ماذا لو سقط شرق حلب؟

هل إذا سقط شرق حلب في قبضة النظام وداعميه، يعني ذلك أن الثورة السورية سقطت، وأنها دخلت في طور التصفية؟ إن من تتجسد الثورة في مخيلته على أنها قوى معارضة مسلحة على الأرض، يكون الجواب لديه، نعم.. أما من يدرك كنه الثورات، عبر التاريخ، فهو يعلم أن الثورات حدث يفجر سلسلة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، لمجتمع ما، تتغيّر عبرها البديهيات والقناعات القديمة، وتحل مكانها أخرى أكثر تطوراً ومرونة..

من يدرك هذه الحقيقة التاريخية، يدرك أن الثورة في سوريا، التي انطلقت في ربيع عام 2011، لن تنتهي في حلب، بل هي لن تنتهي حتى لو كُتب لفصائل المعارضة المسلحة الميدانية على الأرض، الهزيمة.. بل ربما على العكس تماماً، قد تكون بعض التطورات المؤلمة إيذاناً بفشل مبكر لمشاريع إستبداد أخرى، وإن بصيغ أخرى، قد تكون دينية، كانت تؤسس لها فصائل تُحتسب على المعارضة، ويتعاطف معها أنصار الثورة، باعتبارها في معسكرهم الميداني، ضد عدوهم المتمثل في النظام وداعميه.

فقط مراجعة سريعة لأشهر الثورات الكبرى في التاريخ المعاصر، تكشف لنا دون كثير عناء، أن صيرورات التحولات النوعية التي تُطلقها الثورات، لا تنتهي إلا بإيصال المجتمع إلى الهدف الأول، الذي انطلقت من أجله الثورة، وإن كان بعد عقود من الفوضى والحروب والصراعات ومحاولات استرداد الاستبداد. لا نقول ما سبق بناء على أمانٍ، بل هي قصة تاريخية تتكرر في كل مرة يشهد فيها بلد ما ثورة كبرى، فلا تهدأ التحولات فيه، عبر عقود، إلى أن يصبح بلداً ديمقراطياً، تعلو فيه كرامة الإنسان، في نهاية المطاف. وبالعودة إلى شرقي حلب، وماذا يعني سقوطها، لو حصل.. فهو قد يعني فشل المشاريع الجهادية في سوريا تحديداً.. هي ضربة قاصمة لكل من رفع راية جهادية، على أسس دينية بحتة، غلبت عليها الفصائلية، واستبدت، في كثير من الحالات، بالناس الذين ادعت نصرتهم، بذرائع دينية، وتنازعت امتلاك الحق، حتى اقتتلت في ما بينها، فكانت النهاية في اندحارها. سواء في الشمال، أو في محيط دمشق، أو في بقع أخرى من سوريا، رفعت عشرات الفصائل رايات جهادية، لكنها تشتت في شِيع، على أسس فقهية هشّة، لتبرر انقساماتها التي لا يمكن تبريرها.

ورغم أنها لم تنتصر بعد على غريمها الأوحد، النظام وداعميه.. تبدت ملامح الاستبداد في الكثير من مظاهر أدائها الإداري في مناطق سيطرتها، الأمر الذي دفع للتساؤل، ماذا ستفعل لو انتصرت؟ اليوم، يستنجد أحد رموز الجهاديين في سوريا، عبد الله المحيسني، بتركيا، مطالباً إياها بالتدخل لإنقاذ حلب، رغم أن فصيلاً رئيسياً في “جيش الفتح”، وهو “فتح الشام”، أصدر منذ أسابيع فتاوى جازمة بحرمة التحالف مع الأتراك. دليل آخر على اهتراء المشاريع الجهادية في سوريا، وعجزها عن تحمّل ما إدعت قدرتها على تحمله، من مسؤوليات، فعجزت عن الانتصار على نظام الأسد وحلفائه، كما عجزت عن تقديم بديل مقبول أمام الخارج، للأسد ونظامه، وفشلت أيضاً في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها بصورة تقنع السوريين أنفسهم بأنها بديل أنسب من نظام الأسد، وتعاملت مع مناطق سيطرتها، وما فيها من مؤسسات وموارد على أنها، غنائم حرب.

إقرا ايضًا: أم نور: النظام السوري اغتصبني أمام ابني

قد تسقط شرق حلب في قبضة النظام بدعم من حلفائه، خلال الأسابيع المقبلة، وقد لا يحصل ذلك بتدخلٍ إقليمي غير مباشر، تركي أو خليجي، أو مشترك بينهما، يثبت مرة أخرى أن الجهاديين، كالأسد ونظامه، ورقة لعب خارجية، لا أكثر. وتبقى ربما ضعيفة جداً، بألا تسقط شرق حلب، بصمود مقاتلي الفصائل الجهادية، وتحملها لمسؤولياتها بالصورة التي ادعت قدرتها عليها، وإن كان ذلك يتطلب شرطاً غائباً حتى الآن، لا يُفهم غيابه، وهو توحد تلك الفصائل في غرفة عمليات واحدة، شمالاً، ووسطاً، وجنوباً، على امتداد التراب السوري، وفتح عشرات الجبهات ضد النظام، ومعاقله الآمنة، بصورة تقلب المعادلات المهترئة القائمة اليوم، في معسكر المعارضة.

إن لم تحصل الـ “ربما” الأخيرة، الضعيفة جداً، فمصير المشاريع الجهادية وتجاربها في سوريا، إلى اندحار سريع ودراماتيكي. أما بالنسبة للثورة، وبالعودة إليها، تلك التي انطلقت ربيع 2011، بمطالب سياسية بالدرجة الأولى، لا بمطالب دينية، فلا يُخشى على مصيرها، لأنه ببساطة، كما أن المشاريع الجهادية اهترأت في سوريا، فنظام الأسد مهترئ هو الآخر، وحالما يقرر اللاعبون الدوليون والإقليميون إنهاء الصراع في سوريا، فسيكون رأس الأسد هو عنوان الخاتمة، وستبدأ مسيرة إعمار جديدة، لبلد جديد، هو سوريا ذاتها، لكن ببديهيات جديدة لدى أبنائها، سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية، ستؤدي في نهاية المطاف، مهما طالت التعرجات، إلى نموذج حكم ديمقراطي، يسوده صندوق الاقتراع، وتعلو فيه كرامة الإنسان.

السابق
هل سمعتم بالمجازر؟
التالي
الغارات الروسية على حزب الله في «نبل والزهراء»: نيران غير صديقة!