الاعلان الانتخابي: ما بين التجارة والسياسة وصناعة الرأي العام

الإعلان الانتخابي
تكثر صور المرشحين ببذلاتهم الرسمية التي غالباً ما تعلق على جدران مخصصة للاعلانات، قبل كل موسم انتخابات أكانت محلية أو نيابية او رئاسية. تماما كما تكثر، على سبيل المثال لا الحصر، صور العلكة على عارضات الاعلان قبل اطلاقها في السوق للمباشرة بعملية الاستهلاك.

المنتج الانتخابي في لبنان قد يأخذ شكل نائب، رئيس بلدية، او رئيس جمهورية. أما المنتج التجاري، فيأخذ أشكالاً متعددة تأتي حسب رغبة السوق وطلبه. ايضا الجدار المخصص للاعلام بات اليوم يأخذ اشكالا متعددة، فقد يكون منصة تقف على جانب الطريق، قناة تلفزيونية، اثير اذاعة، او فضاء انترنت. لذلك فإن العلاقة بين الاعلان والاعلام الانتخابي هي علاقة تجارية سياسية اكثر منها علاقة لتعزيز الأداء الديمقراطي. وتهدف لتحقيق مكاسب مع نهاية صلاحية كل اعلان. فكيف يؤثر هذا الواقع على إداء الناخب؟ والى ماذا يهدف الاعلان والاعلام اذا كانت النتيجة محسومة، والحصص موزعة على كل المكونات السياسية في لبنان؟

اقرأ أيضاً: معوقات مشاركة النساء في الحياة السياسية

علاقة النظام السياسي بالإعلان الانتخابي
لا نستطيع الحديث عن الاعلام والاعلان الانتخابي اللبناني بمعزل عن النظام السياسي. لانه بات واضحا أن النظام الاعلامي المؤلف من وسائل اعلامية مختلفة، قائم على الحصص السياسية، خاصة في محطات التلفزيون، وكذلك هو النظام السياسي.
تقول الباحثة في علوم الاعلام والاتصال ومحاضرة في كلية الاعلام الدكتورة نهوند القادري: “كل مرشح أو زعيم يحاكي جماعته، تماما كما تفعل كل محطة تلفزيون التي توجه خطابها الى جمهورها، من دون ان تحاول اقناع احد بوجهة نظرها، لذلك لا توجد عملية اعلامية سليمة. لان كل المحطات تدور حول نفسها”. وهذا الواقع يكرسه وجود محطات مثل المنار والمستقبل اللتين تمثلان قوتين سياسيتن مركزيتين في البلد.

الباحثة الدكتورة نهوند القادري

تستخدم هذه القنوات التي تمتلكها القوى السياسية اعلاناتها المصممة بإتقان ودراسة في الانتخابات، والتي تسوقها عبر محطاتها الخاصة والداعمة لتوجهاتها، في سبيل تعزيز قوتها وإحكام السيطرة على حصتها من السلطة. يقول مدير “إبداع” المتخصص في الإعلان السياسي، ومصمم الاعلان الانتخابي لحملة التيار الوطني الحر عام 2009 سامي صعب: “غير سليم القول ان الاعلان السياسي لا يجدي في ظل المحاصصة السياسية بل ان الاعلان الانتخابي هو سلاحاً فتاكاً بيد صاحبه، فاذا كان فضفاضاً وغير حقيقي يضر بالجهة المعلنة، والعكس صحيح بمعنى ان للإعلان إيجابية كبيرة من حيث تعزيز روح الانتماء لدى المحزبين، وزعزعة الخصم، واستمالة مؤيدين جدد”.

آراء الناخبين
هذا الواقع الذي يعزز دور الاعلان الانتخابي انعكس على بعض أراء الناخبين. ويبدو انه جعل من الاعلان الانتخابي في لبنان تقليداً من تقاليد العملية الانتخابية وبروتوكولاً روتينياً. يقول وليد التميمي وهو ناخب “إن النتائج في لبنان بالنسبة لي محسومة، والاعلانات هي مجرد برستيج”. ويضيف: “الإعلانات الانتخابية هي بمثابة تسويق للخارج لفكرة لبنان الديمقراطي والحر، لكن على المستوى الداخلي هي مجرد شكليات”. هذه الشكليات الانتخابية تنتقص من الاداء الديمقراطي وتؤثر على سلامة رأي الناخب. وما يزيد الطين بلة أن الاعلانات الانتخابية لبعض الاحزاب السياسية باتت اليوم تعتمد على عنصر توفير الامن وسلامة المواطن وضمان استمرارية حياته الطبيعية، تقول زينب الموسوي وهي ناخبة من بلدة النبي شيث ” لا تعني لي الاعلانات الانتخابية شيئا وقلما تلفت نظري، لان النتيجة بالنسبة لي محسومة، فالظروف السياسية والآنية تفرض علينا انتخاب لوائح جاهزة”.

فايز زيتون
فايز زيتون

وفي سياق متصل لاهمية الاعلان الانتخابي، الذي تختلف وظيفته من مناسبة لاخرى ومن مكان لاخر، تهدف الدعايات الانتخابية النيابية للترويج لخط وفكر سياسي معين. أما في الانتخابات المحلية يكون الهدف في غالب الاحيان خدمة مصالح اهالي البلدة وإن كان الأمر نسبياً بين منطقة واخرى. لكن لا شك في أن التدخلات الحزبية لا تترك العمل المحلي يفلت من قبضتها. يقول المشارك في إدارة حملة انتخابية لرئاسة البلدية في إحدى القرى البقاعية فايز زيتون “الحملة التي كنت في ماكينتها، نجحت في تغيير واقع كانت تعاني منه البلدة بسبب هيمنة الاحزاب مثل حركة امل وحزب الله، والتي شكلت هيمنتهما حالة مَرضية في واقع البلدة، فالرئيس السابق سيطر على البلدية لمدة دورتين بدعم من الاحزاب”. كما يُنظر إلى الإعلانات الانتخابية كشبيهة للإعلانات التجارية من حيث الصياغة وتحقيق الاهداف والارباح، يقول صعب:”عملية الاعلان الانتخابي مماثلة لإعلان الشركة التجارية”. هذا الاعتبار يعززه رأي التميمي في الإعلانات الانتخابية: “أصبحت الانتخابات في نظري موسماً لشركات الإعلان والمعلنيين، وهي تضفي نوعاً من الحركة الاقتصادية خصوصا في زمن الركود السياسي”.
لكن النظرة التجارية للاعلانات الانتخابية يرفضها زيتون لانه يرى أن الحملة الانتخابية التي عمل عليها في ايار 2016 لم تقم على قاعدة الترويج للبيع :” لم نعمل على قاعدة اننا نبيع دخان ونريد ان نروج له. وبالرغم من أننا لا نملك خلفية سياسية أو دعماً مادياً، نجحنا في تغيير رئيس البلدية المدعوم من حركة امل وهذا ما يدل على قوة واهمية الاعلان الانتخابي”. وفي نفس السياق يتساءل قصي الشياح (ناخب من بعلبك): ما هي الحاجة الى الاعلان؟ اليس من المفروض عندما نريد انتخاب احدهم ان نكون على معرفة مسبقة به؟”

أشكال جديدة لصناعة الرأي العام
تتعرض العملية الانتخابية الى تأثيرات قصدية يمارسها المعلن بإيعاز من السياسي، وذلك من اجل استمالة الناخب الى صف الحزب او التيار او التركيبة الايديولوجية التي يهدف فريق ما الى ترويجها. الامر الذي يعرض الاداء الديمقراطي الى نوع من التشويه والتحريف. لان الناخب في معظم الاوقات لا يقوم باختيار مرشحه تبعا لما يريده بل تبعا لما تريده الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بيئته. واليوم نحن في زمن الاعلام الانتخابي التفاعلي الذي يقوم على ازداوجية استخدام الوسائل التقليدية مثل الصحف والقنوات التلفزيونية وبين الفضاء الواسع للانترنت اي الاعلام الجديد الذي يشمل شبكات التواصل الاجتماعي، الامر الذي يؤدي الى إرباك العملية الانتخابية وطرح اشكاليات جديدة حول مفهوم الديمقراطية وحسن سيرها في لبنان. تختم الباحثة القادري “نحن أمام اشكال جديدة لصناعة الرأي العام تختلف عن الاساليب القديمة”.

اقرأ أيضاً: ما هي الضغوطات التي يتعرض لها الناخبون؟

فكيف ستستخدم القوى السياسية اللبنانية هذا السلاح في الانتخابات القادمة؟ وما هي الأشكال الجديدة التي سنشاهدها في الاستحقاقات النيابية الآتية؟ كله رهن الوقت ورهن وفاق الزعماء الذين يبدو أنهم سيضعون كل قوتهم في سبيل نجاح إعلاناتهم السياسية والانتخابية والتي ستعززها قنواتهم التي تلبس رداء الإعلام، وما هي إلا وسائل مبطنة لترويج رسائلهم الحزبية والسياسية. وتبقى الضحية الثابتة هي الناخب.

السابق
الحدث«التحتانية» ليست هي نفسها الحدث«الفوقانية»!
التالي
يعقوب لـ«جنوبية» : يجب على قيادة امل الاعتذار من الامام واخويه ومنا ومن قناة الجديد