«سوريا المُفيدة» لإيران وروسيا… ماذا عن شمالها؟

سركيس نعوم

لماذا موقف تركيا من تطوّرات سوريا مُقلق للجمهوريّة الإسلامية الإيرانية؟ لأن تركيا مهمّة جدّاً لأميركا وأوروبا وحلف شمال الأطلسي، ولأن الأولى وقفت معها دائماً ولن تُغيّر موقفها الآن رغم التوتّرات التي نشأت بينهما في السنوات الأخيرة سواء بسبب الحروب السوريّة وآثارها السلبيّة على العالم والغرب عموماً، أو بسبب التطوّرات السلبيّة في الداخل التركي. في اختصار يقول القريبون من طهران في العاصمة اللبنانيّة إن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ليس بأهمية بلاده في واشنطن والغرب. وهذا ما يقلقه وربما يخيفه. وقد عبّر عن ذلك مباشرة ومداورة في لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيّين بالقول: “أن حصول محاولة انقلابيّة عسكرية ثانية عليَّ لا يزال وارداً”. ولهذا السبب يبدو مُرتبكاً ومُنهمكاً بإزالة “الأخطار” عليه بواسطة استمرار “حملة تطهير” المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة والمدنيّة. طبعاً لا تعني هذه “المُساررة” أو المُكاشفة لهؤلاء أن العلاقة بين أنقرة وطهران قويّة ووثيقة وعميقة. إلّا أنها ليست في الوقت نفسه متدهورة. فهي عادية وتقوم على قاعدتين هما عدم الانجرار إلى التقاتل، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية التي بدا أنها مُجزية لكليهما. وضع أردوغان هذا جعله يرتبك عسكرياً في سوريا. فهو يملأ بجيشه فراغات عسكرية. يقول لـ”داعش” اسحب قواتك من هذا المكان ويُحلّ مكانه قوات تركيّة وأخرى حليفة له. وأميركا المُرتبكة تفعل مثله، إذ تقول للأكراد (قوة سوريا الديموقراطيّة) أخرجوا من هذه المنطقة فيخرجون. لكن تركيا رغم ذلك دولة قويّة عسكريّاً وعضو في حلف شمال الأطلسي. وإقدامها على احتلال منطقة أو مدينة سوريّة مهمّة يُقلق إيران جدّياً. إذ أن إخراجها منها لن يكون بمعركة عسكريّة لأنها ستؤدّي إلى حرب، بل بالتفاوض. وهي لن توافق على أي تسوية سياسية لانهاء الاحتلال إلا في مقابل مكاسب معيّنة. وطهران لا تبدو مستعدّة لذلك.

إقرأ أيضًا: المعارضة السورية لـ«جنوبية»: اسرائيل تنفذ الغارات بالتنسيق مع حزب الله ونظام الأسد لتبرير المجازر
علماً، يقول القريبون أنفسهم، إن قلق إيران لا يعكس خوفاً من تطوّرات سورية تؤذي مصالحها وتُعرقل “مشروعها” الذي حقّق تقدّماً مهمّاً أخيراً. فهي تعرف أن جغرافية سوريا لن تتغيّر. وأن نفوذها سيكون كبيراً في “سوريا المُفيدة”. وسوريا هذه هي “الدولة المركزية” بمدنها وأريافها وغالبية السكان. والمسؤولون الإيرانيون قد يتساهلون مع وجود نفوذ لتركيا في بعض الشمال السوري وليس مع ضم أجزاء منه إليها، إلّا إذا أخذت مدينة “الباب” وساعتها تصبح المعركة العسكريّة معها حتميّة. ويلفت هؤلاء إلى أن حلب جزء أساسي من “سوريا المُفيدة”، وإلى أن التفاهم المُشار إليه أعلاه بين أنقرة وطهران مع ترتيب علاقة الأولى بموسكو بعد تدهورها سيحول من دون تفاقم الأمور مع دمشق. لذلك لا ممانعة إيرانية في نفوذ لتركيا شمال سوريا أو بعضه. علماً أن الرئيس السوري بشار الأسد يرفض ذلك جملة وتفصيلاً، ويرفض أي تدخّل عسكري تركي في سوريا ويقول للجميع إنه لا يثق بالرئيس أردوغان وبطانته. أما إيران فتعتبر أن الأتراك أخطأوا مع سوريا إذ انفتحوا عليها مئة في المئة ثم انقلبوا ضدها.
هل يستطيع الرئيس الأسد أن يرفض اقتراحات إيرانية أو روسية يعتبرها مؤذية لبلاده ولنظامه؟
يعرف الجميع أن الأسد كان “انهار” من زمان لولا إيران و”حزب الله”. وأنه ما كان ليصمد من دون مساعدتهما العسكرية ولولا دخول روسيا الحرب إلى جانبه. ويعرف أنه مدين لهؤلاء كلّهم وأن القرار السوري الفعلي ربما صار في أيديهم. لكن متابعيه يظنّون أنه يستطيع أن يحقّق الكثير من خلال اللعب على التنافس بين القوّتين الأكبر في سوريا طهران وموسكو، وخصوصاً بعدما ساعدته الاثنتان على إعادة بناء ما تبقّى من جيشه وعلى تدريبه وتسليحه. وتُفيد معلوماتهم على هذا الصعيد أن “الفيلق الخامس” في الجيش الذي أعلنت سوريا تأسيسه أخيراً أنشأه الروس وموَّلوه وسلّحوه ودرّبوه. لكن هل يغامر الأسد بإثارة تنافس قد يكلّفه موقعه ونظامه؟ وهل تغامر إيران وروسيا بالاختلاف في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة، وفي وقت تشهد الدول الكبرى في العالم وبدءاً من أميركا تغييرات سياسية مهمّة جدّاً ولا سيّما على مستوى أصحاب القرار؟ وهل تستطيع روسيا أن تقبل بالطموحات الإيرانية القصوى (قواعد بحرية وبريّة في الشرق الأوسط)؟ وهل تستطيع إيران أن تتسبّب حاجتها إلى روسيا بمس الأخيرة سيادتها وتالياً دورها (قواعد داخل إيران)؟ طبعاً لا يزال سابقاً للأوان الجواب النهائي عن هذه الأسئلة وأخرى غيرها.

السابق
ديما صادق تبكي ونديم قطيش يعلّق: ليست باسمنا هذه الجريمة
التالي
«داعش» ونظام ولاية الفقيه: تقابل وتشابه