الحياة الزوجية وأحلام الكتاب

هاني فحص

يفترض السيد (هـ) أن أولاده مخلوقات جميلة ليس إلا… وكأن الجمال وحده ليس مقاماً وجودياً وفاعلاً أساسياً، وإذا ما طالت أظافر أحد أولاده قليلاً، أو عضّ أحدهم إصبع الآخر، أو أكل أحدهم من الأرز أو البرغل أو العدس أو العنب زيادة على ما يراه هو (السيد) مناسباً… فإنه يفكر في أن يرميهم في البحر ويتفرغ لقراءة كتب لا يعرف أسماءها، وكتابة رواية شرع في كتابتها أكثر من مئة مرة، وفي كل مرة كان يكتب سطراً أو سطرين، ثم يكف ويأخذ في التفكير بتوفير أساليب فعالة ونظيفة للعيش وتحصيل المال، تمكنه من التفرغ لكتابة روايات عديدة… يطول بحثه ولا يهتدي إلى الوسيلة، فيحلو له أن ينظم مستسلماً، إلى جيوش الفقراء الموزعين على أغنى بلاد العالم وأفقرها، الاشتراكية منها والرأسمالية، ثم يلاحظ أن أولاده إياهم ينغصون عليه هذا الحلم الكسول، فيقرر مرة أخرى أن يرميهم في البحر… وينهض السيد «هـ» بعد أن يكون قد سوّد صفحتين (فولسكاب) بتوقيعه ذي الخطوط الهندسية، والذي ظل يتمرن عليه عشرين سنة، أملاً في أن يصبح هذا التوقيع ذا فعالية مصرفية… ينظر إلى أولاده وهم نيام، يتصورهم مخلوقات جميلة، وغير مؤذية ولا يجوز أذيتها، ويقرر أن يحبهم وأن يصحو باكراً ليقبل كلاً منهم خلسة عن الآخر.

اقرأ أيضاً: الحرب والحرية وأحلام العصافير

مونولوغ في ركن متوسط الإضاءة
– سيد «إكس» ما هي أفضل الأوقات لديك؟
– الأوقات التي أتعرض فيها لإزعاج من زوجتي ينقذني من التفكير في أمور لا طائل من ورائها.
– سيد «إكس» هل تحب زوجتك؟
– بعد أمي.. قبلها، بعدها؟ لا أدري… وعلى كل حال فإني أفكر كثيراً في الإقلاع عن ذلك، وعندما يستبد بي الجوع ظهراً، أو الغربة أو الخوف أو الوحشة… أعود عن قراري.

الزواج
ملاحظة: السيد «اكس» يشبه السيد «هـ» في اتخاذ القرارات السريعة والرجوع عنها بسرعة أكثر… ويقول: هذه جدلية ومصدر حيوية لأن الثبات هو تشييء للإرادة، ولا ألبث أن أعود عن قراري عندما تدور المعركة بين زوجتي- يقول «إكس» وابنتها البكر على جمع الغسيل وطيه، فيحرمني ذلك نومة القيلولة، فأدير قرص المذياع على إذاعة عربية، أسمع نبأ اغتيال أو انقلاب أبيض القشرة أحمر اللب أو ثورة حمراء القشرة بيضاء اللب كالفجل، فأنهض عارضاً على زوجتي التطوع بمساعدتها في جمع الغسيل وطيه عربوناً على الطاعة. تصرخ في وجهي متهمة إياي بتمييع الموقف، أطلق ضحكة مجلجلة وأقول: وصلنا لقد أصبحت تتكلمين مثل الثوريين العرب… تضحك بدورها لهذا الإطراء الملغوم وتسمح لي بجمع الغسيل وطيه.
وأنهمك أنا في جمع الغسيل وطيه.. وتشرع هي تحدثني عن آلامها الجسدية الكثيرة، عبثاً أحاول أن أقنعها بأن المسؤول عن آلامها الجسدية وآلامي الروحية، هو حركة التحرر العربية… وتعيدعليّ صورة الحلم الذي يراودها في أن تصبح جدة، وحينئذ سوف تعلمني وتعلم أمي وأمها كيف تكون الجدات؟ أنظر إليها بغبطة مشوبة بالحسد وأراها صالحة لأن تكون حاكماً لكل دول شرق وغرب آسيا وشرق البحر المتوسط والدول العربية من المحيط إلى الخليج. لا أقول لها ذلك خوفاً من أن يؤثر على موقعي في معادلة المنزل… وعلى نضالي من أجل تحرير فلسطين والأندلس إذا اقتضى الأمر… وأعيد النظر في جدوى الكتابة الروائية، وتبدو لي الرواية التي لم أكتبها مشروع اعتداء وارتكاب على الواقع والحقيقة والجمال.
– سيد «إكس» هل تحبك زوجتك؟
– سبحان الله…
– سيد «إكس»… هل تحلم؟
– أحلم في النوم بالطيران فوق البلاد ورؤوس العباد لأحط على شجرة الزيتون أمام دارنا في قريتي اللبنانية وفي اليقظة… كوابيس.
– سيد «إكس» ما هي أمنياتك للعام الجديد؟

اقرأ أيضاً: الأمهات والحرب

– أن يقف الحكام العرب وقادة الأحزاب التقدمية صفاً منحنياً (كالعرجون) على مقدمة المسرح التراجيكوميدي في الصومال ويحيوا الجمهور بانحناءة إلى الأمام معلنين نهاية السهرة وهم يغنون معاً (كورال) «حبي علينا بس حبي مثلنا» «تكتك حجلكم جاوبوا عصفورنا»… وأتمنى أن يصبح الشعراء العرب رؤساء دولهم، لأن أمزجتهم المتقلبة وسرعة مللهم تجنبنا الملل من بقائهم في الحكم حتى أرذل العمر أو تحقيق الأمنية بالمنية.
هناك ظن لدى البعض بأن السيد «إكس» هو عينه السيد «هـ» وهناك من يؤكد أنهما اثنان وربما كانا توأمين والله أعلم.

(من كتاب في وصف الحب والحرب)

السابق
فضيحة فساد جديدة في بلدية بيروت: مستشفى الحرش الميداني
التالي
إسرائيل تضع «غزال الجبل الفلسطيني» على عملتها الجديدة