رواية «بنت الباشا» نفض الغبار عن المجتمع الدمشقي في مطلع القرن العشرين

ليس جديدا على قلم الكاتبة السورية لينا هويان الحسن ان تقوم بكتابة الرواية التاريخية، بعد أن قدمت عدة أعمال تاريخية الطابع، توثق فيها للحياة العشائرية في بادية الشام مثل روايتي سلطانات الرمل وبنات نعش.

أصدرت لينا هويان الحسن عدة أعمال تتناول فيها المرأة الدمشقية في مراحل تاريخية محددة. مثل رواية “نازك خانم” التي تناولت فيها حياة عارضة أزياء دمشقية عاشت في باريس، ورواية “ألماس ونساء” التي يعدها النقاد أول عمل أدبي يتناول المهجر السوري عبر سير متعددة لنساء دمشقيات غادرن مدينتهن بحثا عن حريتهن، وقد كانت ألماس ونساء ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر مان العالمية لعام 1915.

في روايتها الصادرة حديثا “بنت الباشا”، تطلعنا الكاتبة على معطيات جديدة لم يسبق تناولها أدبياً حيث تعود بنا مرة أخرى مطلع القرن العشرين وتحديدا قصور وبيوتات عليّة المجتمع الدمشقي وتعيد رسم ملامح “المرأة” في ذلك الوقت منطلقة من “الوثيقة التاريخية”، فنجد أنها تستهل عدة فصول من الرواية بمقاطع من مقالات للأديبة ماري عجمي التي كانت من أوائل النساء المطالبات بضرورة تعليم المرأة لتحظى بحريتها المنشودة.

اقرأ أيضا:رواية «بنت الباشا» نفض الغبار عن المجتمع الدمشقي في مطلع القرن العشرين

نقرأ في بداية الرواية النص التوثيقي التالي:

” تُشير سجلّات وزارة الداخلية السورية إلى أنّ أوّل امرأة حصلت على إجازة سوق هي من مواليد 1/ 1/ 1904 دمشق – مهاجرين، التي نالت إجازة القيادة في عام 1929 شهادة رقم 172.

بطلة هذه الرواية غالبا كانت شهادة سوقها رقم 177″.

ثم نقرأ تحت عنوان: “تنويه”، ملاحظة تصرُّ الكاتبة على ذكرها في بداية الرواية:

“نَسْليهان” التي ربتها قهرمانة من الصابئة، وولدتها “فيرلان” المختطفة من مستعمرة برتغالية على أحد شواطئ الهند، نسليهان التي شاركت في مظاهرة 1927 في ساحة المرجة للمطالبة بحق رفع الحجاب “امرأة” من نسج الخيال، وأي تشابه مع الواقع هو محض مصادفة مع قصص تتطاير في كل الجهات، ثم تلتئم، متنكرة في عشرات الهيئات الجديدة.

أيضاً تطلعنا من خلال الوثيقة على ماقد يبدو مفاجئا لنا حول حقيقة تعليم بنات الذوات في تلك الفترة، وهذا بالضبط مايحيلنا إلى حقيقة “الكذب الدرامي” الذي روجت له الأعمال الدرامية السورية مثل مسلسل باب الحارة الذي حظي بشعبية كبيرة، لكن ما يُقرأ في رواية :”بنت الباشا”، يجعلنا ننتبه إلى حجم الغبن الكبير الذي لحق بالمرأة الدمشقية بسبب الأعمال التلفزيونية التي تُكتب للسوق بعيدا عن الواقع، فتسوق لنا الكاتبة ما قد يدهشنا حول واقع التعليم في ذلك الوقت المبكر من القرن العشرين:

(هنا، نرى قسماً من بناتنا، إفرنسيات وعدداً إنكليزيات وبعضاً أميركيات وروسيات وبروسيات، ولهذا اختلفت مبادئ بنات الوطن الواحد وتربيتهن، أو بالأحرى قل تباينت المعتقدات والتقليدات..).

ماري عجمي، العدد الأول من مجلة العروس، يناير 1912.ما تذكره ماري عجمي يخالف ماهو معروف ويروّج له دراميا واعلاميا عن واقع الأنسات والسيدات في دمشق في ذلك الزمن.تختار الكاتبة لبطلتها أن تكون “محيّرة” لمن حولها، كان خياراً دقيقاً من قبل الآنسة نسليهان، الأنيقة، المهذبة، المنمقة، هل كانت خيّرة أم شريرة، أم الاثنين معاً؟ كانت خلطة غامضة. لم تكن شريرة دائماً بحيث يدينها الجميع، ولم تكن تجنح صوب السلم، ليرضى عنها الكل.كانت تمتلك ذلك الغموض الذي يمكن أن يسلك مختلف الجهات.

تبدو الشابة المراهقة “ناسلي” غريبة بالنسبة للقارئ ولمحيطها فهي تلك الشابة التي تربت في كنف نساء جئن من أماكن مختلفة من العالم ليكون قصر الباشا بمثابة حرملك مصغر تديره الكاهنة الصابئية “آسيا” وتخدم فيه العبدة السوداء “بحري” التي وصلت كهدية للباشا من مملكة قصية في قلب افريقيا اسمها :”البرنو”.

تعيش ناسلي حياتها كفتاة محاطة بالرعاية تتحكم بالقصر وبكل من يحيط بها، تعيش قصتين غراميتين في آن واحد، مع يوسف اليهودي تاجر القماش وحمد الدرويش الذي يدلها على عالم التصوّف.

لكن “ناظم بك” يخلط الأوراق مع الصفحات الإولى للرواية حيث قد يعتقد القارئ أن ناسلي ضحية تهور ابن عمها ناظم بك لكن كل ذلك سيتغير مع تطور الرواية التي تنتصر لفكرة تعدد الأديان في مدينة دمشق على نحو واضح ومدروس وموّثق.

أيضا تنتصر لشخصية جريئة ومخالفة للعادات والتقاليد مثل “نسليهان بنت الباشا”، هذا عدا عن الكم الكبير من المعلومات المعرفية التي تذكرها الكاتبة عن سوق

النخاسة في نهاية القرن التاسع عشر في معظم الأقاليم التي كانت تسيطر عليها الامبرطورية العثمانية.

السابق
موقع «صراحة» وسرّ نجاحه يشغل مواقع التواصل
التالي
جو معلوف يلوّح باللجوء إلى القضاء وميرنا رضوان ترد: من يملك الحق لا يخاف