آخر اتصال مع جبران تويني: شو الأخبار؟

اتصل بي الإستاذ جبران تويني وسألني كيفك "مسيو حاج"، وشو الأخبار؟

انا منيح مرسي و… ( كنت لا أزال تحت مفاجأة أنه يحكيني على الهاتف العادي. يعني هو بلبنان !)
كان مساء أحد مثل هذا اليوم
وكنت شبه موقن أنه إذا عاد فسوف يقتلونه. ربما بتأثير عدوى انفعالات أصابتني من مرافقيه أندريه مراد، ونقولا فلوطي. قبل يومين، مساء الجمعة، كنت أشرب قهوة في كافيتيريا الجريدة وجلسا إلى طاولة بجواري. كنا ثلاثتنا . أندريه كان خائفاً ومع أنه لم يسبق أن تبادلنا حديثاً يتجاوز التحية العابرة، بادرني بسؤال هل اعتقد أن الإستاذ جبران يمكن أن يرجع في هذا الظرف ؟
كان جوابي مختصرا وأعتقد أنه كان محتاجا ان يحكي ما في قلبه لأي كان. أن يخبر عن خوفه لمن يفهم في السياسة في رأيه ومستعد للإصغاء.
“بشرفي يا إستاذ وقت يجي الإستاذ جبران بصير قبل ما اترك البيت اغمر ابني وبوّسه وقول ما بقى رح شوفو . يمكن هيدي آخر مرة بيصرلي اغمرو وبوسو. أنا مرعوب يا إستاذ . مش مطمن أبدا يمكن إستاذ جبران يرجع وبدن يقتلوه. رح نروح مليون شقفة . عم جرب اهرب انا وعيلتي على كندا بس بعدها معرقلة. تلقينا معلومات أكيدة قبل ما سافر إنو بدن يقتلوه . بدي عيش مع عيلتي يا استاذ. يمكن يرجع إستاذ جبران؟”.
ظل رفيقه نقولا فلوطي صامتا . يغطي وجهه حزن وقلق. حاول أن يسكت أندريه لكن أندريه تابع حديثه وكاد الدمع أن يطفر من عينيه. ولم أدرِ بماذا أجيبه. لا أعرف . حقيقة لا أعرف. لعلني رددت في نفسي”ليتني أستطيع أن أحميك يا أندريه وأحمي ابنك ليكبر في حبك له . واستاذ جبران ونقولا وعائلته”. في الوقت نفسه لم أصدق أن جبران يمكن أن يرجع إلى لبنان ودم سمير قصير لا يزال حاراً على الإسفلت. صحيح مرت شهور ولكن القاتل لا يزال جاهزا للقتل بالتأكيد.

ربما كانت وصلت إلى أندريه إشارات من الإستاذ جبران أنه سيعود . ربما بمرافقته اللصيقة له فكر أنه لن يتحمل حملة سخرية منه أطلقها مسؤولون عونيون خلال لقاءات عامة في الأشرفية قبل أيام وحتى عبر بعض وسائل الإعلام. حملة استفزاز وصلت الى إشاعة أنه جبران تويني غير مهدد إطلاقا، ووجوده في باريس هو لأسباب وعلاقات خاصة عيب مجرد ذكرها.

إقرأ أيضاً: لا تسامحنا يا جبران !

كان يعرف أندريه ، يمكن، أن جبران يطّلع ويهتم بما يشيعه العونيون ضده لأسباب سياسية. وأنه لا يطيق التشكيك العلني في صورته وشجاعته . لذلك لم يستبعد أن يتخذ قرارا بالعودة فجأة إلى بيروت، ليُسكت كل من يتناوله بسوء ويحاول ان يشوه صورته وسمعته. في ما بعد أدركت كم كان خوف أندريه الشديد في محله. وأن المرافق في أحوال كهذه يعرف أكثر بكثير من الصحافي وإن كانا في مكان واحد إلى طاولتين متجاورتين.

إقرأ أيضاً: أيّها الناس إنّي أعرف مَن قتله!

قدمت ملخصاً إلى الإستاذ جبران عن الحركة السياسية ذلك المساء وقلت له “شوف وجك بخير” . أحسست أنه كان يريد أن يسمع مني أشياء أخرى. لكني كنت لا أزال تحت وطأة المباغتة: إنه في لبنان والأرجح في بيت مري وحكاني من هاتف عادي !
عدت إلى البيت وغرقت في الكتب .نمت متأخرا واستيقظت على دوي انفجار . رفعت رأسي عن المخدة ونظرت إلى ساعتي. “قتلوا جبران”، قلت . وما زلت أغرق في كآبة كلما تذكرت.

السابق
روسيا البوتينية وامريكا الترامبية… والسلام القادم في شرق المتوسط
التالي
بعد احتلال حلب الميليشيات المذهبية تقيم أول حسينية في حي مساكن هنانو