التوافق = قانون محاصصة يعيد إنتاج السلطة

اعادة انتاج السلطة الحاكمة نفسها، هي الغاية التي تسعى اليها كل القوى الممثلة في الحكومة اليوم، في سياق البحث عن صيغة توافقية لقانون الانتخاب.

كل ما يقال، عن الاصلاح وما الى ذلك من اناشيد الوطنية ورفض الطائفية الطالعة من افواه الغارقين في اللعبة المذهبية والطائفية والمستثمرين فيها الى حدّ القدرة على ادعاء أنهم ضدها، هو كحال احد الوزراء الذي يغرّد بوقاحة لا يجاريه فيها احد ان اعتماد النظام النسبي كفيل بوقف الفساد، وكأنه يريد ان بيرر الفساد بالطائفية وليس بقلة الاخلاق وسرقة المتنفذين للمال العام، وعدم محاسبة المتورطين في الفساد بذريعة الطائفية، فيما الزبائنية والاستزلام صارا ديدن السلطة.

ليس من متوهم في الجدل الدائر حول قانون الانتخاب أنّ غايته تحقيق الديمقراطية والتمثيل الصحيح، او تأمين شروط حرية الناخب او الترشح أو المساواة بين المواطنين في كل ما يتعلق بالقانون الانتخابي، الذي تكاد تُختزل كل بنوده اليوم ببند من عشرات، وهو النظام الانتخابي، أي النسبي او الأكثري او المختلط. طبيعة السجال الانتخابي اليوم داخل الحكومة يدور حول كيفية ارضاء القوى داخل السلطة، في مقابل تفادي النقاش بالمحرمات التي تنتهك الشروط البديهية حول اي انتخابات سواء كانت بلدية او نيابية او نقابية.

إقرا ايضًا: القانون الانتخابي يطبخ مختلطا… غبّ الطلب!

غياب المساواة بين الناخبين وغيابها بين المرشحين هما الطريق المؤدي الى انتخابات مطعون بديمقراطيتها. اذ لا يمكن لمن يملك السلاح ويستخدم سطوته وكل ما يتعلق بنفوذ هذا السلاح في معركة انتخابية ضد منافس أعزل من هذه العناصر، ان يكون منافسا شريفاً، ولا حتى مرشحا مقبولا من الناحية القانونية والدستورية، فكيف اذا اضفنا الى هذه العناصر انحياز السلطات الرسمية لاصحاب سطوة السلاح كما يعرف اي مواطن موجود في لبنان.

لسان حال صاحب السلطة الفعلية في لبنان: انشغلوا بحصص طوائفكم واحزابكم واتركوا القانون والدستور جانبا، بل احسنوا استخدامه بما يفيد تقاسم الحصص فيما بينكم، لكن اياكم ان تنشغلوا بأمور هي من شؤون الكبار وانتم أصغر من ان تلوكها ألسنتكم. نصيحة تستجيب لها بقية اطراف السلطة في لبنان، الذين اتفقوا على ان المطلوب اعادة توزيع الحصص بين اطراف اللعبة ورمي الفتات لمن هم خارج هذا النادي ممن يطمحون الى دخوله. ليس حال قانون الانتخاب افضل من محاصصة النفط.بل لا شك ان هناك شركاء اساسيين وهناك شركاء درجة ثانية، والانتخابات النيابية ليست اكثر من استحقاق تغيب عنه السياسة وتتركز في جوهرها نزعة المحاصصة التي بات اصحابها غير مهتمين حتى بوضع ابعاد سياسية او اصلاحية او ما شابه من قضايا عادة ما تكون عنوان أي معركة انتخابية.

النظام المختلط  بين النسبي والاكثري هو ما خلصت اليه هذه القوى حتى اليوم، لكن بعقلية المحاصصة وخدعة التوافق التي باتت تحمل كل معاني مصادرة حقوق الناس وتجاوز القانون وانتهاك الدستور. فتّش خلف كلمة “توافق” التي تستخدم اليوم، فلن تجد الا ما هو انتهاك للقانون وللحقوق العامة وستجد وراء بعضها انتهاكا للدستور. فالتوافق حول الحكومة مثلا هو ان تصير الحكومة ممثلة للكتل البرلمانية فتصير الحكومة سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة رقابة على نفسها. قانون النفط يحتاج الى توافق ولا معنى لهذا التوافق غير تقاسم حصص النفط، وقس على ذلك في معظم صفقات الفساد الكبرى التي لا تتم الا بحماية التوافق، قناع المحاصصة.

إقرأ ايضًا: النائب ياسين جابر لـ«جنوبية»: سنُقرّ المختلط.. والإنتخابات مؤجلة ثلاثة أشهر

وتجدر الاشارة الى اولئك الذين يدّعون ان قانون الانتخاب العادل هو المدخل الفعلي لاعادة بناء السلطة والنظام، ويضيف هؤلاء ان مقتضى العدالة هو تطبيق النظام النسبي، هم بذلك يطلقون قنابل دخانية للتغطية على ما ينتهك العملية الديمقراطية فعليّا. فلا النسبي ولا الاكثري يعني المواطن الناخب او المرشح، بل ان هذين النظامين والمختلط معهما يعنيان فقط اطراف السلطة وفي سبيل هدف تنظيم القسمة او بتعبير أدق “المحاصصة” بينهم. لاسيما ان اطراف السلطة متفقون فيما بينهم على استخدام وسائل الضغط غير المشروع على الناخب، وهذا الضغط يكون بالسلاح او بالمال او بالتعبئة المذهبية والطائفية، هو ما يجب ان يزال عبر قانون حازم للانتخابات قبل البحث بالنظام النسبي او الاكثري او المختلط.

السابق
فيصل القاسم يؤكد مرض الطاغية.. فهل يتصدر المشهد السوري ماهر الأسد؟!
التالي
ترامب يتصل بالملك سلمان: مناطق آمنة في سوريا واليمن