قراءة جيوسياسية حول التفاهم الروسي-التركي-الإيراني في سوريا

دخل الصراع العالمي الدموي على الأرض السورية مراحله الأكثر تقدمًا، بعدما إستقطبت الجغرافيا السورية عددًا كبير منَ الأطراف التي تتقاتل على أرضها تحت مشاريع وعناوين مختلفة.

أبرز ما شهدته التطورات في سوريا هو ظهور التوافق الروسي-التركي-الإيراني حول حَل للحرب السورية يبدأ ب”وقف شامل لإطلاق النار” على الأراضي السورية.

بالرغم من وقوف الطرفين الروسي-الإيراني في معسكر الصراع المواجه للمعسكر التركي، أتى إنطلاق هذا التفاهم بين هذه الأطراف، فكيف أتى هذا التفاهم وما هي خلفياته وتأثيراته في السياسة الدولية؟

ليس من المستبعد أبدًا على أي قارئ للسياسة الدولية هكذا نوع من التفاهمات، فالروسي دخل الحرب السورية من منطلق جيو-إستراتيجي يرتكز على مكاسب خاصة بالإمبراطورية البوتبنية المتجددة والتي تبحث عن جغرافيا جديدة تستثمر فيها أهداف سياسية لها تبعات إيجابية على الإقتصاد الروسي في الطاقة (الغاز الطبيعي خاصة)، وكذلك في الوزن الإضافي الذي سيحققه البعد الجغرافي للروس في سوريا خاصة على طول الساحل السوري المطل على البحر المتوسط صلة وصل المشرق العالمي بمغربه.

أما الطرف التركي فطابع دخوله الصراع السوري مغاير جدًا للتوقعات الشعبية التي تتأثر كثيرًا بالمواقف السياسية العاطفية تجاه الثورة السورية والتي أطلقتها الدبلوماسية التركية على مدى سنوات، وتبقى الأسباب الجيوسياسية هي المدخل الوحيد للحركة الدبلوماسية التركية والتي أهمها: وجود جغرافيا مشتركة بين سوريا وتركيا، تحريك الملف الكردي الذي يُشكل مُعضلة سيادية داخلية في تركيا، طموحات تركيا المشابهة لطموحات روسيا بالعودة إلى نادي الكبار والمُقررين في السياسة الدولية ومكاسبها الجيوسياسية.

قد يستغرب البعض إضافتي للطرف الإيراني معتبرين بأنه تم إستبعاده عن المعادلة، أما حقيقة الأمر التي لا يمكن إنكارها هي دور الطرف الإيراني الرئيسي في هذا التفاهم. فالإيراني بدوره يُعتبر المشارك الأول في الحرب الشرق أوسطية منذ حرب العراق، وهو المعني الفعلي الأول بمكاسب جيوسياسية يتصدرها العامل الديني الذي تنطلق منها طبيعة النظام في إيران والذي يعمل على تصدير الثورة الإسلامية منذ وصوله في العام ١٩٧٩. ولذلك يمكن القول بأنَّ الطرف الإيراني حقق إنتصارات حقيقية لمشروعه في سوريا حتى يومنا هذا، بحيث أعطى الأمان لأغلب القرى الشيعية في الداخل السوري، كما أنه سيطر “من خلال الميليشيات المتعددة الجنسيات التابعة له” على مساحات جغرافية واسعة وغير متباعدة، الأمر الذي يجعل منه طرفًا أساسيًا في حل النزاع السوري، لذلك هو شارك بشكل رسمي في اللقاءات التركية-الروسية منذ قرابة الإسبوع والتي أفضت إلى هذا التفاهم الجديد الذي يدعو إلى وقف لإطلاق النار في بادئ الأمر، ثم مباحثات سلام ستبدأ بداية العام في كازاخستان وقد يستثنى منها بعض أطراف النزاع.

إقرأ أيضاً: إيران وروسيا: افتراق في سوريا أم تبادل للأدوار

إضافة إلى أطراف التفاهم الأساسيين هناك من يسأل عن بعض الأطراف أو الدُوَل التي لم تشارك في إطلاق هذا التفاهم بالرغم من أنها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الأمر كطرفي النزاع السوريين، الولايات المتحدة الامريكية، السعودية ودُوَل الخليج، إسرائيل، الأردن، لبنان والعراق. من المُحتم أولًا مشاركة النظام السوري ومعارضيه في أقرب وقت في جلسات حل النزاع وكذلك من المؤكد مشاركة هذه الدُوَل المذكورة في مرحلة ما من مراحل بناء التفاهم “بشكلٍ مباشر أو غير مباشر” نظرًا لكون بعضها على الحدود السورية، والبعض الآخر قد شارك في مرحلة ما في الصراع السوري الدائر منذ سنوات. لذلك لا يمكن اليوم تخسير أي فريق سياسي في الحرب السورية قبل بلورة مراحل التفاهم ورؤية مضمون الإتفاق، في وقتٍ يبقى الخاسر الوحيد هو المواطن السوري الذي يعاني الويلات في مشارق الأرض ومغاربها.

إقرأ أيضاً: خيرالله لـ«جنوبية»: روسيا وايران من يقرر وظيفة وانسحاب حزب الله من سوريا

إذا أردنا العودة قليلًا إلى الوراء في السياسة الدولية وخاصة إلى منتصف القرن المُنصرم “مرحلة إستقلال الدُوَل عن الإستعمار والدكتاتوريات” نجد بأننا اليوم أما حقبة جديدة قد تكون إستكمالًا لتلك الحقبة من جهة، أو أنها ستكون المفتاح الجديد لعودة الصراعات الدوليّة الكبرى “بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية” في مجال الذرة والأسلحة النووية والتي رافقت تلك الحقبة أيضًا وكادت أن تقضِ على البشرية جمعاء. لذلك، من الضروري جدًا التوصل إلى حَلٍ يُنجح التفاهم الذي إنطلق وتحويله من تفاهم على وقف إطلاق النار إلى إتفاق دولي لحل النزاع الدموي في سُوريا وربما الشرق الأوسط بأكمله وإحلال السلام العادل والشامل، من أجل تخفيف معانات الشعب السوري وشعوب المنطقة وبدأ مرحلة العودة وإعادة الإعمار في دُوَل الشرق الأوسط.

السابق
التحالف المدني الإسلامي يدين استهداف المدنيين الآمنين ويدعو إلى مواجهة التطرف
التالي
لبناني أوقفته قوى الأمن بعدما لعن وشتم ضحايا اسطنبول