أين إيران من الاتفاق الروسي-التركي حول سوريا؟

علي حسين باكير

تمّ التوصل يوم الخميس الماضي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا برعاية كل من روسيا وتركيا، وقد بدا لافتا آنذاك أنّ إيران لم تكن موجودة في أي مرحلة من مراحل التفاوض، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر، ولم يتم إطلاعها أيضاً على أية تفاصيل متعلقة بالاتفاق إلا بعد انتهائه، وذلك من خلال الاتصال الذي جرى بين لافروف وظريف مساء أول من أمس عقب الإعلان عن الاتفاق.

وبالرغم من ذلك، خرج خلال اليومين الماضيين عدد من المراسلين والمحللين من طهران للتعليق على الاتفاق ليشيروا إلى عكس ذلك تماما، مع الإصرار على أن إيران كانت على اطلاع على ما يجري وأنّها سعيدة بالاتفاق الذي جرى، وأنّها شاركت منذ البداية في التحضير له عبر اجتماع الأستانة الثلاثي مع موسكو وأنقرة، لكنّ إخضاع مثل هذه الادعاءات للوقائع يبيّن بطلانها مرّة أخرى.

من المهم في هذا السياق متابعة السلوك الروسي والتركي، إذ يستطيع المراقب أن يلاحظ بشكل واضح أنّ هناك حرصا روسيا تركيا للتأكيد دوماً على انّهما على رأس الطاولة، وبالتالي لا مكان لإيران في هذه المعادلة إلا عند تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين بين موسكو وأنقرة.

في كل التصريحات الأساسية الأخيرة لبوتين وأردوغان لم يتم الإشارة إلى إيران وتم تجاهلها بشكل عمدي، كذلك الأمر في نص الاتفاق الذي جرى بخصوص وقف إطلاق النار، إذ لم يتم إعلان اسمها كضامن للاتفاق أو حتى كشريك فيه، وهو أمر يعطي انطباعا بانّها طرف تابع وغير مستقل، أو هكذا يراد لها أن تبدو أو بالأحرى أن تكون.

أما في ما يتعلق بالإشارة إلى اجتماع الأستانة على أنّه دليل على تواجد إيران في المفاوضات، فهو أمر سخيف، وساذج. الأستانة لم تكن منصة تفاوضية، ولم يصدر عنها شيء مهم. ما صدر فيها هو مجرد بيان عام لا يتطرق إلى أي من التفاصيل، ولم تجر أي مفاوضات بشأنه. يكفي أن نعلم أنّ ترحيب طهران باتفاق وقف إطلاق النار جاء متأخراً وبعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه لافروف بظريف لنستنتج أيضاً أنّها لم تكن تعلم التفاصيل وأنّها انتظرت إيجازا من الجانب الروسي لتصدر بيانها.

أمّا بخصوص الادعاء القائل بأنّ إيران سعيدة باتفاق وقف إطلاق النار الآن أو بمضمونه، فهذا الادعاء غير صحيح أيضاً. موقف النظام الإيراني من هذا الموضوع غير ثابت في العادة، ويتغيّر بتغيّر المعطيات على الأرض. بمعنى آخر، في بعض المراحل كان الجانب الإيراني يستميت دبلوماسيا للدفع باتجاه إعلان وقف إطلاق للنار تماما كما جرى في اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا في فيينا بتاريخ 14 نوفمبر 2015 على مستوى وزراء الخارجية، وفي مراحل أخرى كان يصرّ عملياً على ضرورة استكمال العمليات العسكرية على الأرض، تماماً كما جرى مؤخراً.

أضف إلى ذلك، وانطلاقا ممّا نعرفه من الاجتماعات المغلقة التي عقدت خلال السنوات الأخيرة على مستوى وزراء الخارجية فما دون، فإنّ الجانب الإيراني كان يشدد دوماً على ضرورة اعتبار كل الجماعات المسلحة المعارضة للأسد جماعات إرهابية، لا بل إنّ جواد ظريف نفسه كان قد طالب عدّة مرات في هذه الاجتماعات بضرورة إدراج أحرار الشام وجيش الإسلام والجبهة الإسلامية وغيرها من المجموعات كمجموعات إرهابية، وهذا يتعارض بالتأكيد مع التحركات الروسية مؤخراً ومع الاتفاق الأخير حيث جلس مسؤولون روس على طاولة واحدة وجها لوجه مع عدد كبير من ممثلي الفصائل العسكرية السورية التي لطالما اعتبروها إرهابية.

هناك من يقول بأنّ مسؤولين عسكريين وسياسيين إيرانيين توصلوا إلى استنتاج مؤخراً مفاده أنّ النظام السوري غير قادر على حسم المعركة عسكريا، وأنّ الحل العسكري لم يعد ممكناً ولذلك لم يعد من خيار سوى الحل السياسي. مثل هذا الرأي لا يعبر عن حقيقة الموقف الإيراني لاسيما في هذه اللحظة بالذات.

النظام الإيراني يعلم منذ سنوات بأنّ نظام الأسد غير قادر على أي حسم عسكري، وأنه دخل مرحلة الانهيار مبكراً، وهذا هو السبب الأساسي بالدرجة الأولى لتدخل الجيش الإيراني والحرس الثوري والمليشيات التابعة له في سوريا.

نظام الملالي لا يريد أي حل سياسي في سوريا إلا إذا كان ذلك يعني بقاء نظام الأسد مع تطعيمه ببعض عناصر المعارضة كما طرح منذ سنوات، وهو يشدد اليوم أكثر من أي وقت مضى على الحسم العسكري لأنّه يعتقد أنّه بات أقرب إلى تحقيقه، سيما وأنّه كان يحضّر الأرضية اللازمة لإدخال العشرات من الآلاف من المليشيات الشيعية العراقية الى سوريا في المرحلة المقبلة.

إذا لم يكن الحل السياسي الذي تسعى اليه موسكو هو نفس التعريف الإيراني للحل السياسي المذكور أعلاه، فهذا يعني أن هناك مشكلة كبيرة لطهران.

إقرأ أيضاً: الاتفاق الروسي التركي يفضح حزب الله

من غير الواضح بعد ما هي ملامح هذا الطرح السياسي، لكن لن نتأخر كثيرا حتى نعرف ماهيته بالضبط، وحتى ذلك الوقت لا بد لنا من أن نذكّر بأنّ إيران هي الدولة الوحيدة التي لم توافق على اتفاق جنيف-1، وهو الاتفاق الذي يعتبر الركيزة الأساسية في كل حديث عن حل سياسي في سوريا بما في ذلك الطرح الروسي.

لا يوجد أدنى شك من أنّ ايران متضررة من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، فالاتفاق أظهرها بمظهر التابع، كما أن البند الذي يتحدث عن ضغط روسيا عليها لإخراج المليشيات الشيعية يعتبر مذّلاً نوعاً ما إذا ما كان قد بقي فعلا في نص الاتفاق، ناهيك عن حقيقة أنّ إيران لم تأت بحزب الله إلى سوريا لكي تخرجه منها وإنما لكي تؤمّن بقاءه مستقبلاً.

هذه المعطيات تعني أنّ هناك أجندات مختلفة حاليا بين إيران وروسيا، من غير المعروف بعد ما إذا كان التغيّر الذي طرأ على الموقف الروسي تغيّراً أصيلاً أم تكتيكياً، وهل هو مستعد لإجبار إيران على الخضوع لأجندة روسية-تركية؟ وفي المقابل هل ستقبل إيران أن لا تكون رأساً على الطاولة، وهل هي مستعدة لإخراج مليشياتها؟

إقرأ أيضاً: إيران وروسيا: افتراق في سوريا أم تبادل للأدوار

هذه أسئلة لا يوجد جواب حاسم عليها حالياً، لكن ما نستطيع قوله أنّ إيران ستبقى تمتلك القدرة على التخريب كما ثبت في اتفاق حلب الأخير بين روسيا وتركيا، فالتخريب هو لعبتها الأساسية الأكثر إتقاناً، لكن ربما ليس لديها مصلحة الآن في إفشاله بشكل مباشر، وقد تفضل القيام بذلك عبر أذرعها أو تأمل أن يقوم غيرها بالتخريب وتعمل على استغلال الوقت المتاح للتفكير في كيفية إعادة صياغة العلاقة بينها وبين الروس بما لا يضرها كثيرا ويحد من سطوة الروس عليها.

في جميع الأحوال، لا يجب المراهنة على خلاف روسي-إيراني وانتظار حصوله، وإنما يجب العمل على إيجاد شرخ بينهما وتعميقه والاستثمار فيه حتى يصبح حقيقة واقعة، وهناك فرصة متاحة الآن لفعل ذلك.

السابق
أطول علم فلسطيني في لبنان: رسالة تفاؤل إلى الداخل والشتات
التالي
أحمر بالخط العريض: جسدٌ هدد بالسكين وأمومة مغتصبة