سورية: إيران في قبضة روسيا

لا مستقبل لإيران في سوريا.. فحدود النفوذ الإيراني ترسمه المصالح الروسية.

ماذا يمكن أن يحقق دخول النظام السوري وحلفائه إلى ما تبقى من مناطق بيد الفصائل المسلحة في حلب؟ لن يشكل ذلك بطبيعة الحال انتصاراً لنظام بات وجوده قائماً على دعم روسيا وإيران المباشر ودعم أوسع غير مباشر. إذ يدرك المعنيون أنّ هذا ليس كافياً لكي يستعيد نظام الأسد قدرته على حكم سوريا. النظام السوري سقط أمام شعبه منذ سنين، وكل السوريين يدركون أنّه غير قادر على حكم سوريا الموحدة، ربما قدرته تكمن في أن يكون الغطاء لعمليات التدمير المتنقلة من مدينة إلى أخرى في سوريا بالقوة الروسية والقوة الإيرانية وتوابعها الميليشيوية.

كل ذلك لن ينهي الأزمة السورية، بل ستبرز أشكال جديدة تفسر عجز نظام الأسد عن الحكم، فيما الصمت الدولي والإقليمي حيال ما ارتكب في سوريا ضد معارضي النظام والمدنيين من قتل وإبادة وتهجير، سيوفر طاقة إضافية للتطرف الإجتماعي والسياسي. فتواطؤ المجتمع الدولي ضد حق التغيير السلمي والسياسي في سوريا، دفع وسيدفع حتماً الخيارات السورية المعارضة نحو الأقصى في مواجهة ليس نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين فحسب، بل في مواجهة دول كبرى وإقليمية من أميركا إلى أوروبا أيضاً. على أنّ الأشد خطراً من كل ذلك هو الكراهية التي تتغلغل في النفوس منذ سنوات. وقد شكل مشهد حلب الأخير مفصلاً مهماً في فصول ترسيخ الكراهية المذهبية لا سيّما في ظل الإنخراط الايراني في المقتلة السورية.

الثابت حتى اليوم أنّ ما ينمو في سورية ومحيطها وفي امتداداتها مستوى غير مسبوق من الشروخ المذهبية. ويشكل الإختباء خلف مقولة الإرهاب ومحاربة التكفير عنصراً غير كافياً لإخفاء هول ما جرى في البنية الإجتماعية والسياسية على مستوى المنطقة. ربما هذا ما يجعل من القوة الإيرانية بامتداداتها المذهبية في سورية ولبنان والعراق، لا تتهيب من خطورة الإيغال في الأزمة السورية، وفي اعتماد العنف المسلح والقتال كسبيل لحماية دور إيران في هذا البلد، مهما بلغت تكاليف هذا الدور على مستوى تدمير البنى الإجتماعية أو على مستوى خسائرها البشرية والمادية. ذلك أنّ الدور الإيراني  لم يعد أمامه إلاّ المزيد من الغرق في وحول الأزمة أو الانسحاب وإعلان الهزيمة، والأخير غير وارد في ظلّ إدراك عميق بأنّ الدور الإيراني في سوريا هو أكثر الأدوار العارية من حاضنة اجتماعية، بخلاف ما هو الحال بالنسبة إليها في لبنان والعراق.

حلب

 

الإصرار على مواجهة التكفير في سورية بالطريقة التي نراها في حلب وفي دعم نظام الاستبداد، لن يتيح أمام إيران سوى المزيد من الشراسة في مواجهة الأعداء داخل البيئة السنية، مقابل طواعيتها حيال الشروط الدولية ومتطلباتها. وهذا لا يحتاج إلى كثير من التمحيص والتدقيق، فإيران المتمسكة بنفوذها في سورية تعلم حجم الرفض السوري لهذا النفوذ، وهي مجبرة على الاستعانة بالكبار، سواء روسيا أو الإدارة الأميركية، وفي المحصلة المزيد من مراعاة المصالح الإسرائيلية.

إقرأ أيضاً: حلب ستنهض من جديد على انقاض ما صنعته همجيتكم، وستكون اكثر تألقاً

من المبكر الحديث عن نهاية الأزمة السورية، ومن المبكر جداً التكلم عن انتصارات، لكن صار متأخراً وقت الحديث عن إمكانية إيجاد تسويات على قواعد بقاء النفوذ الإيراني في سورية. هذا النفوذ صار مرتبطاً إلى حدّ كبير باستمرار الحرب ودوامها، خصوصاً أنّ التفاهمات الاستراتيجية بين روسيا وواشنطن تقوم على قاعدة حماية أمن اسرائيل وعدم المسّ بأمن النفط، وهذا ما يفسر إطلاق اليد الروسية في سوريا، وبالتالي عدم الاستعجال الدولي لإنجاز تسوية في سورية.

إقرأ أيضاً: حلب.. المذبحة!

ربما معركة حلب فرضتها حاجة روسية وايرانية وحاجة نظام الأسد إلى تسجيل نصر، وكل لحسابات خاصة. لكن هذا الانتصار لن ينقل الأزمة إلى طريق الحل أو إلى تثبيت سيطرة النظام، بل إلى مرحلة جديدة من الكرّ والفر. فيما إيران، التي أدخلت روسيا إلى سوريا، باتت إزاء المعادلات على الأرض وعلى مستوى السياسة الدولية محكومة بالإنصياع للحسابات الروسية. وهي أمام خيارات صعبة. فالإصطدام مع الدور الروسي يجعلها في  مواجهة مع الجميع دون استثناء، وبالتالي ستحترم كل ما يحافظ على علاقتها مع موسكو تفادياً للخسارة الكبرى على مستوى سوريا والمنطقة ولو أدّى ذلك إلى كسب المزيد من العداء في المجتمعات العربية والإسلامية.

السابق
باسيل: الأسد هو رئيس سوريا والسعودية أوّل دولة سوف يزورها الرئيس عون
التالي
الهجوم على المشنوق: «حرتقات» داخلية بـ«واجهة» إسرائيلية