تأنيب دولي للبنان وتقييم أميركي سلبي يربك العهد العوني

يتعرّض لبنان هذه الايام لانتقادات أممية وتحذيرات أميركية أسبغت مشهدا دوليا غير مريح على عكس ما كان يشتهي العهد العتيد وانصاره، وذلك مع النقد الدولي لتصريحات الرئيس عون حول شرعية سلاح حزب الله، وكذلك ما صدر أمس من الولايات المتحدة من تقييم سلبي للأمن في لبنان.

وبحسب صحيفة “الحياة” فقد فوجئ لبنان الرسمي بموقف اميركي يمكن اعتباره بمثابة الاحتكاك الاول مع ادارة الرئيس دونالد ترامب من خلال التقويم السلبي الذي أصدرته وزارة الخارجية الاميركية أمس للأوضاع الامنية في لبنان عبر التجديد الدوري لتحذير الرعايا الاميركيين من السفر الى لبنان. ذلك ان التحذير الجديد الذي صدر للمرة الاولى بعد تسلم الرئيس ترامب مهماته الرئاسية، اتسم بنبرة متشددة اختلفت الى حدود واسعة عن البيانات السابقة التي درجت الخارجية الاميركية على اصدارها في هذا السياق. واتخذ هذا التطور الذي لم يعلق عليه بعد لبنان الرسمي أبعاداً دقيقة يصعب التكهن بما اذا كانت مؤشراً لتعامل اميركي متشدد مع مختلف الملفات ذات الطابع الامني ومنها الدعم الاميركي للجيش اللبناني، في حين كان الاعتقاد السائد أن هذا الدعم سيبقى من ثوابت الادارة الاميركية الجديدة على غرار الادارات السابقة منذ زمن بعيد.

اقرأ أيضاً: من لحود إلى عون: فخامة السلاح

واذ أدرج بعض المعنيين النبرة المتشددة “الطارئة” في البيان التحذيري الجديد في اطار المواجهة التي رفعتها ادارة ترامب في وجه ايران وأذرعها في المنطقة بما يتعين معه على لبنان مواجهة تمدد تداعيات هذا التطور اليه، قال هؤلاء إن ثمة مناخاً ساخناً بدأت ملامحه تفرض على لبنان التحسب لعمل ديبلوماسي كثيف من أجل احتواء ما يمكن ان يطرأ من تطورات اقليمية ودولية، علماً ان هذا التطور لم يكن الاول بل ان رد الفعل الاممي على الموقف الاخير لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في شأن سلاح المقاومة شكل بدوره أحد ملامح التعقيدات التي يتعين معالجتها.

لكن التحذير الذي أصدرته الخارجية الاميركية في موقعها أمس اتسم بطابع مفاجئ اذ حذر من “مناخ أمني يزداد سوءاً وهناك احتمالات للوفاة أو الاصابة في لبنان بسبب التفجيرات والاعتداءات الارهابية”. كما أشار الى وجود “جماعات متشددة تعمل في لبنان منها حزب الله وداعش والنصرة وحماس وعبدالله عزام”، لافتاً الى ان التنظيمين الاخيرين “تبنيا مسؤولية تفجيرات انتحارية وقعت في لبنان”، مؤكداً ان “الخطر على المواطنين الاميركيين مستمر”.

في غضون ذلك استرعى الانتباه أمس كلام للرئيس عون اثناء استقباله أمس للمجلس الوطني للاعلام جاء فيه ان المواقف التي يعلنها ” لا تمييز فيها بين فريق لبناني وآخر بل تأتي في سياق الحفاظ على وحدة لبنان وصون التضامن الداخلي في مواجهة الاعتداءات الخارجية التي تتهددنا”. وقال: “أنا لا أفرق في دفاعي عن اللبنانيين بين فريق وآخر أو فئة وأخرى وسيكون موقفي دائماً واحداً ولن أسمح لاحد من الخارج بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية “.

حول توقيت البيان الاميركي، لاحظت صحيفة الجمهورية ما يلي:

أوّلاً، البيان يأتي في إطار الموقف الدوري الذي تصدِره الخارجية الاميركية عبر سفارتها مرّةً كلّ 6 أشهر، وحين تدعو الحاجة، حفاظاً على أمن رعاياها في لبنان، خصوصاً وأنّ عدداً من ديبلوماسيّيها ومواطنيها تعرّضوا سابقاً للخطف والحجز والاغتيال، وسفارتها للتفجير. والإدارة الأميركية ملزَمة قانوناً بإصدار مِثل هذه البيانات.

ثانياً، هو أوّل بيان يصدر بعد انتخاب ترامب في أميركا والرئيس ميشال عون في لبنان، ما يعني أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان، لا سيّما بوجهها الأمني، لم تتغيّر بتغيير الرؤساء. فواشنطن لا تزال تصنّف لبنان بين البلدان المرتفعة المخاطر استناداً إلى تقارير مخابراتها ووزارة الخزانة. كما يعني أنّ الوضع الأمني اللبناني لم يتغيّر مع العهد الجديد.

ثالثاً، يفترض بالمسؤولين اللبنانيين ألّا يُنَقِّبوا عن الخلفيات السياسية للبيان، إنّما الاهتمام بتحسين الوضع الأمني بدءاً من المطار والمرفأ مروراً بالمربّعات الأمنية وصولاً إلى الحدود.

رابعاً، ما يميّز بيان الإدارة الأميركية اليوم عن بيانها التحذيري لرعاياها في تموز الماضي، هو أنها عدّدت هذه المرة الأسباب التي دفعتها إلى إصدار بيانها، فجاء التعداد بمثابة محضر ضبط توصيفي للحال اللبنانية (تهديدات الإرهاب، الاشتباكات المسلحة، الخطف، تفشّي العنف، ولا سيّما قرب حدود لبنان مع سوريا وإسرائيل).

والملاحظ في هذا السياق، تزامُن البيان الاميركي مع بدء عودة رعايا بعض الدول الخليجية تدريجاً إلى لبنان، لا سيّما الرعايا السعوديين والكويتيين والقطريين. فضلاً عن أنّ النقطة غير السلبية في البيان الأميركي تتبدّى في أنه لا يدعو الرعايا الأميركيين الموجودين حالياً في لبنان إلى مغادرته.
بالمقابل وفي ردّ على الموقف الاممي الذي انتقد تصريحات عون الاخيرة حول سلاح حزب الله، أكد مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية اللبنانية السفير شربل وهبه اثناء استقباله للمثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ «احترام لبنان الكامل للشرعية الدولية وفق ما ورد في البيان الوزاري، وتمسكه بالتطبيق الكامل للقرار 1701 من دون انتقائية أو تمييز»، مشيراً في الوقت نفسه الى «ضرورة التقيد بأحكام اتفاقية فيينا لا سيما في ما يتعلق بما ينطبق على المعتمد الديبلوماسي».
ويأتي التأكيد اللبناني للمسؤولة الدولية على خلفية كلام لرئيس الجمهورية ميشال عون لمحطة تلفزيونية مصرية حين سئل عن سلاح «حزب الله»، فاعتبر أن «وجوده لا يتنافض مع مشروع الدولة طالما أنّ الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية». وكانت كاغ قالت في تغريدة لها عبر موقع «تويتر» عقب هذا الكلام لعون: «إن قرار مجلس الأمن 1701 واضح ويدعو الى نزع سلاح كل الجماعات المسلحة، وانه لا للسلاح خارج الدولة».

وأوضحت الخارجية في بيان بعد زيارة كاغ أن وهبه «ركَّز على الخروق الإسرائيلية المتواصلة واليومية للقرار 1701 منذ العام 2006 والتي تجاوزت 11 ألف خرق، وعلى استمرار إسرائيل باحتلال أراضٍ لبنانية خلافًا لنص القرار. وأَمِل أن تعير الممثلة الخاصة هذه الانتهاكات للسيادة اللبنانية الاهتمام اللازم في تقريرها إلى الأمين العام وإلى مجلس الأمن باعتبار أن هذه التصرفات الــعدوانية الإسرائــيلية تمــثل تهـــديداً دائماً للسيادة اللبنانية وتعيق في شكل فادح تنفيذ القرار 1701».

اقرأ أيضاً: نصرالله وفنون التعتيم على مجازر الممانعة من سوريا إلى إيران

وكانت كاغ في تصريحات لاحقة أكدت أن «لا لبس ولا تأويل في قرار مجلس الأمن، وهو يدعو الى تقوية الجيش اللبناني ليقوم بكل المهام الدفاعية”، كما وعبرت عن قلقها من موقف عون «خصوصاً أننا على موعد بعد أسابيع مع التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ بنود القرار 1701 والتزام لبنان مفاعيله. وعلى لبنان أن يؤكد بالوقائع التقدم في تطبيق القرار بكل مندرجاته، والمضي في سياسة دفاع وطنية تقوم على الجيش وقوى الأمن. وهذا أمر لا نقاش فيه في القرار».

السابق
حجج الأسد الواهية مجدداً: لا إعدامات جماعية في صيدنايا
التالي
إخلاء طائرة للميدل إيست بعد شكوك بوجود قنبلة متفجرة