أميركا خسرت في سوريا وبوتين ربح!

سركيس نعوم

الاقتناع بأن الولايات المتحدة خسرت “الحرب” في سوريا يسود جهات أميركية عدة بعضها رسمي وبعضها سياسي وبعضها إعلامي وبعضها الأخير بحثي. فهي عملياً فشلت في تحقيق الهدف الذي أعلنه الرئيس المشارفة ولايته على الانتهاء باراك أوباما بعد “اندلاع” الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011 وهو إجبار رئيسها بشار الأسد على التخلّي عن السلطة. كما أنها أُقصيت أواخر العام الماضي 2016 عن النشاط الديبلوماسي الذي سبق معركة تحرير مدينة حلب من “داعش” ورافقها واستمر بعد نجاحها، والذي أثمر اتفاقاً لوقف إطلاق النار لا يزال صامداً رغم خروقات طفيفة ومتفرّقة له. ووُضعت في موقع حرج وصعب إذ انحصر دورها في الترحيب بوقف إطلاق نار سعت إليه طويلاً لكنها أخفقت في إنجازه لأسباب عدّة أبرزها روسيا فلاديمير بوتين. وقد عبّر عن ذلك نائب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية مارك تونر بقوله إن “الأخبار عن وقف النار في الحرب الأهلية السورية هي تطوّر إيجابي نأمل في أن يطبّق على نحو كامل وفي أن يحترمه الأطراف كلهم”. ثم أضاف: “أي جهد يوقف العنف وينقذ أرواحاً ويوفّر ظرفاً لمفاوضات سياسية مُنتجة جديدة هو موضع ترحيب أميركا”. لكن مسؤولاً أميركياً قال لباحث أميركي جدّي هو روبن رايت “إن الولايات المتحدة لا تشعر بالكثير من التفاؤل في صمود وقف النار رغم أن عدداً من الخطوات المقترحة للوصول إليه تبشّر بالنجاح”. طبعاً يشعر الأميركيون وحلفاءهم في العالم كما قسم مهم من أخصامهم أن ما خسرته أميركا في سوريا هو معركة، وأنها بامكاناتها الضخمة المتنوّعة بوصفها الدولة الأعظم والأقوى في العالم اليوم تتحمّل خسارة معركة أو معارك، لكنها تربح الحرب في النهاية. وقد يكون ذلك صحيحاً. لكن مضاعفات خسارتها المعركة الأخيرة في سوريا التي ظهرت في الداخل الأميركي، وتسبّبت في الانقسام الواقع شعبياً وسياسياً، وفي نتائج انتخابات رئاسية مفاجئة، وفي نوع من الحرب بين الرئيس المُنتخب والمجتمع الأمني الاستخباري ومع عدد لا بأس به من نواب حزبه وشيوخه في الكونغرس، لكن ذلك كلّه أثبت أن معركة سوريا التي لم تنته بعد كانت كبيرة وربما بحجم حرب وإن غير كبيرة.
إذا كانت أميركا خاسرة في الحرب السورية فمن هي الدول أو الجهات التي ربحتها؟ هناك أكثر من رابح تجيب الجهات الأميركية المُشار إليها أعلاه. والأول بينهم هو روسيا بل رئيسها فلاديمير بوتين. فموسكو صعّدت تورطّها أو تدخّلها في سوريا في شهر أيلول 2015 بتزويد حكومة بشار الأسد القوة الجوية التي يحتاج إليها لضرب المتمردين عليه. طبعاً كانت الذريعة التي استعملها حزب الدولة الاسلامية أي “داعش”. لكنها كانت خدعة أو حيلة. إذ أن تسعين في المئة تقريباً من الغارات الجوية الروسية استهدفت الثائرين على الأسد والمتحدّين حكومته ونظامه وليس “داعش”. وما كان الرئيس السوري ليستعيد سيطرته على حلب المدينة الأكبر في البلاد والعاصمة الاقتصادية لها من دون روسيا. وقد غيّر اضطراب المتمردين في حلب الحقيقة الاستراتيجية إذ سمح للروس بالتدخل المباشر لا بل بالقيادة الديبلوماسية بالنيابة عن الحليف الأكثر أهمية له في الشرق الأوسط. وهذا ربح لروسيا لكنه في الوقت نفسه ربح شخصي لبوتين الذي كان يضغط في أكثر من اتجاه لإعادة الموقع المهم أو المسيطر لبلاده على الساحة الدولية. فهو تولّى القيادة لمحاولة حل أوّل نزاع كبير في القرن الواحد والعشرين. وإذا صمد وقف إطلاق النار فإن روسيا وتركيا أعلنتا أنهما سترعيان محادثات سلام في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني الجاري في كازاخستان بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة المعارضة السورية التي وافقت على وقف النار. ويبلغ عددها سبعاً وتضم مجتمعة قوة محاربة من خمسين ألف مقاتل تقريباً.

إقرأ ايضًا: الأسد باقٍ والطغاة زائلون!
الرابح الثاني في الحرب السورية هو الرئيس بشار الأسد الباقي في سدة رئاسة بلاده وقت يغادر رئاسة أميركا باراك أوباما الذي دعاه الى التنحي. وهو قد يستمر في موقعه بعض الوقت إذا نجح بمساعدة روسيا وإيران في ابتداع تسوية مع القوات المتمردة بعد الإضعاف الذي تعرّض له.
أما تركيا فلا يمكن اعتبارها الرابح الثالث أو رابحاً حتى رغم بداية التغيّر في موقفها من الحرب السورية نظاماً وثواراً وتنظيمات إسلامية متشدّدة حتى العنف والتكفير. إذا لم تكن رابحة ماذا تكون؟

السابق
لافتات إعلانية في تل أبيب تصيب الاسرائيليين بالرعب
التالي
روسيا والصين وإيران.. «مقتل» ترامب؟