الوطن و الدولة في الفقه الإسلامي

إن العرب، مهد الإسلام ومادته الأولى، لم يكونوا، حين بزوغ الإسلام، أمة بالمعنى العملي والواقعي، أي لم يكونوا كياناً مجتمعياً – سياسياً، وإنما كانوا في شمال شبه الجزيرة جماعات قبلية، وكذلك في جنوب شبه الجزيرة.

فبعد أن تهدمت وانهارت حضارة الجنوب ودوله، حيث تكونت الشعوب وانتظمت في مجتمعات سياسية – حضرية أو دول ، ولكنها بعد أن انهارت أنظمتها تحولت أيضاً كما كان الحال في الشمال دائماً، إلى قبائل، وانتشرت حالة (البدونة) في جميع الرقعة الجغرافية العربية.

ولكن الإسلام بعد بزوغه حوّلهم إلى مسلمين كوّنوا نواة (الأمة الإسلامية)، لا باعتبارهم عرباً وإنما باعتبارهم مسلمين.

ولم ينغلق تكوين (الأمة الإسلامية) على العرب حين أسلموا، وإنما بقيت هذه الأمة، كما لا تزال وستبقى، مفتوحة لاستيعاب أقوام جدد؛ [ فهي قد ] استوعبت الفرس والهنود والقبط والأحباش والأتراك والأوروبيين والزنوج وغيرهم باعتبارهم مسلمين فقط لا باعتبارهم العرقي والقومي.

وهذا أساس ما يقال عن أن الإسلام والأمة الإسلامية ليست لهما حدود جغرافية، وأن حدود (الوطن الإسلامي) [ الذي يساوي ] الأمة الإسلامية هي حيث كان الإسلام موجوداً متشخصاً في مسلمين. الأمة الإسلامية تَكَوّن مفتوح لتقبل كل من ينتمي إليها، وكل من انتمى إليها يحصل على نفس الحقوق وتترتب عليه نفس الواجبات ”لهم ما لنا وعليهم ما علينا“ في حدود الحقوق والواجبات التي يقتضيها ويلزم بها الانتماء إلى (الأمة).

اقرأ أيضا: السيد محمد حسن الأمين: الاسلام عقيدة عقلانية وليس أيديولوجيا عمياء

إن (الأمة الإسلامية) بهذا الاعتبار واقع بشري متميز من حيث المضمون العقيدي الثقافي عن المجموعات البشرية ذات المضامين العقيدية الثقافية الأخرى، وهو واقع غير محدد، قابل للنمو وقابل للانكماش والضمور، (المسلمون الأسبان مثلاً)، وهي أيضاً واقع جغرافي غير محدد ببقعة معينة، هو ما يعبر عنه بـ (دار الإسلام)، ودار الإسلام هي الوعاء والمجال الجغرافي للأمة الإسلامية، يقابله واقع جغرافي آخر، من وجهة النظر الإسلامية، يعبر عنه بـ (دار الكفر).

وهذا هو ما عبر عنه الإمام جعفر الصادق(ع) ”الإسلام دار، والإيمان دار، والكفر دار“.

ولكن الانتماء إلى (أمة الإسلام) وإلى دار (الإسلام) لا يعني بالضرورة ترتب نفس الحقوق والواجبات التي يقتضيها ويلزم بها الانتماء إلى (الدولة).

ومن هنا فإن التعبير بـ (الوطن الإسلامي) من قبل بعض الكتبة والمتعاطين بشأن الحركة الإسلامية وقضايا الفكر الإسلامي، تعبير يفتقر إلى الدقة، بل سيتضح أنه خطأ إذا أريد منه ما يتضمن معنى (الوطن) من مداليل سياسية تنظيمية تقتضي حقوقاً وواجبات على المنتمي إليه بما هو (مواطن) في كيان سياسي-تنظيمي. وأما إذا أريد منه ما نعنيه بدار الإسلام فلا منازعة في الاصطلاح، ولكنه استعمال خطأ نفضل عدم الوقوع فيه لأنه يخلق بلبلة فكرية والتباساً في التصور السياسي.

*نص للامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين من كتاب مخطوط سيصدر مطلع اذار المقبل تحت عنوان: “مفهوم الأمة ومشروعية تعدد الدول”

السابق
رئيس «سي اي ايه» التقى بالرئيس برام الله قبل لقاء نتنياهو ترامب
التالي
في ذكرى تحرير صيدا: هل تعود إلى موقعها الوطني؟