الحرب على الإرهاب.. الاسم الحركي لضرب «الدولة العربية»

كيف صارت الكيانية المذهبية وتصدّع الدولة الوطنية انتصاراً على الارهاب.

الحرب على الارهاب” ضد تنظيم القاعدة او داعش وجبهة النصرة وغيرها مما يمكن ان يدرج على اللوائح المتعددة، يخفي في طياته ما يمكن ان نسميه عملية منظمة لضرب مكونات الدولة الوطنية في المشرق العربي او في اليمن وليبيا. وخلف هذه الحرب او في جوهرها، تبدو الدول الكبرى والاقليمية هي الاكثر تأثيرا في مسار تصديع الكيانات الوطنية لحساب المكونات المذهبية والطائفية والاثنية. إذ فيما تشكل طهران وانقرة قطبي الرحى في الصراع الدائر داخل سورية، تبدو المملكة العربية السعودية الاكثر تراجعا او انكفاءً عن خوض المواجهة في المشرق العربي، لحساب التفرغ لحرب تخوضها في اليمن باسم التحالف العربي والاسلامي.

اقرأ أيضاً: الحرب على الإرهاب متناسلة الفصول «بلا نهاية»

في موازاة هذا الدور الاقليمي، يبرز الدور الاميركي المتناغم مع ايران في الحرب ضد داعش في العراق، والمراقب لمجريات الحرب السورية على قاعدة لجم الشهية التركية ضد التدخل المفرط في سورية من جهة، ودعم خيار المشروع الكردي الذي يبدو واضحا غير ملتبس، بخلاف الدعم الاميركي لفصائل المعارضة السورية التي كانت على طول طريق الثورة تعاني من شروط هذا الدعم فضلا عن وجوده كاستراتيجية اميركية كما هو الحال بالنسبة للاكراد.

الحرب على الارهاب هي باب دخلت منه روسيا ايضا للاستثمار الجيوسياسي في المشرق العربي ومن خلال الساحة السورية. وقد ارتكز الدخول الروسي الى تردد اميركي حيال التدخل المباشر والى ضوء اخضر اسرائيلي داعم لخيار روسيا الملائم للأمن الاسرائيلي الاقليمي. واذا اضفنا المناشدة الايرانية للتدخل، بعدما نجحت فصائل المعارضة بالسيطرة على الجزء الاكبر من سورية وهددت وجود النظام السوري، يمكن القول ان روسيا ساعدت الأسد على تعزيز موقعه الدولي ورفع مستوى الاحترام الاميركي لقوة ايران وللهيبة التي يمكن ان تحقق من خلالها اهدافها في اوروبا فضلا عن هيبتها على دول الاتحاد السوفياتي سابقا.

الجماعات الارهابية

لقد ساهم التقاطع مع تركيا في تعزيز الدور الروسي وموقعه في اي مساومة لاحقة تجري مع الادارة الاميركية الجديدة. وما قرار اعلان الهدنة والتحضير لمؤتمر الآستانة الا محاولة جمع لاوراق روسيا في الاقليم تمهيدا لمقايضات مع ادارة الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب. روسيا اليوم تحاول ان تلعب دور الحكم بين تركيا وايران وتتطلع لأن تكون مرجعية الحل في سورية. لكن صورة الحل وخريطته ليست منجزة بعد. اذ اضاف التدخل الروسي في سوريا ملفات جديدة على الازمة السورية. فبعدما كان الصراع على تغيير النظام السوري، او ما يسمى تطبيق المرحلة الانتقالية للنظام، باتت الاولويات الاقليمية تفرض حسابات جديدة، عنوانها سياسة تفادي تداعيات الحرب الارهاب على الدول الاقليمية. فالاولوية التركية منع نشوء كيان كردي على حدودها، ومنع تسلل الارهاب الى اراضيها، اولويات تتقدم على سقوط النظام. وفيما ايران تتورط ضمن اكثر من مواجهة في العراق وسورية واليمن، باتت اسيرة حالة استنزاف مستمر لامكانياتها المادية والبشرية من جهة والقلق من تفاهمات دولية تحد من موقعها ونفوذها في المنطقة.

يبقى ان اخطر ما يمكن ان تتعرض له المنطقة العربية اليوم، هو الغياب المخيف للنظام الاقليمي العربي، والذي ينذر بتبلور انظمة مصالح جديدة اقليمية ودولية تستفيد من غيابه، اذ تبدو الحرب على الارهاب مستمرة لكن في احداث عمليات الفرز الديمغرافي اكثر مما هي حرب للقضاء على الارهاب، والمزيد من الدفع نحو تبلور مشاريع سياسية تصل الى حدود الكيانية للمذاهب والطوائف والاثنيات. وتساهم الحرب في تعزيز هذه الخيارات لا سيما في سورية والعراق. الدولة الوطنية تزداد تصدعا فيما تنمو بشكل مخيف الميليشيات المرتبطة بدول اقليمية ودولية. في العراق لا يمكن في المدى المتوسط الحديث عن قوة عراقية خارج الحشد الشعبي، وفي التسوية السورية لا يمكن البحث في حل بمعزل عن الميليشيات سواء السورية المعارضة والموالية للنظام او الميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري الايراني.

اقرأ أيضاً: مفارقات الحرب على الارهاب

الافق المقترح اليوم في ظل الحرب على الارهاب، هو المزيد من تصدع الدولة الوطنية، والمزيد من الانهيارات على المستوى العربي. الارهاب بالمعنى الفعلي تحول عمليا الى وسيلة تدمير وتخريب، يجري استثماره في سبيل تعزيز النفوذ الاقليمي على المشرق العربي، وسلاح يستخدم في سبيل ترسيخ النمط الميليشيوي في هذه الدول، ومبررٌ  لنشوء كيانات مذهبية وطائفية على امتداد الجغرافيا السورية والعراقية واليمنية.

السابق
اللبنانيون يقعون ضحية «المراهنات» على كرة القدم
التالي
إيران تسجن المعارضين والناشطين بتهمة «العمالة للخارج»