الإستعلاء الفارسيّ يتعاظم في زمن الحرب السورية

يؤكد الكاتب والصحفي حسن فحص الذي عاش في إيران فترة تربو على 13 عاما، ان العصبية الفارسية قد خفتت بُعيد انتصار الثورة في العام 1979.  ولو أفسح المجال للعنصريين الايرانيين لكانت استفحلت أكثر فأكثر.

جيران ولكن.. ثمة مسافات ضوئيّة بين الثقافتين رغم انهما من منبت ديني واحد وهو الإسلام. هذه هي العلاقة بين العرب والإيرانيين، علاقة متداخلة تلتقي مع بعضها بأمور وتفترق عن بعضها بأمور أخرى. وقد لعبت السياسة دورا هاما في التفرقة وخاصة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران في العام 1979. وللعداء هذا أسبابه التاريخية أولها معركة القادسية التي جرت بين العرب والفرس عام 15 للهجرة.

إقرأ ايضا: بلادُ الفرسِ أوطاني

هذه العلاقة المتوترة لم تنته رغم انتهاء الفتوحات، فالعرب والإيرانيون لا يزالون يعيشون في التاريخ، خاصة ان إيران تحوّلت من الصفوية الى التشيع مقابل غالبية العرب الذين يتبعون المذهب السنيّ. هذا الخلاف المذهبي أججّ الصراع ونقله معه من التاريخ الى العصر الحديث، واستمر مع سيطرة العثمانيين طيلة قرون على العالم الإسلامي من المحيط الى الخليج.

ومن ابرز الشخصيات الفارسية الفكرية التي يعتقد العرب أنها عربية هي: أبي حنيفة النعمان، وجمال الدين الافغاني، والفارابي، والغزالي، والرازي، وسيبويه، وأبي نواس، وابن المقفع، اضافة الى عدد كبير من اشهر المخترعين والادباء.

ومن ملاحظات العرب اللبنانيين الذين يزورون طهران بكثافة كل عام، بزيارات ذات طابع ديني مذهبي، يروُون، ويستفيضون بالرواية، حول تعاطي الايرانيين النافر معهم رغم القرب السياسي والمذهبي بين الطرفين.

فالتعالي و”الشوفينية” الفارسية تعود الى اعتبار الإيرانيين أنفسهم من ابناء العنصر الآري الذي يشترك فيه مع الألمان المتعالين ايضا، والشوفينيين الذي خرج من بينهم أدولف هتلر الزعيم النازي الكبير.

ويتهم الفرس العرب بأنهم شعب متخلّف، خاصة في عيشه ونمط حياته التي يراها الايراني عبارة عن جمل وخيمة صحراء قاحلة رغم وجود آبار النفط، ويرون أن كل عربي متعلم هو من أصل فارسي.

وقد اشتغل الزعماء السياسيون الفرس تاريخيا على تسعير الفرقة خاصة في زمن حكم محمد رضا بهلوي الذي عزز العنصرية الفارسية تجاه العرب.

وقد تعزز هذا العداء التاريخي نتيجة الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ثمانية سنوات رغم ان الامام الخميني تقرّب من العرب على عكس الشاه، حين جعل القضية الفلسطينية في سلم أولوياته.

واللافت ان العديد من الإيرانيين يعيشون في دول الخليج وابرزها دولة الأمارات ويتعاطون التبادل التجاري بشكل واسع وثمة عدد كبير من المجنّسين في الامارات من اصول إيرانية.

مع الاشارة الى ان إيران انتقلت إلى المذهب الجعفري في القرن السادس عشر، فقد مرّ  الشعور المذهبي بمرحلة من الخفوت خلال ستينيات  القرن الماضي بسبب انتشار الفكر الشيوعي الأممي في العالم، الا انه عاد وبرز مجددا في العقود الاخيرة مما أجج الصراع، فكلّ يتهم الآخر بما لا يليق بالطرفين كمسلمين.

فاليوم تقف ايران كزعيمة للشيعة في العالم ومعها شيعة العراق ولبنان والبحرين واليمن والكويت ومصر وباكستان وافغانستان، والذين لا يتعدون الـ300 مليون نسمة، والذين يطلقون على السنّة اسم “النواصب”، مقابل السعودية ومعها سنّة العالم العربي والعالم الاسلامي كله الذين يتعدون المليار والذين يطلقون على الشيعة اسم “الروافض”.

ويمكن تفسير الصراع بين السنة والشيعة على انه محاولة إيرانية للحفاظ على الشخصية الإيرانية المتميزة التي تأبى الذوبان في إطار ديني واسع يضعها على قدم المساواة مع من لاتزال تعتبرهم أقل منها حضارياً، أي العرب.

إقرأ أيضا: شيخوخة الإمبراطورية الفارسية وبداية الإفول

ورغم المشتركات الكثيرة بين العرب وايران في مجالات اقتصادية، وثقافية وتراثية وسياحية وحضارية، لم تتطور هذه العلاقات بين ايران ومحيطها، بل لاتزال ترتفع وتهبط بحسب الاجواء السياسية في المنطقة ككل. ومن غير الممكن انتظار أي تقدم في العلاقات الثنائية بسبب الحرب التي اشتعلت في سوريا منذ العام 2011، والتي اتخذت فيها إيران طرفا داعما لبشّار الأسد ونظامه الذي حاربه العرب والأنظمة العربية مجتمعة.

حسن فحص

وبحسب الإعلامي حسن فحص، الذي عاش في إيران لفترة طويلة في مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ما بين العام 1979 والعام 2008، ان”التعاطي معه كعربي وكلبناني كان ايجابيا جدا، حيث كان عقل الإيرانيين حينها عقلا ثوريا، وكانت الأممية الإسلامية لا تزال في عزّ صباها”.

ولكن “بعد الحرب العراقية- الإيرانية بدأ الشعور بالكراهية بالتنامي خاصة ان ايران وخاصة بعد ارتفاع نسبة التقديمات الماليّة لحزب الله وفي ظل الحصار العالمي لبلدهم والأزمة الماليّة التي عاشتها إيران بات كل العرب بالنسبة للايرانيين عبارة عن خيمة وجمل”.

“وخلال وجودي في ايران كان الشعار يتردد ضد غزة ولبنان، لأن النظام يساعد المقاومة في هذين البلدين. ولكن إعلاميا لا يبرز هذا العداء، فالأمور مضبوطة هناك. وغالبية الإيرانيين يروَن ان العرب عملاء كونهم مقصرّين تجاه فلسطين”.

“وثمة أدباء وشعراء ايرانيين عنصريين وهم مشهورون في إيران كالشاعر الراحل أحمد شاملو، الذي يُعتبر أدونيس العرب، علما انه صديق لأدونيس أيضا. اضافة الى الروائي الشهير صادق هدايت”.

مع الاشارة الى ان “السلطات الايرانية منذ اعلان الجمهورية الاسلامية، والتي تُعد 80 مليون نسمة تقريبا، تمنع أيّ منشور عنصري ضد العرب”.

و”العرب الإيرانيون في الأهواز، اضافة الى سنّة كل من بلوشستان وآذربيجان وسيستان، مهملون على صعيد التنمية، رغم غنى أراضيهم بآبار النفط التي لم تفتتح حتى اليوم بسبب وقوع هذه المناطق على الاطراف، اضافة الى ان أية تنمية قد تعيق تصدّر المركز للسياسة الإيرانية العامة”.

إقرأ أيضا: «شيعة رايتس ووتش» منظمة إعلامية مقرّها واشنطن

ويختم الاعلامي فحص بالقول “وقد وصل التمييز الى داخل ايران، اذ يشعر ابناء القومية العربية من الاهوازيين بالتمييز بينهم وبين أبناء قومية “اللو” الفارسية بشكل فاقع، وهم الذين يطالبون المساواة وبتطبيق القانون لا أكثر، وثمة حزب يُدعى (حزب التضامن العربي)، وهو حزب معارض يُنادي بتطبيق الدستور فيما يخص أبناء القومية العربية داخل إيران نفسها”.

السابق
«أورويل في الضاحية»: مدخّنو الأركيلة يقررون مصير البلاد
التالي
زها حديد عبقرية الهندسة المعمارية تركت ثروة طائلة