ما هي الضغوطات التي يتعرض لها الناخبون؟

تحت عنوان ” قانون الانتخاب: أي تعديلات واجبة”، عقدت مجلة شؤون جنوبية وتجمع لبنان المدني في فندق كراون بلازا –الحمرا، ندوة تحدث فيها رئيس الجمعية اللبنانية لمراقبة الانتخابات الاستاذ زياد عبد الصمد، شرح فيها مسألة الضغوطات التي يتعرّض لها الناخبون، وهذا ما جاء في كلمته:

الديمقراطية لا تتحقق في الانتخابات ولكنها لا تكتمل بدونها. لذلك علينا أن نسأل أنفسنا ماذا نريد من الانتخابات؟ وما هي الديمقراطية التي نتوخاها؟ هل نقبل بان تجري الانتخابات على أساس القانون القائم حاليا (قانون الستين) رغم كل ما يعتريه من ثغرات، ام نستمر في المطالبة لاقرار قانون جديد؟

اقرأ أيضاً: معوقات مشاركة النساء في الحياة السياسية

فالاصلاحات المطلوبة تبدأ أولا من الاتفاق على الجهة التي تنظم الانتخابات والتي يفترض أن تكون حيادية بالكامل ومستقلة
طبيعة النظام السياسي الذي يعزّز الولاءات للزعيم الطائفي او السياسي او المناطقي وهذه الولاءات تعزز الاستبداد والتسلط

قبل الإجابة على السؤال الأول للندوة أود التوقف عند ثلاث نقاط أراها هامة وضرورية للانطلاق منها:

أولا: قانون الانتخابات ليس الهدف بذاته بل هو الآلية التي تستخدم للوصول الى الاهداف المنشودة. فالديمقراطية لا تتحقق في الانتخابات ولكنها لا تكتمل بدونها. لذلك علينا أن نسأل أنفسنا ماذا نريد من الانتخابات؟ وما هي الديمقراطية التي نتوخاها؟

اللبنانيون منقسمون بين من يريد بناء الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وتعزيز المواطنية، وفريق يعتبر بأننا مجموعة من الأقليات وما نحتاج إليه هو الدولة التي تحمي هذه الاقليات. وبذلك يتراوح الطرح في الانتخابات من قانون النسبية في لبنان الدائرة الواحدة من دون القيد الطائفي الى القانون الارتوذوكسي وما بينهما من صيغ مقترحة ومعروضة للتداول.

ثانياً: من يقر القانون؟ فالجهات التي تتفاوض حاليا على القانون هي ذاتها الجهات ذات المصلحة فيه، وبالتالي فمن الطبيعى ان يأتي القانون “مفصلا على قياسها”، لانها تريد الاستمرار بمواقعها في السلطة.

في بعض الدول تناط مسألة القانون بالهيئة المستقلة للانتخابات التي تعطى صلاحيات موسعة لاسيما في هذا المجال، أو يمكن تشكيل لجنة من الخبراء الذين ينكبون على دراسة القانون وفق ما يرونه مناسباً للبلاد. ولكن في النهاية سيقر القانون في مجلس النواب حيث يقبع اصحاب المصلحة متربصين. وقد اختبر لبنان فكرة تكليف لجنة خبراء عام 2005 وهي “لجنة بطرس” التي تقدمت بالنهاية باقتراح مقبول عام 2006 ولكن النواب وضعوه جانبا واقروا في العام 2008 قانونا فصلوه في مدينة الدوحة على مقاساتهم.

ثالثاً: هل نقبل بان تجري الانتخابات على أساس القانون القائم حاليا (قانون الستين) رغم كل ما يعتريه من ثغرات، ام نستمر في المطالبة لاقرار قانون جديد؟

وهنا لا بد من الإقرار بأن السنوات الثماني التي مرت من عمر المجلس لم تشهد تقدما على مستوى نقاش قانون الانتخابات رغم انها كانت تشكل اولوية وطنية. فهل نصدق بأن الاشهر المتبقية أمامنا ستنتج قانوناً افضل؟ علما بان الحوار الدائر حاليا يشي بان النوايا الكامنة لاضاعة الوقت بنقاش عقيم حول أشكال النسبية ونسبة المختلط والدوائر، وهذا يؤكد على غياب النية في التوصل الى قانون جديد.

اذن المصلحة هي في التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها لأن دورية الانتخابات هي أساس في ديمقراطيتها وفي إحترام حقوق المواطنين. ذلك، مع المطالبة باجراء تعديلات (أو تحسينات ممكنة) على القانون القائم والتي لا تتطلب الكثير من المفاوضات او تلك التي تقتصر على قرارات تصدر عن وزير الداخلية.

ما هي الاصلاحات المطلوبة في قانون الانتخابات

وفي العودة الى السؤال الاول، فالاصلاحات المطلوبة تبدأ أولاً: من الاتفاق على الجهة التي تنظم الانتخابات والتي يفترض أن تكون حيادية بالكامل ومستقلة، لذلك لا بد من إقرار الهيئة المستقلة للانتخابات التي تناط بها صلاحيات تنظيم الانتخابات والاشراف عليها واعلان النتائج. مع التأكد من آلية تعيينها، في بلد لا تجري فيه التعيينات الا على أساس طائفي وبناء على تقاسم الولاءات.

ثانياً: النظام الانتخابي مرتبط بشكل وثيق بالدوائر، فالنسبية في دوائر صغيرة لا تؤت نتائجها المتوخاة والنظام الاكثري، في ظل دولة القانون والمؤسسات وفصل السلطات حيث تطبق الشفافية والمساءلة والمحاسبة وتحترم خيارات المواطنين، لا يؤدي الى الإقصاء، لأن الأقلية والأكثرية تتوازنان في اللعبة الديمقراطية. الا ان غياب دولة القانون والمؤسسات وفي ظل الدولة الغنائمية الراهنة فان النسبية ايضا لا تضمن بالضرورة التمثيل الصحيح لان للنسبية معادلات عديدة تتراوح من اعتماد القائمة المقفلة الى القائمة المفتوحة وما بينهما من تحديد عدد الاصوات التفضيلية (حاليا يتداول المسؤولون بثلاثة اصوات تفضيلية في ظل النظام المختلط). كما تتأثر نتائجها بكيفية تقسيم الدوائر. اما في النظام المختلط فهناك أيضاً معادلات كثيرة ومتناقضة، لذلك فالمطالبة باعتماد النظام النسبي يجب ان تقترن بمعايير الحد الادنى المقبولة لتطبيقها.

ثالثاً: تحديد سقف للإنفاق الانتخابي في بلد يعتبر فيه الانفاق الانتخابي امتداداً للإنفاق السياسي. وقد وضع سقف عال جداً في القانون الراهن (السقف الثابت) وفي قرارات هيئة الاشراف (السقف المتحرك). كما أباح القانون الرشاوي الانتخابية في المادة 59 عندما أقرّ بأن المساعدات التي جرت العادة على انفاقها لمدة تتجاوز الثلاث سنوات لا تعتبر رشوى انتخابية.

رابعاً: لا بد من وضع ضوابط للإعلام بحيث ان الإعلام في لبنان مملوك من قبل الجهات السياسية المعنية بالانتخابات مباشرة ومعظمه يقوم على أساس مذهبي.

خامساً: تعزيز سريّة الاقتراع من خلال تدابير تتخذ، منها اعتماد القسيمة المطبوعة سلفا، وتحديد مراكز الاقتراع بما يضمن حصانة الناخب أي مثلا الاقتراع مكان السكن الفعلي وليس مكان القيد، وكذلك الامر بالنسبة الى مراكز الفرز.

سادساً: الكوتا النسائية وهي مسألة اساسية لتحرير المرأة من التبعية في ظل هيمنة الثقافة الذكورية في المجتمع وتعزيز مشاركتها الساسية كحق للمرأة وكحاجة للمجتمع ككل.
سابعاً: خفض سن الاقتراع ليتساوى سن الرشد القانوني بسن الرشد السياسي وهو 18 عاماً للانتخاب و22 عاماً للترشح.
ثامناً: تسهيل اقتراع الاشخاص ذوي الاعاقة واتخاذ كافة التدابير لتسهيل مشاركة 10% من اللبنانيين بكرامة.
تاسعاً: اقتراع غير المقيمين اي المهاجرين حاملي الجنسية اللبنانية.

حلقة نقاش مجلة شؤون جنوبية
ما هي الضغوط التي يتعرض لها الناخب

في العودة الى السؤال الثاني حول الضغوط التي يتعرض لها الناخب، فهي تنقسم الى قسمين، الجانب السياسي والجانب القانوني.

في الجانب السياسي هناك ثلاث نقاط، أولا طبيعة النظام السياسي الذي يعزّز الولاءات للزعيم الطائفي او السياسي او المناطقي وهذه الولاءات تعزز الاستبداد والتسلط من خلال ادوات يتيحها النظام الزبائني والمحاصصة وثانيا ممارسة السلطة والقوة خارج اطار مؤسسات الدولة يعزز من الاستبداد ويؤثر على خيارات الناخبين فمناطق النفوذ وما اصطلح على تسميتها بالمربعات الامنية حيث سلطة قوى الامر الواقع تفوق سلطة الدولة ومؤسساتها بما في ذلك مؤسساتها الامنية وثالثا استخدام المال السياسي من خلال الخدمات والمساعدات والرشاوي وايضا بما يتيحها نظام المحاصصة المذهبية والزبائنية.

هذه العوامل الثلاثة تحد كثيراً من ديمقراطية الانتخابات الى حد إلغائها بالكامل، بمعزل عن أي قانون يقرّ أكان نسبيا أم أكثريا أم مختلطاً.

أما في الجانب القانوني والاجرائي، أولا، أن الترشيح حسب القانون يتم على اساس فردي ولكن الحملات الانتخابية وعملية الاقتراع تتمّان على أساس القوائم، وهذا يعني بأن الترشيح الفردي لا يكتمل إلا عندما ينضم المرشح الى احدى اللوائح. فبحسب القانون، على الناخب أن يختار مرشحيه من لائحة المرشحين في الدائرة في حين بات الناخب يشطب من لا يريده من المرشحين من القائمة التي تعطى له من قبل المرشحين انفسهم. وهو تماما ما يعتمد في القسائم المطبوعة سلفا. وهذا يعزز قدرة “المحادل” على الاكتساح ويعيق وصول المرشحين المستقلين.

وقد واجهت هيئة الاشراف المنوط بها مراقبة الإنفاق والاعلام صعوبات في تحديد المسؤوليات في الخروقات التي سجلت على هذين الصعيدين، كما ان المجلس الدستوري لم يتمكن من النظر بالطعون التي قدمت نتيجة هذه الاشكالية.

ثانياً، سرية الاقتراع غير مؤمَّنة في القانون، فغياب القسائم المطبوعة سلفا غير معتمدة بالاضافة الى تحديد مراكز الاقتراع والفرز في القلم تحد من السريَّة الضرورية لكي يتمكن المواطن من الاختيار بحرية.

ثالثاً، سقف الانفاق المرتفع يفسح في المجال إمام إنفاق سياسي وإنفاق انتخابي علما ان كشف الرشاوى يوم الاقتراع مسألة صعبة جداً، علما بان السقف المعتمد في القانون هو اساسا مرتفع جداً.

ما هي الإصلاحات المطلوبة الآن

لذلك، فالاصلاحات الضرورية والمطلوبة حاليا هي، اولا النظر في صلاحيات هيئة الاشراف لجهة القدرة على التدخل من أجل إيقاف المخالفات لوقف الضرر الحاصل ومن ثم على الهيئة ان تضع سقفا متدنيا للإنفاق المتحرك (الذي يحتسب على اساس عدد الناخبين في الدائرة) وكذلك بالنسبة الى المعايير لضبط إداء الإعلام والإعلان والدعاية.
ثانيا اتخاذ كافة التدابير لضمان سرية الاقتراع اي اعتماد البطاقات المطبوعة سلفا ومن ثم اعتماد الاقتراع مكان السكن وليس مكان القيد وبالتالي اعادة النظر في توزيع الناخبين على اقلام الاقتراع ومن ثم في مواقع وآليات الفرز.
ثالثا اتخاذ كافة التدابير من اجل توفير فرصة للمشاركة الكريمة للأشخاص ذوي الاعاقة وسائر ذوي الاحتياجات الإضافية.

اقرأ أيضاً: التعديلات المطلوبة في قانون الانتخاب الحالي

وأخيراً، لا يمكن تحقيق هذه المطالب من دون تكثيف الضغط الجماهيري على صناع القرار (ليسوا بالضرورة في البرلمان او في الحكومة)، والتحرك الناجح هو التحرك الذي يضع أهدافا واضحة وقابلة للتحقيق، لذلك على المجتمع المدني ان يعتمد استراتيجية للضغط ويحدد مطالبه الآنية وعدم التخلي عن الاهداف البعيدة الأمد. يجب أن تجري الانتخابات في موعدها ووفق أفضل الآليات الممكنة.

السابق
الدين بين المحبة والكراهية
التالي
هيثم منّاع يشرح في كتابه عن «الأوجالانيّة… البناء الإيديولوجي والممارسة»