كيف وصل عون؟

إنه ليس المخلص الذي تتحدث عنه جمانة وهبي وليس الشخص القادر على اجتراح الحلول المناسبة للمشكلات المتراكمة، وصول عون إلى سدة الرئاسة هو تعبير عن مستوى معين وصل إليه الصراع على النفوذ في السلطة والحكم ضمن إطار المحاصصة الطائفية التي تطبع النظام اللبناني. وانتخابه تعديل على صعيد العلاقات بين المجموعات السياسية الطائفية وهذا ما يؤشر إلى احتمال دخول لبنان في طور جديد من أطوار النظام الطائفي.

إن انتخاب عون رئيساً للجمهورية يؤشر إلى أن المسيحية السياسية، التي يمثلها، في طريقها لاستعادة بعض ما لها على صعيد المشاركة المفترضة، وفق الدستور اللبناني، بين أطراف المحاصصة في السلطة والحكم. إنها المرة الأولى التي يصل إليها مرشح مسيحي إلى الرئاسة يمثل التيار الأكثر شعبية في الوسط المسيحي وخصوصاً بعد تعديل حزب القوات اللبنانية موقفه وانحيازه إلى موقع الترشيح للعماد عون. في الذاكرة، وبعد اتفاق الطائف، كان النظام السوري هو من يحدد رئيس الجمهورية وبعدها ينعقد مجلس النواب لانتخابه (معوض، الهراوي، لحود) وبعد الانسحاب السوري عام 2005، التزم زعماء الطوائف السياسيين بحل الدوحة وتوافقوا على رئيس للجمهورية (سليمان). لكن عام 2016 نجحت المسيحية السياسية تحديد من تريد ترشيحه وتفرضه مرشحاً وحيداً في مجلس النواب اللبناني. لكن هذا الصمود السياسي المسيحي ما كان لينجح لولا الدور الرئيس الذي لعبه حزب الله في دعم عون وخياراته الرئاسية.

اقرأ أيضاً: المخلص اللبناني

في حين أن الإسلام السياسي المهيمن على السلطة والحكم كان في حالة ارتباك. رموز هذا الطرف (بري، الحريري، جنبلاط) فشلوا في تأمين مرشح آخر قادر على منافسة عون. ترشيح جنبلاط لم يكن جدياً منذ البداية، الحريري بدا وكأنه ينقل البندقية من كتف إلى آخر من دون أن يكون قادراً على حملها وانتهى إلى التقدم بخطوة بارزة بتأييد عون. أما بري وهو الرمز الأقوى في الإسلام السياسي والمعبّر عن هيمنة هذا الطرف على السلطة والحكم، وهو من كان يقترح من يكون رئيساً، وجد نفسه عاجزاً عن تقديم ترشيح جدي آخر، ولم يعد أمامه سوى التذمر كيف أن جبران باسيل ونادر الحريري يختاران من يكون رئيساً.. ووقف حائراً أمام ما قررته المسيحية السياسية المدعومة من حزب الله (حليفه المذهبي).

إنها المرة الأولى التي يصل فيها مرشح جدي للمسيحية السياسية في إطار الصراع والنزاع على النفوذ في سلطة الطائف المتحقق.

بعد انتخاب عون، انتقل التجاذب إلى مستوى أعلى، فبدا النزاع على النفوذ في الحكم القادم بين الموقعين الرئيسيين (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب) لم يكن كما يحاول أن يصوّر البعض وكأنه حرص من فريق على “ميثاقية” تنتهك منذ عام 1992، بل كان فعلياً، لمن يكون له النفوذ الأقوى في الحكم القادم. وتجاهل البعض أن وجود رئيس للجمهورية يستند إلى حاضنة شعبية وازنة شرط رئيس لإعادة صياغة توازن جديد بين الطائفيات المتصارعة ضمن إطار المحاصصة في البلد. وإن ضعف أي موقع رئيس سيكون لصالح المواقع الطوائفية الأخرى، ومن هذا الموقع يمكن قراءة ما حصل في خلال تشكيل الحكومة الجديدة. هذا الوضع يطرح سؤال أول: إلى أي مدى يمكن أن يذهب إليه التجاذب بين الموقعين الرئيسين، وخصوصاً أن الرئيس عون مصرّ عى القيام بدوره السلطوي بدون أي انتقاص لصالح الأدوار السلطوية الأخرى، وخصوصاً فيما يطرحه من شعارات عامة لها بعدها الشعبوي مثل الفساد. والسؤال الثاني، هل يبقى التجاذب بينهما وكلاهما حليف لحزب الله، تحت سقف التحالف الاستراتيجي؟ سؤالان مطروحان للنقاش. لذا للحديث تتمة.

السابق
مخاطر بعد «استانة» تطال حزب الله والوجود الإيراني في سوريا
التالي
العثور على جثة الشابة نانسي.ن في منزل ذويها في الدكوانة