ترامب والعرب… ووداع عهد أوباما

لن يكون عهد ترامب مختلفا عن عهد أوباما، إلا إذا استطاع أن يحجّم الدور الروسي في المنطقة وان يحدّ من الاطماع الايرانية في السيطرة والتخريب في عدد من البلدان العربية.

شهدت الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما تغيراً ملحوظاً في السياسة الأميركية تجاه العديد من قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا التي تحولت إلى موضوع صفقات ومساومات بين الولايات المتحدة وروسيا على حساب الشعب السوري، فيما جنحت أنقرة في ظل هواجس الخوف من تزايد قوة الأكراد، وأمام الرغبة في توسيع استثماراتها الاقتصادية في مجال الغاز، إلى السلم مع روسيا بعد توتر دام شهوراً تصاعد عقب إسقاط المقاتلات التركية طائرة “سوخوي- 24” عسكرية روسية انتهكت مجالها الجوي بالقرب من الحدود مع سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2015.

لعل أبرز ما طرأ على سياسة البيت الأبيض من تغيرات في أواخرعهد الرئيس أوباما، كان إقرار قانون جاستا في الكونغرس في نهاية أيلول الماضي، وهو القانون الذي يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بمقاضاة المسؤولين السعوديين، على الأضرار التي لحقت بضحايا الإعتداءات بزعم أن الرياض متورطة فيها. وقد تم هذا الإقرار على الرغم من استخدام البيت الأبيض حق النقض. وفي موازاة ذلك مددت الإدارة الأميركية عقوباتها على طهران على الرغم من الاتفاق النووي الشهير الذي تم توقيعه العام الماضي في جنيف.

العهد الأوبامي أسدل ستائره على تغيرات واضحة، دفعت العرب للمطالبة بصعود قوة الولايات المتحدة إزاء هيمنة روسيا على منطقة الشرق الأوسط فيما ترتكب موسكو جرائم منظمة ضد الشعب السوري، على الرغم من أن الإدارة الأميركية كانت قد أخذت على عاتقها في بداية الثورة في العام 2011 دعم المعارضة السورية وخلع بشار الأسد من الحكم في البلاد.

المفارقة هنا أن العرب كانوا في الماضي بعد مرحلة سقوط الإتحاد السوفياتي وظهور الولايات المتحدة كقطب واحد، يطالبون بصعود قوة موازية لتحجيم هيمنة القطب الأقوى، لذلك ظهرت “تباشير الخير” بالنسبة لبعض المحاور العربية والعالمثالثية مع عودة روسيا في أواسط العقد الماضي إلى الحلبة من بوابة أوسيتيا الشمالية وأستونيا وفي ما بعد من بوابة أوكرانيا وسوريا، بموازاة صعود الصين الذي شكل معادلة إقتصادية جديدة في العالم بانت سطورها بوضوح بعد الأزمة المالية الأميركية في العام 2008 التي بدأت في قطاع العقارات وامتدت لتطال العديد من القطاعات الأخرى داخل وخارج بلاد العم سام.

في سياق الحديث عن العقارات، تظهر سياسة الولايات المتحدة من جديد تحت مجهر المراقبة في ضوء فوز قطب العقارات الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، والمنتظر أن يتسلم مهامه في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل.

دونالد ترامب، هذه الشخصية المثيرة للجدل بطرحها سياسات عنصرية وعدائية قد تدغدغ أحلام العديد من الأميركيين الذين باتوا ينظرون للآخر المهاجر كمختطف فرصة عمل من أمام مواطنيهم، أو إرهابي يقض أمن مجتمعهم وراحتهم، قد لا يفعل الكثير مما طرحه من أفكار في السياسة الخارجية، خصوصاً أن السياسة في الولايات المتحدة ليست شخصانية، بل هي نتيجة عمل مؤسسات وخطط طويلة الأمد يشارك فيها الكونغرس وأجهزة الاستخبارات وتحدد معالمها الدوائر الإقتصادية ومصانع الأسلحة وشركات الصناعات البتروكيميائية وقوى الضغط السياسية.

لكن ما قد يفعله ترامب تحت عنوان مكافحة الإرهاب، أمرين متوازيين، الأول هو وقف عنجهية إيران النووية والمتمادية في العالم العربي فتناً وحروباً وهيمنة سياسية وعسكرية وأمنية، وبالتالي تحجيم اندفاعة “حزب الله” الذي أراد استقبال نتائج الإنتخابات الأميركية بعرض عسكري في مدينة القصير السورية للقول بأنه أصبح جزءاً من اللعبة الدولية و”صاحب حق” في خطط تقسيم المنطقة. هذا الأمر ينسحب على الميليشيات المذهبية في العراق واليمن وأفغانستان وباكستان، والمدعومة من إيران.

إقرأ أيضاً: تغيير نظام إيران ليس هدف ترامب!

الأمر الآخر الذي قد يسعى الى تنفيذه الرئيس العتيد هو استكمال إضعاف التشكيلات السورية الثائرة ضد حكم بشار الأسد، بذريعة محاربة الإرهاب الإسلامي السني، وبالتالي يكون قد أكمل ما بدأته روسيا وإيران بالتواطؤ مع أميركا- أوباما، لا سيما بعد إعلانه العنتري، في أعقاب عملية اغتيال السفير الروسي لدى تركيا، بأنه سيمحي الإرهاب عن وجه الكرة الأرضية.

في أي حال لن يكون عهد ترامب مميزاً في الشرق الأوسط، إلا إذا استطاع أن يحقق بعض آمال العرب بوقف تصاهد هيمنة الروس على المنطقة وتحجيم دور إيران عبر إعادة النظر بالإتفاق النووي وما يستتبعه من رفع الحظر الأميركي عن الأموال الإيرانية المجمدة منذ بداية القطيعة بين طهران وواشنطن في العام 1980، والتي قد تفيدها في ترسيخ أقدامها أكثر في العالم العربي لو وصلت هذه الأموال الى أيدي الملالي.

إقرأ أيضاً: من أوباما إلى ترامب

ثمة وجهة نظر أخرى تلقي الضوء على التزامات الرئيس الجمهوري الجديد تجاه إسرائيل، لا سيما مسألة نقل العاصمة إلى القدس المحتلة، هنا قد يجترح ترامب، في سياق حفاظه على سياسة أسلافه بدعم الدولة العبرية، خططاً ترسّخ احتلال “حزب الله” وإيران للميدان السوري، بالتزامن مع الحديث عن تسوية تركية إيرانية روسية لا تعارضها واشنطن بالتأكيد وقد يباركها العديد من دول أوروبا حول هدنة طويلة في سوريا. هذا في الوقت الذي قد يشدد فيه قطب العقارات، حين يصبح سيد البيت الأبيض، القيود على البرنامج النووي الإيراني والحد من تمدد الحرس الثوري في العراق وأفغانستان، في حين سيغض النظر عن استمرار احتلال القوات الإيرانية ومرتزقتها لأراضي سورية على اعتبار أن ما تمارسه هذه القوى والميليشيات من فتن وجرائم واستنزاف في حروب مذهبية، هو ما تريده حليفته الإستراتيجية في الشرق الأوسط “الغدة السرطانية” تماما.

السابق
الإرهاب دين وليس أعمالاً فردية
التالي
بصمة عياش الأكثر وجعاً لليهود والأكثر كرامةً من كل المتاجرين بـ «فلسطين»