في ذكرى تحرير صيدا: هل تعود إلى موقعها الوطني؟

صيدا
في مثل هذا اليوم 16 شباط، ومنذ 32 عاماً اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من مدينة صيدا ومنطقتها بالإضافة إلى مساحات واسعة من الجنوب اللبناني بعد نحو ثلاثة أعوام من الاحتلال الإسرائيلي.

خلال فترة الاحتلال شكلت مدينة صيدا انموذجاً للنضال ضده، تداخلت فيها جميع أشكال النضال، من توزيع المنشورات، إلى الكتابة على الجدران للقتال المسلح، إلى الموقف السياسي الحازم ضد الاحتلال الاسرائيلي واستحقت مدينة صيدا بجدارة لقب عاصمة المقاومة.

اقرأ أيضاً: كيف يعالج مركز صيدا النفايات وينتج الكهرباء

لم تكن صيدا مدينة لأهلها فقط، جاءها المناضلون من كل أنحاء الوطن، ليقاتلوا الإسرائيليين، واستشهد العشرات منهم. موقف المدينة السياسي المعادي للاحتلال كان حازماً. كان التناغم بين النضال السياسي والنضال العسكري واضحاً. الجميع قاتل ضد الاحتلال: الناصري، الشيوعي، القومي، الإسلامي، اللبناني والفلسطيني، كانت المقاومة في المدينة نموذجاً لتعددية المجتمع اللبناني.
عندما قرر الاحتلال الانسحاب من المدينة، خطط لإغراق المنطقة بالدم، حاول اغتيال مصطفى سعد ولم ينجح، ورعى حرب شرق صيدا التي أدت إلى نزوح سكان المنطقة من المسيحيين إلى خارجها، بعدها أقدم طرفان سياسيان لبنانيان على تدمير منطقة شرق صيدا في محاولة لضرب النسيج الاجتماعي. لكن موقف صيدا كان واضحاً ضد التدمير الممنهج، الذاكرة لا تخون، هل يمكن أن ننسى موقف السيد محمد حسن الأمين وعدنان الزيباوي والمرحوم حسيب عبد الجواد؟ رفعوا الصوت عالياً ضد ما يجري. لكن تلك الحادثة كانت البداية، بداية إعادة صيدا إلى بيت الطاعة اللبناني، بداية تسطيح النسيج الاجتماعي في المدينة والمنطقة وضرب التوجه الوطني الصيداوي. تلاه ضغط شديد الذي مورس على فعاليات صيدا في محاولة لإدخال المدينة طرفاً في حرب المخيمات. لكن هذا الضغط لم يثمر مباشرة، لكنه أعاد الحياة إلى الغريزة المذهبية التي بدأت تطل برأسها بعد اتفاق الطائف. بات الحديث عن المذهبية في المدينة حديثاً عادياً ليبدأ التحول من الموقف الوطني العام الذي لا يرى سوى إسرائيل عدواً يجب القتال ضده إلى أن صيدا مدينة تعيش مظلومية ذوي القربى. وحتماً سلوك القوى المذهبية الأخرى دفعت بالاتجاهات المذهبية في المدينة إلى البروز والتمدد.
أحمد الأسير لم يأت صدفة بل كان من نتائج هذه البيئة التي تحولت إلى بيئة فئوية مذهبية، الأسير كان يجهر ويقول ما لا يتجرأ أبناء البيئة على الإفصاح عنه. وصيدا باتت عملياً تخسر موقعها الوطني المميز لتتحول إلى جزء من كيان يحوي جزائر مذهبية متنازعة. وتتحول إلى مدينة يقطنها أغلبية سنية الانتماء والهوى وتطرح مظلومية أهل السنة كما يراها البعض.
بالمقابل الساحة الوطنية بدأت تضيق شيئاً فشيئاً، حتى أن بعض المقيمين فيها هذه الساحة التحق بأطراف مذهبية أخرى في محاولة للدفاع عن خطه الوطني، وكأنه يجهل أن كل أصحاب المشاريع المذهبية على عداوة مع الاتجاهات الوطنية وأن تحالفاً مقدساً قائماً على المحاصصة يقف سداً فعلياً في وجه بناء الدولة الديموقراطية.

اقرأ أيضاً: دكاكين طبية وفوضى صحيّة في صيدا..

اليوم وعلى الرغم من كل شيء، ما زال في الإمكان البدء من جديد في بناء موقع ديموقراطي وطني في المدينة، لكن شرطه الأول الاستقلالية عن القوى المذهبية والطائفية، وحمل هموم المقيمين في المدينة من النفايات إلى قانون الانتخاب. كي يعود الوجه الوطني إلى مدينة المواطنين.

السابق
الوطن و الدولة في الفقه الإسلامي
التالي
اسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس الواقع في 16 شباط 2017