الشمس التي غابت عنا في حلكة الظلام

نورٌ أضاء عتمة ذاك الطريق الذي كانت تتصاعد أصوات أشباحه من داخل المباني المهجورة تارةً ، و من تحت الركام تارةً أخرى ؛ نورٌ أنار درب أولئك اللذين تخرجوا من مدرسته ؛ نورٌ أشعل تلك الشعلة التي تُندد بالأمان و الاستقرار و العيش المشترك .. انطفأت الشمعة وحلَّ الظلام . .

اثنا عشر عاماً كأنها البارحة، من الصعوبة الدخول إلى عالم رفيق الحريري و الخروج منه بخلاصة عامة أو محدده عن سر هذا الرجل الكبير .

فالعالم الذي نعيش فيه كبير و واسع ،شامل و مفتوح إلى حد كبير على مزايا و فضائل ، مبادئ و قيم شكلت صورته البراقة و الآخاذه كرجل استثنائي في زمنٍ استثنائي ، حفر بصماته على مرحلة بأكملها طوال سنين حياته منذ أن كان يافعاً و حتى استشهاده في جريمة هي الأكبر إلى يومنا هذا.

اثنا عشر عاماً مضت و أنت لست بيننا ، والأيام تمضي و عزاؤنا الوحيد محكمة دولية أنشئت لإحقاق الحق و معاقبة المجرمين . اثنا عشر عاماً غيرت بنا أشياء كثيرة التاريخ و الجغرافيا، ونظرتنا إلى الحياة. سنوات تحول فيها الشعب اللبناني إلى شعب لا يشبه الذي مضى ، تغيرت الأحلام و الأهداف و وجوه الصغار ، وربما لم يعد هنالك صغار في لبنان ، فالجميع أصبحوا كباراً يقيفون في الساحات و يطالبون بالعدالة .

ضريح الشهيد أصبح محجةً لكل طالب استقلال حالم بوطن يسوده العدل و المساواة. و بعده كرت مسبحة الشهداء لتصنع تاريخاً جديداً للوطن، فإذا بشلالٍ من الدماء الصافي يصبغ أحلامنا ، و إيماننا بجلال القضية و بقيمة الاستقلال و بعظمة الحرية و كأن القدر يلعب دوره في تكريس ذكرى خالده لرجلٍ خالد صنع تاريخاً جديداً للبنان.

١٤ شباط هو مفصل تاريخي يجسد الحد الفاصل بين أن يبقى لبنان ذو وجهٍ ديمقراطي متمتعاً بالسيادة و الاستقلال أو أن يتحول إلى وطن لا طعم ولا لون له مثل الأنظمة الشمولية التي تعيش القهر و العذاب .

اقرأ أيضا:في ذكرى شهادة وطن: دماء الرفيق حيّة في قلوب اللبنانيين!

ولكن سيبقى لبنان كما حلم به رفيق الحريري ، سيبقى لبنان كما أراده جبران تويني، كما أبدع في الدفاع عنه سمير قصير ، وكما تحمس في سبيله وليد عيدو ، كما أراده فرانسوا الحاج مقاتلاً شامخاً محطماً لقوى الإرهاب ، رسالة سلام كما أراده وسام عيد، ووطن الحرية و المساواة كما أراده جورج حاوي ، سيبقى لبنان رسالة حضارية وجسراً للحضارة و العيش المشترك كما أرادة بيار الجميل ، كما أراده انطوان غانم ، كلمة حق كما طمح به اللواء وسام الحسن ، و كما أحبه محمد شطح .

ربما لا يليق لرفيق الحريري أن يعيش بين مجموعة من الفاسدين و المفسدين و الحاقدين، ربما لا يليق لرفيق الحريري أن يعيش في وطن أكثر ما يمكن لأبنائه أن يفعلوه هو أن يقتلوا بعضهم بعضا،ويطعنوا بعضهم بعضا، ويتهموا بعضهم بالخيانة و العمالة . .

رحل رفيق الحريري تاركاً شعبه متخبطاً بين أحزاب و طوائف و مذاهب لا تعرف سوى أن تكيل لبعضها الإتهام تلو الأتهام ولا تعرف سوى الحقد و الكراهية ، فذهب و بقيَّ الحاقدون ، ويبقى المُنى في رؤية اللذين خططوا و نفذوا و امروا يحصلون على ما يستحقون من عقاب.

قد تجف الدمعة و يزول الحقد ، ولكن تبقى الحرقة على رجلٍ من بلادي حقق أشياء كثيرة من أجل حرية و سيادة و استقلال لبنان ، أقلَهُ أن دفع دمه و هذا أغلى ما يمكن أن يدفعه إنسان ، و أعطى حتى التضحية بالذات ، فهل نحن شعب فعلاً يستحق كل هذة التضحيات ؟!

السابق
حاطوم يتقدم بشكوى ضد الجديد لدى المجلس الوطني للإعلام
التالي
حزب الله لا يريد اشتباكا سياسيا بين عون وبري