التعديلات المطلوبة في قانون الانتخاب الحالي

المحامي جورج بارود في الوسط
في ندوة شؤون جنوبية والتي نظمت منتصف الشهر الأخير من العام الفائت 2016، تحت اسم "قانون الانتخاب أي تعديلات واجبة" تحدث المحامي جورج بارود حول الشوائب التي تعتري قانون انتخاب الستين الحالي.

إن قانون الانتخابات النيابية المعمول به حاليًا هو القانون رقم 25 الذي ألغى القانون رقم 171 تاريخ 6/1/2000 وقد عدلت فيه المواد 5 و20 و37 و56 و 70 و 80 و96 بموجب القانون رقم 59 تاريخ 27/12/2008.

اقرأ أيضاً: قانون الانتخابات: أي تعديلات واجبة؟

علام ينص هذا قانون الانتخاب الحالي وما هي الشوائب التي تعتريه؟

في مادته الاولى ينص هذا القانون على أن الانتخابات تجري على أساس النظام الاكثري.
ومعلوم دستوريًا أن النظام الاكثري لا يؤمن سوى الحد الادنى من صحة التمثيل. لانه يعتمد وصول الاكثرية النسبية من عدد الناخبين.
وبرأينا المتواضع، إن النظام الاكثري يؤمن حكم الاقلية وطغيانها على الاكثرية.
لان من يلبي من الناخبين واجبه الانتخابي لا يتعدون نصف العدد الوارد على لوائح الشطب، أو أكثر بقليل من النصف. هذا في أفضل الدوائر الانتخابية.
فإذا كان عدد الناخبين مثلاً في دائرة معيّنة عشرة الآف ناخب، ولبى منهم ستة الآف، فمن ينال الاكثرية يفوز. ما يعني أن المرشح الذي ينال “ألفين” صوت من اللائحة يفوز مع اعتماد التشطيب طبعًا، في حين أن من ينال ألفاً وتسعماية وتسعة وتسعين صوتًا وما دون من إحدى اللوائح يسقط في الانتخابات، ما يعني أن من يفوز يمثل خمس الناخبين.
ولان عدد الناخبين لا يتعدى ثلث عدد السكان، بعد الاخذ بعين الاعتبار سن الاقتراع والمحرومين من حق الاقتراع لسبب قانوني (كالمحرومين من حقوقهم المدنية) أو الممنوع عليهم الاشتراك في هذا الحق (كالعسكريين من رجال الجيش وقوى الامن والامن العام وأمن الدولة والضابطة الجمركية…)

ما يعني أن من يوصله النظام الاكثري إلى المجلس النيابي لا يمثل في أحسن الاحوال سوى 1/3 الخمس من عدد المواطنين.

فإذا كان عدد اللبنانيين أربعة ملايين نسمة مثلاً، فالنائب لا يمثل منهم سوى 266000 مواطن.

والباقون يبقون جميعهم دون تمثيل.

في حين أنه لو اعتمد النظام النسبي يتمثل القسم الآخر من المقترعين.

بالطبع، ليس تطبيق النظام النسبي هو التطبيق الامثل، لان قسمًا لا بأس به حتى مع اعتماد هذا النوع من الانظمة يبقى دون تمثيل.

لان فئة كبيرة من المواطنين تبقى محرومة من حق الاقتراع، ومن أجل الوصول إلى النظام الامثل لا بد إلى جانب اعتماده، من تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عامًا بدلاً من 21، ومن السماح للممنوعين من الاقتراع لسبب وظيفي من الافادة من هذا الحق. ومن تأمين حق الاقتراع للمواطنين الذين يقيمون خارج الوطن لسبب مهني أو اجتماعي من ممارسة حقهم عن طريق البعثات الدبلوماسية من سفارات وقنصليات.

فتتأمن بذلك صحة التمثيل إلى أبعد حدّ.

كيف يتأمن التمثيل النسبي؟

إن النظام النسبي يُعتمد في البلدان التي تسودها الحياة الحزبية. فتُشكل اللوائح المغلقة مع اعتماد التسلسل في أسماء المرشحين.

فالانتخاب يتم للائحة المغلقة دون التشطيب، وتفوز اللائحة بعدد من المرشحين وفقًا للنسبة التي نالتها من الاصوات ويفوز منها ممن ينال العدد الاكبر من الاصوات حسب التسلسل الوارد فيها.

فإذا كانت اللائحة مؤلفة من ستة مرشحين وأخذت ثلثي عدد المقترعين تنال هذه الحالة ثلثي عدد المرشحين أي أربعة مقاعد. وتنال اللائحة الاخرى التي نالت ثلث عدد المقترعين مقعدين.

ومع النظام الطائفي المعتمد في لبنان وغياب الحياة الحزبية تتعقد الامور أكثر في تشكيل اللوائح، لان جميع المرشحين سيسعون ليكونوا في عداد الاسماء الاولى من اللوائح كي يتسنى لهم الحظ بالوصول وهذه إحدى شوائب النظام النسبي حيث لا يُعتمد النظام الحزبي.

المحامي جورج بارود
المحامي جورج بارود

النظام النسبي مع الصوت التفضيلي

وهذا النظام يعتمد طريقة الاقتراع النسبي المشار إليها، مع حق الناخب في اختيار مرشح مفضل لديه في اللائحة أيًا كان موقع هذا المرشح من التسلسل الوارد فيها.

فيكون لهذا المرشح أفضلية في الفوز على سائر زملائه المرشحين في اللائحة عند احتساب الاصوات التي نالتها.

نظام الدائرة الموحدة: مع لكل ناخب صوت واحد “One man one vote”

ويعني هذا النظام أن كل مواطن يستطيع أن ينتخب مرشحًا واحدًا. وفي هذه الحالة، من الافضل أن يُعتمد الوطن دائرة انتخابية واحدة ينتخب فيها كل ناخب مرشح يختاره.

ولا مانع من أن تحصل الانتخابات في أيام مختلفة وفق المحافظات أو دوائر معيّنة شرط احترام هذه الطريقة في الاقتراع. كما أنه من الممكن مرحليًا احترام التمثيل الطائفي بحيث تعتمد المناصفة في المجلس النيابي. وهذه الطريقة تمهد الطريق لألغاء الطائفية مرحليًا والولوج إلى الدولة المدنية والعلمانية على المدى الاطول.

الكوتا النسائية

وتعني أن يعتمد القانون نسبة معينة تخصص للنساء في المجلس النيابي كالربع أو الثلث مثلاً.

بما يعني أن كل لائحة لا بد من أن تحتوي على هذه النسبة المعتمدة من النساء كحد أدنى. على أن تعتمد هذه النسبة عند الفرز فينجح العدد المطلوب من النساء أسوة باعتماد التمثيل الطائفي في الدوائر المختلطة.

لكنني شخصيًا لا أميل إلى هذه الكوتا لانني اعتبر انها تُحد من طموح المرأة. فما الذي يمنع من أن تكون أكثرية اللائحة مشكلة من النساء. ولكن مرحليًا وفي ظل استبعاد المرأة عن الحياة السياسية فلا بأس من اعتمادها ولكن بصورة مؤقتة.

طريقة الاقتراع، صحة الفرز والضوابط والدعاية الانتخابية

إن وسائل الترشيح إلى الانتخابات النيابية معروفة. فإلى جانب النموذج الذي يتضمن استدعاء الترشيح الموقع من المرشح والذي يتضمن بيانات حددتها المادة 47 من القانون، لا بد من التوقف عند الشهادة المصرفية المتعلقة بحساب الحملة الانتخابية.

ألف: الانفاق الانتخابي

إن مسألة الانفاق الانتخابي والتمويل هي علة العلل، لأنه نادرًا جدًا ما يتقيد المرشحون بهذا الموجب.

مع أن القانون يفرض رفع السرية المصرفية عن الحساب المتعلق بالحملة الانتخابية والمفتوح لهذه الغاية من قبل كل مرشح.

فالمسألة لا تتعلق فقط بالانفاق المباشر وبدفع الرشاوى وشراء الاصوات بصورة مباشرة، الامور التي لا تزال تحصل وإنما بخفر، وإنما تتعداها إلى المساهمات، والمدفوعات غير المباشرة والتبرعات لجمعيات وأندية ومشاريع… بحيث تتعدى هذه المساهمات الكثير الكثير من مجموع النفقات الانتخابية المباشرة. وهذا ما يجب ان يتوقف عنده المجلس الدستوري أثناء دراسته لكل طعن يٌقدم أمامه.

باء: الاعلام والاعلان الانتخابي

نظمت المادة 63 من القانون هذه المسألة.

إلا أن تجاوزات كثيرة لا تزال تُسجل في كل مرحلة انتخابية بحجة الحرية الاعلامية، والبرامج السياسية خصوصاً في المرئي والمسموع وتخصيصًا في البرامج التلفزيونية. فالإعلام والإعلان يندرجان في خانة الدعاية الاعلامية التي تروّج لمرشح معيّن.

فلا بد من وضع حدّ لهذه المخالفات، وعلى المجلس الدستوري أن يعلن إبطال فوز أي مرشح توسل هذه الغاية أثناء حملته الانتخابية بما له من سلطة استنسابية، كما إنه للهيئة المشرفة على الانتخابات أن تتحقق من التزام المرشح بأحكام المادة 66 وما يليها من القانون.

الاقتراع، الفرز وإعلان النتائج

إن طريقة الاقتراع المعتمدة لا تزال كلاسيكية ومكلفة. فهناك طرق حديثة، سريعة وقليلة الكلفة لا بد من اعتمادها ومنها طريقة التصويت الالكتروني وقد بدأت النقابات تعتمد هذه الوسيلة. وترتكز على الاقتراع إلكترونيًا، باختيار اللائحة أو المرشح حسب النظام المعتمد (أكثري مع تشطيب، نسبي أو نسبي مع صوت تفضيلي، أو ناخب واحد لمرشح واحد…) على شاشة إلكترونية مودعة في غرفة سوداء.

وهذه الطريقة تمنع استخدام المفاتيح الانتخابية، والعلامات المميزة، بحيث يتعذر معرفة المرشح الذي اقترع له الناخب. وهذا ما يحد من الرشوة ومن شراء الأصوات. كما يؤمن السهولة في عملية الفرز التي تتم إلكترونيًا فور إقفال صناديق الاقتراع.

هذه العملية توفر على الخزينة الكثير من النفقات النثرية وأجور رؤساء الاقلام والمعاونين والصناديق ولجان الفرز الابتدائية والاستئنافية وتسرّع في إعلان النتائج.

تبقى مسألة مهمة يتجاهلها منظرو الاصلاحات الانتخابية والمطالبون بصحة التمثيل، وهي الشق الآخر من السؤال الذي طرحته في مستهل كلمتي والمتعلق بتشكيل السلطة المولجة وضع التشريعات وتأمين الرقابة.

من الأسهل بكثير كي تستقيم الامور وتستطيع السلطة العمل، أن يكون الفريق في السلطة التشريعية أو حتى التنفيذية متجانسًا.

وكلما اقتربت المجالس من الاختلاط بين موالٍ ومعارض، كلما ضعف الحكم ووهنت السلطة. لانه في ظل الاراء المتعددة والمتناقضة، والفيتويات والنسب المعطلة (من ثلث وربع وما شابه) يستحيل على السلطة التشريعية أن تشرع والسلطة التنفيذية أن تتخذ القرارات.

ففي البلدان التي يشبه نظامها النظام اللبناني ربما من الافضل اعتماد النظام الذي يعتمد الاكثرية والاقلية، والموالاة والمعارضة؛ أكثر من ذاك الذي يؤمن صحة التمثيل. والافضل هو اعتماد النظام الذي يجمع بينهما إن وُجد من يستطيع تأمينه.

في المحصلة، أيًا كان القانون الذي سيُعتمد في الانتخابات النيابية المقبلة، يبقى أفضل من التمديد للمجلس الحالي الذي قام بالتمديد لنفسه مرتين.

اقرأ أيضاً: ندوة «شؤون جنوبية».. مجدلاني: لوضع برامج مشتركة بين المؤسسات الحكومية والدولية من أجل سياسة صحية سليمة

لكن ما يظهر لمن يتابع مسار الحياة السياسية، أن تمديدًا تقنيًا للمجلس النيابي بات شبه محتم، في ظل الاعلان عن الرفض المطلق لقانون الستين معدلاً، وقد بتنا على مشارف الاشهر الستة التي تسبق تاريخ الانتخاب، والاعلان عن وجود عدم رغبة في فصل البت بقانون الانتخاب بمعزل عن تشكيل الحكومة.

مهما تكن الاسباب، ومهما يكن سبب التمديد، إن حصوله يعتبر مسًا بصحة التمثيل، وطعنًا في صميم الديمقراطية، ويبقى في شتى الاحوال عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري.

السابق
بيان استانة الختامي خيب آمال المعارضة فلوحت بعودة القتال
التالي
مؤتمر استانة يتسبب بالمعارك بين جبهة النصرة والجيش الحرّ