكل عام.

هذا و لا نريد الإسهاب في الحديث عما يتأتى من ترك الأمور مشاعة… حيث التفلت، وعدم ضبط الخطاب الديني، وتلف عوائد مالية ضخمة، ونمو مراكز قوى خاصة بغير قواها المحدودة بل اعتمادا على الإمكانات العامة…

كذلك لا نريد الإسهاب في الكلام حول تأثير عدم تفعيل مساجد الأوقاف، وضبطها، على انكفاء المحسنين عن التبرع للمجلس الشيعي، نتيجة فشله في هذا الإطار، واتجاه أهل الخير لقوى أخرى أثبتت كفاءتها وجدارتها التنظيمية العالية!

و عليه، يبقى المجلس الشيعي أمام تحد مصيري في هذا المضمار، فإذا كانت إدارة المجلس فاقدة للشرعية فهذا لا يعني أن لا تقوم بواجباتها، بل على العكس من ذلك، إن عدم كونها ذات شرعية كاملة، فهذا ما يلزمها بمحاولة التعويض عن ذلك بمزيد من المناقبية و الرزانة و الإخلاص في المهام و الواجبات.

اقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي (٥): في تركيبة مجلس القضاء الشرعي الأعلى

وأخيرا، ينبغي أن لا يقوم أحد بمهام إمامة القرى والمساجد إلا بإشراف المجلس الشيعي، كما لا ينبغي تولية هذه المواقع للمشايخ الحزبيين، ولا يجوز تجاهل القرى والبلدات النائية التي قلما يهتم بها العلماء نتيجة ضعف امكانياتها..، وهنا على المجلس أن يقوم بواجباته المالية اتجاه العلماء، وهذه الخطوات تساهم في ضبط مساجد الطائفة.
على أنه يبقى هناك ضرورة لوضع منهجية موحدة للعلماء الذين يمثلون المجلس الشيعي في المساجد، لناحية التعاطي بحيادية تامة مع كافة قوى الطائفة، وعدم الإنزلاق في المتاهات الضيقة، وعدم تحويل المراكز الدينية لمقرات للقوى السياسية.

السابق
الأسد لبوتين: لم اعد اتحمل التدخل التركي
التالي
مارين لوبان تعمّدت استفزاز السياسيين والروحيين في لبنان