عام 2016 هو بحق عام الرُهاب الدينيّ

عام جديد يطل على المسلمين في السويد وهم لا زالوا يعانون من تمييز واعتداءات بسبب الارهاب الذي يضرب بعض الدول الاوروبية على يد الاحزاب المتطرفة التي تدعيّ انها تمثل المسلمين.

التقارير غير الرسمية تشير إلى أن عدد المسلمين يصل إلى 850 ألف نسمة من إجمالي 9,7 مليون سويدي، أي ما يقارب نسبة 9% تقريبًا من مجموع السكان. غالبية المسلمين في السويد هم من السنّة مع أقلية شيعية لا تزيد عن 25%. عدد السويديين الذين دخلوا الإسلام منذ ستينيات القرن الماضي الى عام 2016 بلغ 25000 شخص، ولا يمر ّيوم إلا ويدخل احد السويديين الإسلام ويشهر ذلك في احد المساجد.

إقرأ أيضا: الإسلاموفوبيا مرض عربي أيضاً

في المقابل، لوحظ تحوّل عدد من المسلمين إلى المسيحية في السويد. وخلال العقد الماضي ارتد عن الإسلام حسب ما رشح عن بعض الصحف المسيحية، أي حوالي 1550 شخص أغلبهم من الإيرانيين والباكستانيين وبعض العرب. رغم استقبال السويد لهذه الأعداد الهائلة وتخصيص مليارات الكرونات لدمجهم في المجتمع ومنحهم حقوق انسانية ووفرت لهم ملاذا آمنا واتاحت الفرصة لهم ليتعلموا اللغة السويدية واكمال دراستهم الجامعية وسهلوا لهم ولوج سوق العمل والإندماج في المجتمع، إلا انهم يشعرون بأنهم مهمشين ومرفوضين كأقلية دينية، وعليهم ان يعتادوا الهجمات الشرسة على دينهم لأن ذلك جزء من حرية التعبير. وهناك من المسلمين من تقبّل سياسة التذويب في القيم الغربية وهناك من يصرّ على الحفاظ على هويته الثقافية والدينية مع تقبل الإندماج الإيجابي وحق المواطنة كمسلمين سويديين.

بقي علينا ايام، ونودع عام 2016، ونحن في حالة نفسية لا نحسد عليها، فالحروب تأكل الأخضر واليابس في عدد من اقطارنا العربية والإرهاب يضرب في كل مكان ونعاني بالمقابل من الفرقة والخلاف والتشاحن والإنغلاق على الذات والعيش على هامش المجتمع السويدي الذي لا يتقبلنا افرادا وجماعات ومؤسسات ودين، وكل ذلك نتيجة حتمية للصراعات والحروب المندلعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا خصوصًا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والاضطرابات الحادثة في منطقة القرن الأفريقي، وتصاعد كراهية الغرب في هذه المناطق، وتزايد المخاوف من التطرف الإسلامي الذي تمثله جماعة داعش، كل هذا أدى إلى تصاعد الرهاب من الإسلام والمسلمين بسبب عمليات الإرهاب التي حصدت ارواحا بريئة في عدد من دول اوروبا.

في هذا العام تزايدت النقاشات الرسمية والحزبية في دول الإتحاد الأوروبي بشأن تشديد القيود المفروضة على الهجرة؛ بسبب الاستياء والشكوك داخل المجتمعات الأوروبية من تزايد عدد المهاجرين المسلمين. هذه النقاشات ساهمت في صعود وبروز نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول الإتحاد الأوروبي.
السويد، بالنسبة لعدد سكانها الذين لا يتجاوزن 9،7 مليون نسمة، تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد طلبات اللجوء بين دول الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا. ففي عام 2014 بلغ عدد طلبات اللجوء إلى السويد 81 ألف شخص، نصفهم من سوريا وحدها وفي عام 2015 لجأ للسويد ما يزيد عن مائة الف وعجزت مصلحة الهجرة من استيعاب المهاجرين الجدد وتوفير سكن لائق لهم وخاصة اللاجئين الأطفال الذين زاد عددهم عن 35 الف شخص وغالبيتهم من الأفغان، لذلك قررت الحكومة السويدية بموافقة احزاب المعارضة اغلاق الحدود وتشديد المراقبة على جميع من يدخل السويد وخاصة من الدنمارك.
حتى اواسط شهر تشرين الاول2015 كان الشعب السويدي والحكومة وغالبية الأحزاب السياسية بشكل عام يؤيدون سياسة الباب المفتوح التي ظلت فاعلة على مدار 65 عاما في التعامل مع المهاجرين الذي يجدون صعوبات سياسية أو اقتصادية أو أمنية في بلدانهم الأم. ويبدو أن هذا الأمر تغيّر حيث اغلقت السويد باب الهجرة حتى اشعار آخر. واتخذت اجراءات استثنائية لترحيل عشرات الألوف من المهاجرين. ورغم هذه الإجراءات شهدت السويد اعتداءات على الأفراد والمؤسسات الإسلامية ومراكز ايواء اللاجئين وسجلت الشرطة زيادة واضحة في جرائم الكراهية ضد المسلمين. فاليمين المتطرف يقود هذه الحملة ضد المسلمين مستخدما كل الوسائل الإعلامية المتاحة. وفي المقابل لا يوجد للمسلمين اجهزة اعلام تواجه هذه الحملات اليومية التي تؤجج الرهاب من الإسلام والمسلمين.

والإعلام اليميني المتطرف يجعل العنصرية وكراهية الآخر أكثر قبولاً في المجتمع السويدي، وهو ما تم ترجمته بالفعل لهجمات متتالية ضد المساجد والمدارس الإسلامية والنساء المحجبات. وأصبحت سياسة الكراهية في السويد هي القضية المتصدرة لوسائل الإعلام في العديد من المحطات التليفزيونية السويدية في أعقاب الهجمات التي تعرّض لها عدد من المساجد، والعنف الموجه ضد المحجبات وما لحق بها من مظاهرات مستنكرة لهذه الأعمال المشينة.

قادة الحزب الديمقراطي السويدي Sverigedemokraterna يرفعون حاليًا شعارات تحذر مما اسموه “اندثار الرفاهية والثقافة السويدية”، ويطالبون بخفض معدلات الهجرة إلى السويد بنسبة 90%. وهم لا يخفون سياسة الكراهية ضد الأجانب، بل يعتبرونها ممرا طبيعيا لقلوب وعقول السويديين. ويدعون كذبا ان سبب جميع مشاكل السويد يتحملها المهاجرون، وأن الحل يكمن في إلقاء هؤلاء خارج البلاد وإغلاق الحدود. كما ينشرون إن هناك عملية “أسلمة” تتم في السويد، وأنه يجب على الشعب السويدي تقبّل سياستهم حتى لا يسيطر المسلمون على السويد. ويبدو أن تخوف البعض في السويد من التطرف الإسلامي انقلب إلى تطرف ضد الإسلام، وبالتالي فإن الخوف من المشكلة أنشأ المشكلة نفسها لكن بشكل معكوس، حتى أصبحت الضحية هي الجلاد والجلاد هو الضحية.

ورغم وجود اكثر من 160 جمعية ومركز اسلامي موزعة على 6 اتحادات اسلامية ومجلس تعاون اسلامي يمثلها رسميا والمجلس الإسلامي السويدي والرابطة الإسلامية في السويد وروابط للأئمة واكثر من 600 جمعية ثقافية ورياضية واغاثية ونسوية، إلا ان صوت الإسلام خافت ويكاد لا يظهر، إلا في حالات توجيه الإتهام للمساجد باحتضان الخلايا المتطرفة.

وحتى صفحات التعريف بالإسلام على شبكات التواصل الإجتماعي تعبّر عن رأي فردي ولا تبرز جماليات الإسلام كدين انساني وحضاري وسلمي. وقد قامت بعض المؤسسات الإسلامية الحقوقية في السويد بعمليات تواصل مع منظمات حقوق الإنسان الدولية والأمم المتحدة بغرض محاولة الحد من ظاهرة العداء المتزايد الذي يتعرض له المسلمون.

حيث أعلنت على سبيل المثال الأمانة العامة “لوقف الرسالة الإسكندنافي” عن اعتزامه التنسيق مع المنظمات الإسلامية في السويد للتواصل مع منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي من أجل بحث تداعيات تكرار مثل هذا النوع من الاعتداءات. وأوضحت هذه المؤسسة ان المسلمين في السويد يدرسون إمكانية التواصل مع مقرر الأمم المتحدة الخاص المسؤول عن مكافحة العنصرية، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الأقليات الدينية لبحث “كيفية مساعدة السلطات السويدية في مواجهة هذه الظاهرة الجديدة” دون تدويل الأزمة.

قريبا نودع هذا العام الدموي، ونستقبل عاما جديدا على أمل ان يكون عام سلام وتسامح بين الشعوب.

السابق
«مجازفة» أخرى في لبنان
التالي
فيديو جديد لوالدة الطفلة الانتحارية:تودعها وتباركها!