بين«محاربة» الإرهاب… و«مكافحة» الإرهاب

تختلط التسمية اليوم، فتارة يُستخدم تعبير “محاربة الإرهاب”، وتارة تعبير “مكافحة الإرهاب”. فإذا كان الاختلاف في التسمية بين الأولى والثانية يصبّ في تعريف فعلٍ واحدٍ فلا ضرر. أما الضرر الحقيقي والأساسي بغير ذلك، فيظهر بالخلط بين التعريفين، خصوصاً لدى وجود قناعة بأن “الحرب” على الإرهاب هي عبر “مكافحته” في عمليات عسكرية كالتي تشنُّها معظم الدول إن لم تكن جميعها، أقلّه رسمياً، مع اختلاف الأهداف والاستخدامات طبعاً.

العمليات العسكرية ضد الإرهابيين تصبّ في خانة “مجابهة العمليات الإرهابية” وإحباطها آنياً، أي بمعنى أن تُقتحم شقة في فرنسا أو بلجيكا أو ألمانيا أو غيرها لإلقاء القبض على مجموعة متطرفة تُحضّر لأعمال إرهابية. هنا نحن بصدد “محاربة الإرهاب” لا “مكافحته”. حين يعلن العراق عن عمليات عسكرية ضد بؤر إرهابية تابعة لداعش في الموصل وقبلها في الفلوجة وغيرها، وحين يتم الإعلان عن التحضير لعملية استعادة الرقة، نكون أيضاً بصدد محاربة إرهابيين. (…) وتكثر الأمثلة، لكنّ الهدف واحدٌ: إلقاء القبض أو قتل عناصر متطرفة تزعزع الأمن القومي الوطني والدولي.

أما تسويق أو استخدام تعبير “الحرب على الإرهاب” على أنه الشعار العالمي الأوحد اليوم، فهو ليس سوى ترفيه سياسي وإعلامي يصبّ في خانة تضييع الوقت، حيث إن الحرب على الإرهاب لا تنتهي بقتل إرهابيين… فلو كانت الحرب القائمة ضد الإرهاب ستفلح – لو كانت حصراً من خلال حرب عسكرية – لما بقي “التطرف الإرهابي” مستمراً حتى يومنا هذا، تحت مظلة القاعدة حيناً، وتنظيم الإخوان أحياناً، وداعش تارة، وغيرها من التنظيمات المصنّفة “إرهابية”. لو كان الإرهاب يُستأصل عسكرياً لانتهى بُعيد التدخل الأميركي في أفغانستان في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. ولو كان ذلك أيضاً، لما ازدادت أعداد الإرهابيين رغم الإعلان يومياً – منذ أكثر من عامين – عن مقتل العشرات منهم، تارة بهجوم عسكري بري أو بغارة جوية للتحالف الدولي، أو بمقاتلات روسية تدعي محاربة الإرهاب منذ أكثر من عام. لكن واقع الحال مختلف، والتجديد والاستمرارية العددية أبرزت معضلة أكبر تجسدت بتفشي هذا الوباء الذي لا يقتله الرصاص، بل يعيد إحياءه في أجسام جديدة، فداعش تنظيم جديد لآفة قديمة.
“الحرب على الإرهاب” ومحاربة الإرهابيين عسكرياً ضرورة آنية لإيقاف الضرر والتهديد الذي يمثلونه في عملياتهم الدموية، لكن مكافحتهم ومكافحة الإرهاب عموماً لا تقوم عسكرياً.
لا يمكن استخدام “الإعلام الحربي” والتصريحات النارية لتوجيه رسائل للإرهابيين فحواها أن “مصيركم الموت” كأسلوب تهديدي مرفق بإبراز قدرات قتالية في استهداف المتطرفين. والسؤال لهؤلاء: هل تهددون إرهابياً يتطلع إلى الموت بقتله؟ هل تهددون انتحارياً بالموت؟ فإحباط الهجوم الإرهابي شيءٌ، ومنع تكراره شيءٌ آخر.

إقرأ أيضاً: «فتح الشام» تنظيم ارهابي بعد 5 سنوات على تأسيسه

ولعل أفضل ما قيل حتى هذا اليوم في هذا السياق يبقى كلام الصحافي الفرنسي نيكولوس هينان الذي أسره التنظيم الإرهابي إلا أنه استغلّ وجوده هناك لفهم ماهيّة هذا التنظيم، وكيف يعمل وكيف يفكّر… ليخرج الصحافي الفرنسي المحرّر بكلام واقعي وعلمي هو الأهم من بين المُقال حتى تاريخه. ويقول الصحافي الفرنسي: “كمثال على مبادرة إيجابية قام بها المجتمع الدولي بوجه التنظيم كان فتح الأبواب والمنازل للاجئين السوريين، وكان ذلك منفذاً مهماً لكثيرين للهروب من داعش. وهذه كانت ضربة قوية للتنظيم”. مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين تركوا أرض داعش واتجهوا صوب أرض “الكفار”، وهذا بحسب التعابير التي استخدمها الصحافي الفرنسي المحرر نقلاً عن أسلوب تفكير متطرفي داعش.

كما كانت له إضافة حول قراءة أحداث باريس حين يعتبر أن “داعش هاجم العاصمة الفرنسية ليدفع بالأوروبيين إلى ردة فعل تستتبع إقفال الحدود الأوروبية بوجه تدفق اللاجئين الهاربين من سوريا. من هنا، يعتبر هينان أن الضربات الجوية لم تكن يوماً مؤذية للتنظيم بقدر ما دفعت عدداً كبيراً من الأشخاص باتجاه داعش”.

إقرأ أيضاً: الارهاب والتديّن

في الحرب على الإرهاب إذن، عمليات أمنية وعسكرية، منها الاستباقية لمنع حدوث الكارثة وأخرى تنطلق لضرب أوكارهم وانتشارهم. لكن الحرب على الإرهاب يجب أن تسير يداً بيد مع مكافحة الإرهاب وجذوره وأصوله.

محاربة الإرهاب… عسكرية وأمنية
مكافحة الإرهاب… دينية، اجتماعية، سيكولوجية، تربوية، تثقيفية وصولاً حتى الاقتصاد ومعيشة الفرد الذي يجب مساعدته على التشبّث بالحياة وبجمالها.

السابق
بشرى الدويهي ستعود اليوم إلى بيروت
التالي
تاكسي المطار: شو أنا قتلت الإمام علي!