معوقات مشاركة النساء في الحياة السياسية

تحت عنوان ” قانون الانتخاب: أي تعديلات واجبة”، عقدت مجلة شؤون جنوبية وتجمع لبنان المدني في فندق كراون بلازا –الحمرا، ندوة تحدثت فيها المحامية والناشطة الحقوقية منار زعيتر حول واقع العملية الانتخابية”، تناولت فيها مسألة "الكوتا" النسائية تحديدا. وهذا ما جاء في كلمتها:

بداية وقبل الخوض بما يتعلق بالنساء أعتقد أنه من المفيد الـتأكيد على مشكلات بنيوية في جوهر العملية الإنتخابية في لبنان التي عبرت، وفي محطات عدة عن عقم في النظام السياسي وفي مفهوم العمل السياسي وهو أدى وسيؤدي إلى إعادة تشكل نفس النخب السياسية.

اقرأ أيضاً: التعديلات المطلوبة في قانون الانتخاب الحالي

حيث عجزت المحطات الإنتخابية المتعددة الوطنية والمحلية عن تحقيق الهدف المنشود منها: أن تحقق الديمقراطية، وتعيد تشكل النخب، وأن تبين أحزاباً وبرامج سياسية، وتؤمّن المساءلة تبرز دوراً للشباب والنساء، تحقق عدالة في التمثيل، وتعيد إنتاج السلطة، وتعطي حقوقاً وحريات أفضل للشعب، وتدفع إلى مشاركة الشعب في القرار… سأعرض لواقع مشاركة النساء في الحياة العامة وأبرز التحديات أمامهن بشكل عام.

وضع المرأة العام
مع تنامي الحركات النسائية والحقوقية عبر العالم وفي المنطقة العربية خصوصاً، أصبحت المطالبة ملحة بتفعيل دور النساء في المجتمع وبتشريكهن في المسارات الديمقراطية والتنموية. فكل الدراسات والبرامج الدولية والتقارير الصادرة حول التنمية في الدول العربية تفيد أن التنمية لا يمكن ان تتحقق في غياب الديمقراطية وفي غياب مشاركة النساء. كما تبين الدراسات أن الديمقراطية لا يمكن أن تتطور إلا بتدعيم حقوق المواطنة واكتساح الفضاء العام من قبل المواطنين، ولا تكون الانتخابات ديمقراطية إلا متى مكنت الأحزاب السياسية النساء من الترشح بصورة جدية. إلا انه، ورغم كل هذه المجهودات الدولية، فإن تحقيق المساواة والوصول المتساوي للنساء إلى مراكز القرار ظل نظرياً. ولم نلحظ تزايدا في أعداد النساء في المناصب التمثيلية المختلفة. إضافة إلى أن المؤسسات السياسية والأحزاب السياسية والنقابات ما تزال تفتقر إلى القدرة على التعبير عن مصالح النساء ومعالجتها في السياسة العامة.
وحتى في مرحلة ما بعد الصراع أو الاحتجاجات والثورات على الرغم من مشاركة النساء الحقيقية في هذه المسارات فهن لم يصلن إلى مواقع القرار في المؤسسات الديمقراطية التي أنشئت لتحقيق الانتقال الديمقراطي إلا بصفة محتشمة.
الآن نجد على المستوى الدولي أن 21،9 %من البرلمانيين نساء و10 نساء على رأس الدول و15 على رأس الحكومات. وتبقى رواندا أكثر دولة فيها تواجد نسائي في البرلمان بنسبة 63،3% في الوقت الذي لا تزال فيه الدول العربية في أسفل المرتبات رغم اعتماد الكوتا او التناصف في بعض الدول مثل تونس والمغرب والجزائر والأردن حيث لا تمثل النساء إلا 16% من البرلمانيين.
على مستوى الأحزاب السياسية، تفيد الدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية، إن النساء لا تحتل إلا 10% من المناصب القيادية داخل الأحزاب السياسية على الرغم من أنها منخرطة فيها بنسبة تتراوح بين 40 و50%. وتكاد النساء أن تكون غائبة من المراكز القيادية العليا في الأحزاب السياسية في الدول العربية، وغالباً لا يفوق عددهن الواحدة فقط وتكون مكلفة بشؤون النساء والعائلة. و هذا ما نجده في أغلب الأحزاب السياسية في الدول العربية سواء أكانت في المعارضة أو في السلطة. ومهما كانت السياسة المتبعة تجاه القضايا النسائية وحتى ولو كانت ترى النهوض بأوضاع النساء من أهم القضايا التي يجب تبنيها و الدفاع عنها.
في لبنان، الواقع مشابه للواقع العربي على مستوى البرلمان والحكومة والأحزاب والسلطات المحلية. إن الاهتمام بموضوع المشاركة السياسية للنساء ليس جديدا ، وهو امر يلتزم به لبنان بفعل مصادقته على عديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية ، إضافة للقرارات الدولية الصادرة عن المؤتمرات الدولية.

التحديات التي تواجه المرأة
إن التحديات أمام المرأة متعددة وأبرزها:
أولاً: أن تحقيق المشاركة الحقيقية يبقى صعباً إذ أن المجتمع لا يتقبل بسهولة انخراط النساء في العمل السياسي لعدة أسباب وخصوصاً ما يتصل منها بالعوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية.
ثانياً: إن ضعف آليات الديمقراطية وضعف الثقافة السياسية والثقافة المدنية وعدم تكريس مبادئ الديمقراطية التعددية، يؤدي بصورة مجتمعة إلى عدم اهتمام النساء بالشأن السياسي والمدني وعزوفهن عن العمل السياسي. إضافة إلى كون التوزيع التقليدي للأدوار بين النساء والرجال لا يزال ساريا في مجتمعاتنا، والنظام الأبوي لا يزال قائما. كل هذه الأسباب، أدت وما تزال، إلى هيمنة الرجال ودونية أوضاع النساء وتغلغل كل مظاهر التمييز المسلط على النساء. وأبعدت النساء عن مواقع القرار وعن المناصب القيادية وأقصتهن من الفضاء العام والسياسي.
ثالثاً: إن التمسك بالمعتقدات الدينية والتقاليد التي طبعت القوانين التمييزية والممارسات اليومية أعطت نوعاً من القدسية إلى التمييز ضد النساء، جعلت من الصعب تنقيح هذه التشريعات المختلفة من دون التخلي عن الموروث الثقافي والمعتقدات التي تعرقل تمتع النساء بحقوقهن كافة خصوصاً مع تنامي التيارات الدينية المتشددة.
رابعاً: تحدي التمكين والانخراط في عمل مجد اقتصادياً. فأيا كانت الحجج فلا يمكن للمرأة أن تتمتع بالحقوق الانسانية كاملة اذا بقيت مرتبطة ارتباطا وثيقا بسواها لإعالتها.
خامساً: تحدي الانخراط المؤسساتي في الآليات السياسية. فعبثا نحاول فرض الكوتا بمختلف صيغها، على الأنظمة السياسية وفي قوانين الانتخاب.
سادساً: تحدي إعادة إنتاج ثقافة مدنية ديمقراطية ونعني بها ثقافة القانون، ثقافة الحريات، ثقافة الممارسة السياسية الديمقراطية من خلال الإنتخابات.
سابعاً: تحدٍ أمام الأحزاب السياسية، وهو إلتزامها بتمكين النساء وبناء وعيهن السياسي بعيداً عن الأدوار النمطية. والإلتزام بادماج قضايا المرأة في الاجندات السياسية كجزء من رؤية كل فريق عندها يتحول المشهد السياسي الى مشهد تنافس سياسي على نصرة المرأة ونصرة قضاياها.
ثامناً: تحدٍ أمام النساء انفسهن لكسر عوائق الخوف وضعف الثقة والإنخراط في الحياة العامة.
تاسعاً: تحدي الدولة القوية التي تلتزم إلغاء كل اشكال التمييز والعنف ضد النساء من خلال قوانين وسياسات واستراتيجيات حقيقية.
عاشراً: تحدي معرفة مختلف الفاعلين لأدوارهم الحقيقية مما سينعكس على أدائهم تجاه قضايا النساء: البرلمان ودوره في التشريع والرقابة على إداء الحكومة في رسم الإستراتيجيات ووضع خطط العمل. الأحزاب في بناء الوعي السياسي. البلديات في التنمية، الجامعة والمدرسة في إعداد مواطنون لا رعايا…

الموقف من الكوتا النسائية
بما يتعلق بالكوتا، تبقى جدلية القضية، بين المعارضة والتأييد، فمن وجهة نظر االمعارضين قد يمثل نظام الكوتا إخلالاً جسيمًا بمبدأ المساواة بين المواطنيين كواحد من أهم المبادئ الدستورية، وهو يؤدي أي نظام الكوتا إلى الالغاء الجزئي لصوت الناخب وخياره في الإختيار، أيضاً قد تدفع الكوتا النسائية القطاعات الأخرى للمطالبة بحصة من مقاعد البرلمان مثل قطاع الشباب، المعلمين، التجار، الحرفيين المهمشين ما يفقد العملية الديمقراطية جوهرها ويحول العمل البرلماني إلى تمثيل فئات بدلاً عن تمثيل الأمة.
أما من وجهة نظر المؤيدين، فهو نظام يعد وسيلة للتغلب على فجوة التصويت بين الرجال والنساء كما يشكل أداة سريعة وفعالة للتعامل مع مشكلة التمثيل الناقص للنساء في البرلمان والحكومة. ويساهم في تعزيز وتفعيل دور المرأة في المجتمع بشكل عام والحياة النيابية (البرلمانية) بشكل خاص. ويساعد على إيجاد وإعداد كوادر نسائية متميزة في مجال العمل البرلماني. ويعمل على إزالة الحواجز بين الرجال والنساء إذ إن طبيق الكوتا لا يؤدي إلى التميز بين الرجل والمرأة بل يمنح المرأة جزءاً من حقوقها، فالمرأة تمارس الترشيح والتصويت دون تمييز .

حلقة نقاش مجلة شؤون جنوبية
ويعطي نظام الكوتا الفرصة للنساء المرشحات للتنافس في ظل ظروف متكافئة نسبياً على المقاعد المخصصة لها. وهو يشكل عمليا الخيار الوحيد لتحسين مستوى وصول النساء لمواقع صنع القرار على المدى القريب والمتوسط، وإن تطبيق الكوتا إنما يتم بصورة استثنائية ومؤقتة لتجاوز المعوقات التي تواجه مشاركة المرأة في الحياة العامة. أيّاً يكن الموقف من نظام الكوتا، لا بد من التأكيد على إنه حالياً: يشكل إحدى الآليات التي تساهم في تعزيز مشاركة النساء ولا يمكن لها أن تنفصل عن حزمة الإصلاحات الإنتخابية.
وأن الهدف منها تعزبز مشاركة النساء وحضورها، لذا لا يمكن لها أن تنفصل عن قضية بناء قيادات نسوية.
لذلك إن ابرز التوصيات من اجل تعزيز مشاركة النساء في الحياة العامة هي:
أ – لفائدة المنظمات العاملة في مجال تعزيز حقوق المرأة وحقوق الإنسان:
استمرار الحوار مع مختلف الفاعلين، تنفيذ أنشطة دعوة ومناصرة مشتركة على الصعيد المحلي الإقليمي، تدقيق التشريعات الموجودة والضغط لاستحداث التشريعات الجديدة، تجميع أفضل الممارسات، تعزيز الوعي بقضايا النوع الاجتماعي لدى النشطاء السياسين وعلى جميع الهياكل قاعدياً ومناطقياً ومركزياً، استثمار لجان المرأة في الأحزاب وتفعليها لتصبح هياكل مؤثرة لدعم منظور النوع الاجتماعي في صلب الفعل السياسي، تفعيل الهياكل النسائية الموجودة للضغط من أجل اقرار الكوتا، بناء كوادر سياسية نسائية على المستوى المحلي.
لفائدة الأحزاب السياسية: بلورة ميثاق شرف حزبي يمهد لحياة وبيئة حزبية تستجيب لحقوق النساء، وإعادة صياغة الأنظمة الداخلية للأحزاب بحيث تحدد آليات عملية وملزمة.
لفائدة الإعلام: تعبئة الإعلام العمومي من أجل لعب دوره في نشر ثقافة المساواة، ومحاربة الصور النمطية عن المرأة، بناء قدرات الإعلاميات والإعلاميين من خلال دورات تدريبية في ثقافة حقوق الإنسان.
إن هذه التوصيات لا يمكن أن تطبق على مستوى الواقع إلا بالتزام جميع الأطراف المتدخلة والفاعلة بمبادئ حقوق الإنسان وبإطار العمل الخاص بالاتفاقيات الدولية والمؤتمرات الأممية.

اقرأ أيضاً: قانون الانتخابات: أي تعديلات واجبة؟

ولعل في تأطير الأداء المؤسساتي بآليات الحكم الرشيد والمساءلة والشفافية ضمان لتحديد المسؤولية الاجتماعية لكل طرف في مسار تنمية المجتمعات ودمقرطتها. إن إنجاح المسارات الديمقراطية في بلداننا يظل رهين الثقافة المجتمعية الجديدة التي يقع حمل إرسائها على النساء بشكل أول، ورهين إرساء وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة بما يكرس مناخا أكثر ملاءمة لممارسة المرأة لحقوقها ولمشاركتها في الشأن العام من دون أي تمييز.
إن قضية تعزيز مشاركة النساء في الحياة العامة لا يمكن أن تنفصل عن كل فهم السياق السياسي وعن كل ازمة بناء الدولة والنظام، من هنا أهمية إنخراط النسويات في النضال الوطني لبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة تزامنا مع النضال من أجل المساواة. إذا لا مساواة خارج إطار الديمقراطية ولا ديمقراطية خارج إطار تحقيق المساواة.

السابق
على ترامب تطمين إسرائيل والدول العربية السنّية!
التالي
تعرفوا على الحبيب الجديد لأنجلينا جولي